وكشفت التطورات الأخيرة جانباً كان غائباً إلى حد ما، إذ بعدما سعى الجولاني إلى «مأسسة» جماعته بدعم تركي، في محاولة لإنهاء الحالة الفصائلية القائمة، وتهميش المرجعيات الشخصية للعناصر داخل هذه الفصائل، أظهر كثير من هؤلاء ارتباطهم الوثيق بقيادييهم بشكل مباشر، وليس بأي مؤسسة، ما يفسّر التحريض المستمر على خروج التظاهرات في مختلف مناطق سيطرة «الهيئة»، حيث يرفع المشاركون فيها صوراً لآثار التعذيب، ودعوات إلى رحيل الجولاني، بالإضافة إلى المطالبة بإخراج بقية المعتقلين. ورغم محاولة «تحرير الشام» امتصاص الغضب عبر نشر رئيس «مجلسها الأعلى للإفتاء»، عبد الرحيم عطون، بياناً أعلن عبره العمل على إصدار «عفو عام»، ضمن خطوة من سبع خطوات أخرى لإنهاء «ملف العمالة»، من بينها «تشكيل لجنة قضائية»، وتتبّع قضايا التعذيب ومعاقبة المسؤولين عنها، إلا أن تلك الوعود لم تتمكن، حتى الآن، من تخفيف حالة الاحتقان القائمة، سواء على المستوى الشعبي، أو حتى على مستوى مكونات «تحرير الشام» ذاتها. وينذر ذلك باستمرار الأزمة القائمة، وتعمق الشروخ داخل «الهيئة»، في ظل إصرار الجولاني على تحكمه المطلق فيها، وتحول أصدقائه ومساعديه بالأمس إلى خصومه اليوم.
باءت كل محاولات الجولاني لنزع فتيل الخلاف داخل «الهيئة» بالفشل
وفي محاولة لإظهار تمسك الجولاني بالهيكلية القائمة، وتأكيد «سلطة المؤسسات»، التي هي في الواقع سلطة شكلية، أعلن «مجلس الشورى العام» منح الثقة للتشكيلة الوزارية الجديدة في «حكومة الإنقاذ»، برئاسة محمد البشير، بعد تأخير لأكثر من شهر. إلا أن «التشكيلة الجديدة» لم تختلف عن سابقاتها، باستثناء بعض التعديلات البسيطة، وسط وعود أطلقها البشير بزيادة عدد المحاكم ورفع سويتها، والعمل على تهيئة بيئة مناسبة لجذب الاستثمارات، وفقاً لتعبيره. والجدير ذكره، هنا، أن معظم الاستثمارات القائمة تحتكرها «الهيئة»، إلى جانب سيطرتها شبه المطلقة على المشاريع السكنية التي تقوم تركيا بتشييدها قرب الشريط الحدودي بدعم من قطر، التي يقطنها عدد من الشخصيات الداعمة للجولاني.
وبالتوازي مع الأزمة الداخلية التي تعيشها «تحرير الشام»، تشهد خطوط التماس مع مناطق سيطرة الجيش السوري، في منطقة «خفض التصعيد» حيث تنتشر فصائل «جهادية» تابعة لـ«الهيئة»، محاولات إشعال مستمرة، عبر هجمات يقوم «انغماسيون» بتنفيذها. وكان آخر هذه المحاولات شنّ هجوم في ريف اللاذقية، تصدّى الجيش السوري له، معلناً في بيان القضاء على المجموعة التي نفذته. وفي هذا الوقت، يتابع سلاحا الجو السوري والروسي عمليات استهداف مخازن الأسلحة ومواقع تصنيع بعضها، بما فيها الطائرات المسيرة، وهو السلاح الذي حاولت الفصائل استعماله لتغيير قواعد الاشتباك، قبل أن ينقلب ضدها مع استعماله من قبل الجيش السوري لتدمير دفاعاتها وتحصيناتها، بما فيها الأنفاق والمتاريس، بالإضافة إلى ملاحقة أهداف لها في عمق مواقع سيطرتها، وتحقيق إصابات دقيقة فيها. وفي هذا الإطار، أكّدت مصادر ميدانية، في وقت سابق، في حديث إلى «الأخبار»، أن استعمال المسيرات من قبل الجيش السوري «تسبب في حالة إرباك كبيرة» في صفوف المسلحين.