في الثاني من أيار (مايو) الماضي، انسحبت «نقابة الكتّاب الأميركية» (WGA) من «تحالف منتجي الصور المتحركة والتلفزيون» (AMPTP) بعد فشلها في التوصل إلى عقد جديد. على إثر ذلك، بدأ إضراب كبير في هوليوود انضم إليه «اتحاد ممثلي الشاشة الأميركية لفناني التلفزيون والراديو» (SAG-AFTRA). تتمثل المشكلات الرئيسية التي يواجهها الكتّاب والممثلون، في خوفهم من استبدالهم بالذكاء الاصطناعي لإنشاء المحتوى، والحد الأدنى لعدد الكتّاب الذين يجب توظيفهم في العروض، ومدة عقود العمل والرواتب الزهيدة التي يتقاضونها من قبل المنتجين. وعلى الرغم من الشلل الذي لحق بصناعة الترفيه نتيجة الإضراب، بدأت بعض الاستوديوات توظيف خبراء في أدوات الذكاء الاصطناعي، في تحدٍ واضح للكتّاب والممثلين البشر.
(محمد نهاد علم الدين)

خلال الأسابيع القليلة الماضية، قامت كلّ من «ديزني» و«نتفليكس» و«سوني» و«أن بي سي يونيفرسال» وغيرها، بالإعلان عن 26 وظيفة على الأقل تتعلق بالذكاء الاصطناعي، وفقاً لتقرير نشره موقع «أن بي سي نيوز». وتتطلع الشركات إلى دفع أكثر من 200 ألف دولار سنوياً للعديد من مطوّري البرامج المحتملين، وفي بعض الحالات أكثر من ذلك بكثير. ويشير العديد من فرص العمل إلى مهام مثل بناء منصة للذكاء الاصطناعي أو مركز ابتكار. مهام يُفهم منها أن الاستوديوات تخطّط للمستقبل، وتحاول بناء منظومة متكاملة من أدوات الذكاء الاصطناعي تؤمّن لها في المستقبل القريب بديلاً رقمياً عن الممثلين وكتاب السيناريو. الحديث هنا عن عروض سينمائية وتلفزيونية تنجزها كائنات رقمية، مصنوعة داخل مختبرات تلك الشركات. وستكون حقيقية بالنسبة إلى المشاهد، وخصوصاً بعد التطويرات الهائلة التي لحقت ببرامج قادرة على صنع عوالم كاملة وشخصيات حقيقية، مثل Unreal Engine. عملياً، قد تكون هوليوود قريباً قادرة على إنتاج عروض من دون أن تتكلّف على ممثلين وكتّاب محتوى. انتصار كبير لأطماع الرأسمالية، أن تنتج بأقلّ كلفة.
تسبّب الإضراب في توقف أو تأخير العديد من إنتاجات هوليوود السينمائية والتلفزيونية، منها فيلم «دون 2» لدوني فيلنوف الذي تأجّل إلى عام 2024. وسبق أن أرجئ طرح فيلم «تشالنجرز» (إخراج لوكا غوادانيينو) إلى نيسان (أبريل) 2024 فيما أجّلت «وورنر» طرح فيلم الرسوم المتحركة The Lord of the Rings: The War of the Rohirrim (إخراج كينجي كامياما) من نيسان 2024 إلى كانون الأوّل (ديسمبر) من العام نفسه. وأثّر الإضراب أيضاً على اقتصاد لوس أنجليس، حيث يعيش ويعمل العديد من العمال.
يقول قادة النقابات إنّ الذكاء الاصطناعي يهدّد بأخذ العمل من أعضائها، حيث رفع بعض الفنانين، بمن في ذلك الفنانة الكوميدية سارة سيلفرمان، بالفعل دعاوى قضائية لأن شركات التكنولوجيا تستخدم كلماتهم أو عوامل مرتبطة بهم لتدريب بدائل الذكاء الاصطناعي. من جهتها، وصفت رئيسة نقابة ممثلي الشاشة (الاتحاد الأميركي لفناني التلفزيون والراديو)، فران دريشر، الذكاء الاصطناعي بأنّه «سمّ». وأضافت خلال بودكاست في 28 تموز (يوليو) الماضي: «عندما يكون لديك مزيج من وول ستريت (تقصد سوق البورصة)، والجشع، والتكنولوجيا، والشباب الأذكياء الذين لا أراهم يجسدون قدراً كبيراً من التعاطف (تتحدث عن المبرمجين)، فهو كوكتيل قاتل، برأيي... لا أريد أن نضطر إلى شرب هذا السم بعد الآن». وختمت بالقول: «الجميع يشاهد مسلسلات ديستوبيا كنوع من الترفيه، بينما يعيشها أعضاء النقابة فعلياً».
لا يزال الإضراب مستمراً حتى يومنا الحالي، فيما تتواصل المفاوضات بين النقابات والمنتجين منذ أشهر، من دون التمكّن من التوصل إلى أي اتفاق يرضي الجهات كافة. تطالب النقابات بتعويض مالي عادل واحترام لعمل أعضائها، بينما يزعم المنتجون أنّهم يواجهون تحديات مالية بسبب الوباء و«المشهد الإعلامي المتغيّر». وقد أعرب الجانبان عن استعدادهما لمواصلة المحادثات، لكن لم يتم الكشف عن أي تقدم حتى كتابة هذه السطور.