ضمن محاولة جديدة لإعادة إحياء مسار «اللجنة الدستورية» المجمد، وصل المبعوث الأممي، غير بيدرسن، إلى العاصمة السورية، دمشق، في زيارة كان قد حاول إجراءها منتصف الشهر الفائت، قبل أن تُجدوِلها دمشق منتصف الشهر الحالي، في ظل تمسك بيدرسن بالموقف الأميركي الرافض لتغيير مكان عقد لقاءات «الدستورية» من جنيف السويسرية إلى مدينة أخرى توافقية. وتأتي زيارة المبعوث الأممي الذي أصدر قبل يومين بياناً لمناسبة «الذكرى السنوية للصراع السوري»، عبّر من خلاله عن تشاؤمه جراء «انسداد الأفق السياسي للحل»، في وقت بات فيه معروفاً موقف دمشق من الدعوة التي أرسلها الرجل لعقد الجولة التاسعة من «الدستورية» في جنيف، في تراجع غير مبرر عن مواقف سابقة له أعلن من خلالها البحث عن مدينة أخرى، قبل أن تتدخل الولايات المتحدة وتصرّ على سويسرا، في محاولة لإحراج سوريا وروسيا، وإظهارهما على أنهما السبب في عرقلة الحل السياسي. والجدير ذكره، هنا، أن مسار «الدستورية» فشل، خلال ثماني جولات سابقة منذ انطلاقه عام 2019، في تحقيق أي تقدم واضح في الحل السياسي، فيما تحوّل إلى منصة للصراع الإعلامي.ولم يخرج اللقاء الذي جمع بيدرسن مع وزير الخارجية السوري، فيصل المقداد، بأي جديد؛ إذ جدّد الأخير، وفقاً لـ«وكالة الأنباء السورية» (سانا)، الحرص على «التعاون القائم مع الأمم المتحدة والتسهيلات التي تقدمها الحكومة السورية للأمم المتحدة ومكاتبها في سوريا، بما في ذلك مكتب المبعوث الخاص»، بالإضافة إلى «جهود الحكومة السورية في تحسين الوضع الإنساني، وتحقيق التعافي، والآثار الكارثية اللاإنسانية على الشعب السوري، الناجمة عن التدابير القسرية الأحادية الجانب اللاشرعية التي تفرضها الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها الغربيون» على سوريا. في المقابل، استعرض بيدرسن، خلال اللقاء، الاتصالات التي قام بها أخيراً من أجل تنفيذ المهمة التي يقوم بها، مشدداً على «ضرورة احترام كل الأطراف ذات الصلة لسيادة ووحدة أرض وشعب سوريا»، وعلى أهمية أن «تنفذ جميع الدول التزاماتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة لإعادة الأمن والاستقرار إلى ربوع الجمهورية العربية السورية»، بحسب «سانا».
بالتوازي مع ذلك، وبعدما أعلنت المعارضة السورية موافقتها على عقد اللقاءات في جنيف في تناغم مع الموقف الأميركي، أعلن نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، أن اختيار مكان جديد لعقد اجتماع «اللجنة الدستورية» السورية لم يتم حتى الآن. وأضاف فيرشينين، في تصريحات على هامش «الدورة الـ 67 للجنة الأمم المتحدة المعنية بملف المخدرات، «أننا الآن نبحث عن فرصة لمواصلة الحوار بين السوريين بمساعدة نشيطة من البلدان المشاركة في صيغة آستانا، علماً أن الحوار كان في السابق يجري في جنيف، والآن فقدت سويسرا إلى حد كبير وضعها المحايد، وهو أمر ضروري لتنفيذ المبادرات الدولية». وتابع: «لقد أيدنا دائماً تحقيق تسوية سياسية طويلة الأمد في سوريا على أساس مراعاة مصالح الشعب السوري، وكذلك احترام استقلال سوريا وسيادتها وسلامة أراضيها».
أكد أشتياني استعداد وزارة الدفاع الإيرانية لتطوير قوة الردع السورية


ويأتي الفشل الأممي في تحقيق أي خرق سياسي في الأزمة السورية بالتوازي مع استمرار نقص المساعدات التي تقدمها المنظمات التابعة للأمم المتحدة للسوريين، الذين أعلن بيدرسن أن «16.7 مليوناً منهم يحتاجون إلى المساعدة الإنسانية، وهو أكبر عدد من المحتاجين منذ بدء الصراع». وتابع بيدرسن، في بيانه، أن «هناك أكثر من خمسة ملايين لاجئ يعيشون في الدول المجاورة، وأكثر من سبعة ملايين نازح داخل سوريا»، علماً أن منظمات أممية عديدة أعلنت عجزها عن تقديم المساعدة لهؤلاء في ظل التراجع المستمر في التمويل، جراء انشغال الدول المانحة، وعلى رأسها الولايات المتحدة وحلفاؤها في الاتحاد الأوروبي، بالحرب في أوكرانيا وتقديم الدعم لإسرائيل في حرب الإبادة التي تشنها على الفلسطينيين في غزة.
وإلى جانب عرقلة مسار الحل الأممي، من شأن تمسك بيدرسن بالموقف الأميركي أن يعرقل «المبادرة العربية» للحل في سوريا، والتي أعلنت دعمها «مسار الدستورية»، فضلاً عن محاولة فتح الباب أمام عودة اللاجئين والنازحين إلى منازلهم، ودعم إعادة إعمار البنية التحتية، وهي نقاط أبدت واشنطن رفضها القاطع لها «من دون ثمن سياسي». وفي سياق متصل، أجرى وزير الدفاع السوري، العماد علي محمود عباس، زيارة إلى العاصمة الإيرانية، طهران، حيث التقى نظيره الإيراني، محمد رضا أشتياني، وبحثا الوجود الأميركي غير الشرعي في سوريا، والاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على الأخيرة. وبحسب وكالة «مهر» الإيرانية، أكد أشتياني استعداد وزارة الدفاع الإيرانية لتطوير قوة الدفاع والردع السورية، قائلاً إن «النقطة المهمة والاستراتيجية في التصدي لهجمات الكيان الصهيوني هي خلق الردع، لذا فإن الإجراءات والخطط الضرورية والعاجلة لمنع غطرسة هذا الكيان مدرجة على جدول الأعمال».
وفي وقت متأخر من بعد منتصف ليل السبت، شن جيش الاحتلال الإسرائيلي عدواناً جديداً على سوريا، ضمن مسلسل الاعتداءات التي تصاعدت بعد هجوم السابع من تشرين الأول الماضي الذي شنته المقاومة الفلسطينية، وما تبعه من حرب إبادة ضد الفلسطينيين ومحاولات إسرائيلية مستمرة لتوسيع دائرة المواجهات في جنوب لبنان وسوريا. وقالت وزارة الدفاع السورية، في بيان، إن العدوان الذي نفذته طائرات إسرائيلية من اتجاه الجولان السوري المحتل، استهدف عدداً من النقاط في المنطقة الجنوبية، مشيرة إلى أن «وسائط دفاعنا الجوي تصدت لصواريخ العدوان وأسقطت بعضها»، فيما أسفر العدوان عن «إصابة عسكري بجروح ووقوع بعض الخسائر المادية».