غزة | نصف عام مرّ من عمر أهل قطاع غزة، قضوه تحت وطأة الحرب، متنقّلين من ملجأ إلى آخر في ظلّ عمليات الدمار الشامل الإسرائيلية، وغارقين في حالة كرب تبدو بلا نهاية. الحاجة أم مازن التتر (75 عاماً) تحتار في أيّ أيام الحرب أكثر صعوبة؛ «فجلّها قضيناها في التنقّل والترحال من مكان إلى آخر، وهذا هو النزوح الثاني عشر، أقضيه في دير البلح وقلبي يتلوّع على أبنائي في مدينة غزة» كما تقول لـ«الأخبار»، مستدركةً بأن «ليلة استشهاد ابني كانت من أصعب الليالي عليّ»، وهو ما ينطبق أيضاً على لحظة استشهاد أحفادها في المدرسة الماليزية أمام عينيها. أما منار طه (33 عاماً)، فتقول، لـ«الأخبار»، إن «أصعب يوم مرّ عليها خلال الحرب هو يوم حاصر جنود الاحتلال مستشفى القدس الذي نزحت إليه بعد تدمير منزلها من قبل الطائرات الحربية الصهيونية، وإجبارها على الخروج من مدينة غزة إلى دير البلح مشياً على الأقدام». وتضيف: «أصعب لحظة مرّت عليّ هي عندما تلقيت خبر استشهاد زوجي وأنا وحدي، حيث وجدت رسالة على الهاتف المحمول لوالدي تقول الحمد لله الذي شرفنا باستشهاد أحمد، عندها بكيت من دون توقف، وقضيت تلك الليلة في حزن وألم على فراق الصاحب والسند».من جهته، يستذكر شريف سمور (41 عاماً) «يوم نزوحنا من غزة إلى الجنوب تحت القصف، حيث حلّ الليل علينا ونحن في الشارع من دون أي مكان يؤوينا، وتشتَّتنا، وأصبح كل واحد منا في مكان لأيام». ويتابع أن من أصعب ما مرّ أيضاً «يوم كنا في أحد مراكز الإيواء، وفجأة أحاط بنا جيش الاحتلال، ما اضطرنا للخروج والمبيت في خيمة تسير من تحتها مياه الصرف الصحي وتحيط بها الأوساخ والقاذورات، فضلاً عن انقطاع الاتصالات وعدم القدرة على الاطمئنان على بعضنا البعض». ويزيد أن خبر استشهاد شقيقه كان من أصعب اللحظات عليه، «فضلاً عن حصار إخواني في مشفى الشفاء الطبي، وإخفائهم قسرياً، ونزوحنا من المكان الذي كنا فيه بعدما استهدفته دبابات الاحتلال بالقذائف التدميرية».
«ليلة استشهاد ابني كانت من أصعب الليالي عليّ»


وتصف آية سكر (37 عاماً)، بدورها، لحظة توديعها زوجها محمد قبل ستة أشهر، وخروجها إلى الجنوب، حيث «تشتّتت الأسرة وأصبح هو في بلد وأنا في بلد آخر، ولا نستطيع أن نجتمع سوياً رغم قصر المسافة بيننا». وتقول لـ«الأخبار»: «نزحتُ عند أختي في المغراقة، وما إن بدأ الاحتلال الصهيوني الدخول البري، حتى انهالت الصواريخ علينا من كل حدب وصوب، فتوجّهنا إلى إحدى مدارس وكالة الغوث للاحتماء بها، فإذا بصواريخ الاستطلاع وقنابل الغاز والفوسفور تتساقط فوق رؤوسنا حتى صباح اليوم التالي». وتضيف أن لحظة خروجها من المدرسة كانت من أشدّ اللحظات صعوبة عليها؛ إذ حملت حقيبتها على ظهرها، وصغيرتها على رقبتها، وصغارها الآخرين بين يديها، وتوجهت مشياً على الأقدام إلى منطقة النصيرات، في ظلّ رعب شديد.
أما أم مصعب (33 عاماً) فتقول إن «طلعتي من بيتي مجبرة على بيت أهلي، كانت من أصعب الأيام، شو بدك تحملي لتحملي؟ كل شي في بيتك ذكرى». وتتابع: «مرت علينا ليالي صعبة كثيرة، منها استهداف منزل عائلة الغول والذي خلّف 40 شهيداً. شاهدت النار مشتعلة وصوت الناس وهي تستغيث، وكذلك استهداف منزل عائلة حجازي، حيث استيقظت من النوم على مجزرة. فالناس الذين كانوا معك أصبحوا تحت الردم ولم يخرجوا حتى الآن». وإذ تشير إلى أن «أصعب لحظة هي وصول خبر استشهاد أعزّ الناس إليك»، فهي تستدرك بأن أشدّ موقف عاشته خلال الحرب هو «بس تشوفي بنتك جوعانة وتقع بين يديك من الجوع، وكلما أوقفتُها تقع مرة أخرى. مرت 3 أيام من دون أي طعام، وتقول جوعانة. كان موقفاً صعباً جداً».