رام الله | منذ سنوات، وعلى مدار الساعة، تشنّ إسرائيل حرب استنزاف متواصلة في الضفة الغربية من خلال الاقتحامات والاعتقالات والمطاردات، للوصول إلى مرحلة هادئة لا مقاومة فيها. لكنها على رغم ذلك تفشل، وتتلقّى الضربة تلو الأخرى، وفي أكثر الأماكن تحصيناً، وآخرها في الأغوار صباح أمس، في عملية وصفتها وسائل الإعلام العبرية بـ«المعجزة» بعدما كادت تتسبّب بكارثة لولا أن حافلة المستوطنين كانت مضادة للرصاص. وأفادت مصادر عبرية، بأن مسلّحاً فلسطينيّاً كان يقف على قارعة الطريق، فتح النار على حافلة للمستوطنين ومركبات أخرى، فأصاب، بحسب طواقم الإسعاف الإسرائيلية، ثلاثة مستوطنين بجروح تراوحت بين الطفيفة والخطيرة. ووفق المعلومات المتوفرة، كمن الشاب على شارع 90 الواصل بين شمال فلسطين المحتلّة وجنوبها من الناحية الشرقية، وباشر بإطلاق النار باتجاه حافلة للمستوطنين ومركبتَين قرب بلدة العوجا في أريحا، قبل أن ينسحب من المكان بسلام. وعلى خلفية ما جرى، قرّر جيش الاحتلال إغلاق حاجزَي الحمرا وتياسير العسكريَّين في الأغوار الشمالية، وكذلك الطرق المؤدية إلى أريحا ومداخل المدينة، حيث نصب الحواجز العسكرية وأوقف المركبات وفتّشها ودقّق في هويات مَن فيها، فيما شاركت مروحية تابعة للجيش، القوات الخاصة، في البحث عن المنفّذين.وتكتسب عملية الأغوار أبعاداً كثيرة، كون المنطقة تُعدّ من الأكثر حساسيّة وتحصيناً أمنيّاً وجغرافيّاً، كما أن الشارع 90، حيث وقعت عملية إطلاق النار، يُعدّ من الشوارع الرئيسة التي يسلكها عشرات آلاف المستوطنين، وتسيّر عليه قوات الاحتلال بصورة دائمة دوريات عسكرية. وتنتشر في الأغوار نحو 38 مستوطنة، معظمها زراعية، إضافة إلى عشرات المواقع العسكرية والحواجز، نظراً إلى قربها من الحدود الشرقية مع الأردن، والتي باتت إسرائيل تنظر إليها بقلق بالغ مع ارتفاع عمليات تهريب السلاح للمقاومة. وشهدت الأغوار عمليات فدائية ناجحة، خلَّفت قتلى وجرحى في صفوف جنود الاحتلال ومستوطنيه، على غرار العملية التي نفّذها الأسير ماهر تركمان في أيلول 2022، حين أطلق النار على حافلة تُقلّ جنوداً إسرائيليين، وأصاب ستة منهم، وكذلك عملية الشهيدَين معاذ المصري وحسن قطناني اللذين قَتلا 30 مستوطناً في عملية إطلاق نار في هذه المنطقة عام 2023.
وإلى الآن، تشير المعلومات المتوفرة إلى أن منفّذاً واحداً كان وراء هجوم الأغوار أمس، ما يعني أنه عملية فردية قام منفّذها بالتخطيط والترتيب لها، على غرار عمليات من مثل دير ابزيع التي نفذها الشهيد مجاهد كراجة وأسفرت عن مقتل جندي من وحدة النخبة وإصابة 7 آخرين، وعملية الشهيد فادي جمجوم وغيرها.
عمليات «الذئاب المنفردة» تعدّ في ذاتها عمليات ناجحة، كونها تعتمد على شخص واحد


وعمليات «الذئاب المنفردة» تعدّ في ذاتها فارقة كونها تعتمد على شخص واحد يقوم برسم مخطّط الهجوم وتفاصيله وفقاً لرؤيته وإمكاناته. وبالتالي، فإن نسبة نجاحها تكون كبيرة، وهو ما اتّضح في العملية الأخيرة، إذ استطاع المنفّذ أن يراقب ويرصد حافلة المستوطنين، وساعة مرورها أطلق النار عليها وعلى مركبات المستوطنين. أيضاً، يمثّل انسحاب المنفّذ بسلام، قلقاً للمؤسسة الأمنية والاستخبارية، لأنه يزيد من خطر وقوع عمليات أخرى، وهو ما يدفع الاحتلال إلى استقدام تعزيزات إضافية إلى الميدان، الأمر الذي حصل أيضاً بعد ساعات من عملية الأغوار، حيث اعتمد الجيش على وحدة «دوفدوفان» و«مرعول» لملاحقة المنفّذ ومنعه من الخروج من المنطقة. وأغلق الاحتلال مع ساعات الظهيرة حواجز أريحا والأغوار، بالإضافة إلى إغلاقه جسر "اللنبي" والذي يسافر عبره المواطنون إلى الأردن، وإرجاعه المسافرين وعمّال الجسر، بالتزامن مع اقتحام واسع لبلدة العوجا. وجاءت عملية الأغوار لتؤكد التحذيرات الأمنية التي سادت قبيل شهر رمضان، من مغبّة انفجار الأوضاع في هذا الشهر، والذي شهد مدّاً من العمليات الفدائية، التي تشير التقديرات إلى أن الإنذارات بوقوعها ترد يوميّاً للاحتلال، وهو ما يحمله على تعزيز الاستنفار الأمني. 
كذلك، شهدت الضفة الغربية، فجر أمس، عمليات اقتحامات ومواجهات واسعة، ما أسفر عن إصابة 6 شبان فلسطينيين في القدس المحتلة ومدينة نابلس. وأعلنت مصادر طبية إصابة 4 شبان في مخيم قلنديا شمالي القدس المحتلّة، وشاب آخر عند مدخل المخيم، الذي شهد اقتحاماً واسعاً. ولليلة الثانية على التوالي، اقتحمت القوات الإسرائيلية مخيم جنين، بعد تسلُّل وحدات خاصة إسرائيلية إلى حي الجابريات ومداهمة عدد من المنازل لاعتقال "مطلوبين"، حيث وقعت اشتباكات مسلّحة عقب اكتشاف القوات الخاصة، استمرّت حتى الانسحاب من المخيم، لتتجدّد بالقرب من قرية الشهداء وسط استمرار تحليق طائرات الاستطلاع في سماء المدينة والمخيم.
وفي مدينة نابلس، حيث شهدت عدة قرى قريبة منها اقتحامات واسعة، أصيب شاب برصاص الاحتلال، فيما شنّ الجيش حملة اعتقالات في مدينة الخليل وبلداتها، حتى بلغت حصيلة الاعتقالات، منذ مساء الأربعاء حتى صباح الخميس، 25 مواطناً على الأقل من الضفة، بينهم طفل وأسرى سابقون. وقد تركّزت عمليات الاعتقال في محافظة الخليل، فيما توزّعت بقية الاعتقالات على محافظات: رام الله، طولكرم، جنين، سلفيت، والقدس. وإلى جانب ذلك، تواصل قوات الاحتلال تنفيذ عمليات اقتحام وتنكيل واسعة، واعتداءات بالضرب المبرّح، وتهديدات بحقّ المعتقلين وعائلاتهم، بالإضافة إلى حوادث التخريب والتدمير الواسعة في منازل المواطنين.