«إننا نسحق، لقد خسرنا المعركة»بول رينو، رئيس وزراء فرنسا
«بالتأكيد لن يحصل هذا سريعاً»
ونستون تشرشل


حوار هاتفي بينهما في 15 آذار 1940 بعد 5 أيام من إعلان ألمانيا الحرب على فرنسا وقبل 6 أسابيع من استسلام فرنسا

في ظلّ الأسبوع الأول لما بعد 7 ت1، كنت وصديقة لي في سياق الحديث عن العملية العسكرية التي تقوم بها المقاومة في غلاف غزة بعد خرق وصل إلى حدود 40 كلم، نضع احتمالات لما قد يكون خططاً محتملة قد يجري تنفيذها، إحداها أن الهدف هو إقامة ممرّ يصل الخليل من شمال غزة، على إثره يفصل بين المناطق المحتلة شمالاً وجنوباً. عندها تشترك الضفة مع غزة لتأمين استمرارية السيطرة ليعبر بعدها رجال المقاومة اللبنانية (حزب الله) إلى الجليل للبدء بتحرير كامل الأراضي الفلسطينية. هذه هي النظرة الحماسية الأولى التي قد تتخايلها عند بدء العملية والحرب الشاملة التي تنتظرها، ثم تحزن لعدم حدوثها. لكنّ سرديات كهذه تطغى عند اندلاع أيّ حرب، أو على الأقل تلك الحروب التي شهدناها أو نشهدها حيث يمتلئ الإعلام والصحافة بالجنرالات والخبراء العسكريين، فتتنوّع المعلومات والمصطلحات والمفردات الفضفاضة، إن حول الأسلحة وتطوّرها وإن حول المعارك أو الاستراتيجيات على أنها قواعد ثابتة، بالمطلق هي المفاهيم التي توضع في جملة لتعطيها عمقاً ثم تبني عليها مفهومك للحرب ومسارها ونتائجها، فيما الواقع مغاير تماماً.

وإن كنت ناقداً ومحلّلاً عسكرياً فذّاً، بتعبير كلاوزفتز، ووضعت بين يديك معظم المعطيات والتفاصيل التاريخية للمعركة، فهذا لا يخوّلك أن تضع نفسك مكان أيٍّ من القادة وتتخيّل ما كنت لتحقق لو سلّمت القيادة مكانه، فعلى الأغلب ستتعرّض لأسوأ هزيمة في التاريخ. هنا كانت نقطة الاختلاف بين المنظّرين العسكريّين في القرن التاسع عشر لفهم أسباب النجاحات التي حقّقها نابليون خلال حملاته العسكرية. السويسري أنطوني جوميني، الذي خدم تحت قيادة نابليون في الجيش الفرنسي، كان من أصحاب نظرية أن للحرب قواعد ثابتة، والالتزام بها فقط كفيل لفوزك في الحرب. في المقابل، كان الجنرال البروسي كارل كلاوزفيتز هدفه تحرير أراضيه من الجيش الفرنسي وصدّ الحملات النابليونية فأشرف على إعادة هيكلة الجيش، واضعاً نظريّته بأن للحرب قواعدها وإن كانت ضرورية فهي ليست كالرياضيات والعلوم الأخرى، بل إن هذه القواعد غير قادرة على تحديد مسار الحرب ولا نتائجها. يعيد الباحث في التاريخ العسكري بيل جونسون هذا الاختلاف إلى موقع كل منهما بالنسبة إلى المعضلة، أو ماذا يريد كلّ منهما تحصيله، فالأول عمل مستشاراً لروسيا لكسب المال، والثاني أراد إنقاذ بلاده، هذا اختصار لفهم ماذا تمثّل الحرب لكل منا؟

الحرب الحديثة
أنت في بداية القرن السابع عشر، وقد ورثت عرش والدك في السويد ومعه جيش منهك وضعيف يحارب على ثلاث جبهات ضد كلّ من روسيا المنهكة والإمبراطورية البولندية والإمبراطورية الهولندية اللتين تمتلكان أقوى الجيوش، ولسوء حظك لم تتعرّف على فلاسفة 14 آذار، فما العمل؟ هنا فهم غوستاف آدولفس الثاني، الوريث لعرش السويد ومؤسس الحرب الحديثة، أن عليه بناء جيش منضبط ومرن وحديث كي يقدر على الصمود والانتصار في زمن كانت فيه البنادق (musketry) سلاحاً حديثاً ونوعياً، أمّا المدافع فلا تستعمل إلا لحصار القلاع والمدن أو الدفاع عنها، وأغلب أسلحة الجيوش هي السيوف والرماح والخيّالة، فيما كانت المواجهات تنحصر في بقعة معيّنة. لن نغوص عميقاً في السرد، بل إن ما قام به غوستاف من تعديل على البندقية لتأمين المرونة اللازمة للمشاة وإدخال المدفع الخفيف المتحرك مع المشاة والخيّالة ضمن تشكيلة قتالية عبارة عن مزيج من التشكيلات الإسبانية والهولندية - يشرح كلاوزفتز أن الأثر الفعلي الذي نتج من المدفع المتحرّك أو الأسلحة الحديثة عموماً ليس في حجم التدمير الذي تخلّفه، بل في ما تتركه من أثر نفسي (عقلي) على المقاتلين وفي عملية اتخاذ القرار - أي أن عقيدة دمج الأسلحة (combined arms) في المعارك ساهمت في انتصارات السويد وسمحت لغوستاف عند تدخله في حرب الثلاثين عاماً لمصلحة البروتستانت الألمان ضد الكاثوليك بتغيير مجرى الحرب، وعلى إثرها لقّب بـ«مؤسس الحرب الحديثة». انتهت حرب الثلاثين عاماً في مؤتمر ويستفليا للسلام عام 1648 بعد حوالي 16 عاماً من وفاة غوستاف آدولفس وإنشاء ما عرف بالدولة القومية.
كلاوزفيتز ونابليون، وإن لم يعاصرا غوستاف العظيم، إلا أن أثره واضح في أعمالهم. كما أن تأثر كلاوزفيتز بالحروب النابليونية جاء لملاحظته التغيّر الحاصل في بنية الدولة من الناحية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، أي أن الانتقال إلى الدولة القومية كان له أثر كبير على إدارة الحروب منطلقاً من ثالوث العداوة والكره والعنف. فالحروب الحديثة فعلياً انتقلت من فرسان محترفين خاضعين إلى سلطة الملك كرّست لهم ثروات وخزينة المملكة، في حين أن الشعوب التي تعيش في حدود المملكة غير معنية بها (أو كما يرميك معظم من يرفض إعطاء موقف سياسي واضح بمقولة «ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وستنتظر...» صاحب القول هذا لا يذهب إلى الحرب حتى لا يضطرّ أحد إلى انتظاره طبعاً)، إلى حروب تتطلّب تهيئة البنية السياسية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية والتكنولوجية معاً لخوضها. فإنّ التغيير الذي طرأ على شكل الدولة أدّى إلى تغيير في العلاقة بين الحاكم والشعب، وإن كانت الثورة الفرنسية نتيجة حتمية لهذه التغييرات فإنها ساهمت في جعل الفرد أكثر انخراطاً في مفاصل الدولة بعد رفع منسوب الانتماء الوطني لديه بالتزامن مع احتلال أميركا وسرقة مواردها المعدنية (الذهب خصيصاً) وأثره على دخل الفرد الإجمالي والقطاعات الإنتاجية والزراعية، الأمر الذي سهّل أو جعل عملية التعبئة مستدامة (في هذه الفترة الزمنية أغلب مدّعي بناء الدولة في بلادنا يعيشون فعلياً مع تهميش لعملية السرقة الكونية التي مارسها الغرب). بمعنى آخر، إنها استطاعت تحويل العداوة السياسية للدولة إلى الفرد وإثارة العنف السياسي بداخله فأصبح أكثر انخراطاً وشغفاً للحرب، عندها تحوّل جيش الثورة الفرنسي إلى جيش ضخم يتألف من قوات محترفة ومجموعات من العامة أو الغوار تتولّى مهمة قتال العدوّ بطرق غير تقليدية دون الحاجة إلى تجنيد مرتزقة، وهذا ما سمح لنابليون بتحقيق كل هذه الإنجازات العسكرية وما أرهق جيشه لاحقاً في إسبانيا 1808 على سبيل المثال، ما أوجد ثالوثاً استثنائياً (أو ملحوظاً) قائماً على توازن بين الشعب، الجيش والدولة بحسب كلاوزفيتز. لكن هذه العوامل التي تشكل الثالوث ليست ثابتة بمعنى أن تتحوّل إلى قاعدة، فهي، وفقاً للباحثين إدوادر فيلاكر وكريستوفر باسفور، مرتبطة بالبنية الاجتماعية للأطراف المتحاربة، وهذه البنية متغيّرة وتختلف من دولة وأخرى وخاصة في دولة قيد التطور أو دول مارقة مثل لبنان فتتحوّل مثلاً إلى جيش، شعب ومقاومة (لست على اطّلاع من الذي صاغ الشعار، لكن من المثير دراسته بجدية).
استمرّ التطوّر في أجيال الحروب مع استمرار عملية النهب وتطوّر الاقتصاد وما تبعه من تطوّر في البنية السياسية والاجتماعية والصناعية للدول الغربية إلى حين انتهاء الحرب العالمية الثانية. هذه أجيال الحروب الثانية والثالثة إن ظهرت على سبيل المثال في الحرب العالمية الأولى والحرب العالمية الثانية، إلّا أن تطوّرها لم يكن وليد الساعة، بل هو عملية تراكمية من خبرات سابقة وعملية نقد للأخطاء في العمليات العسكرية للتعلّم منها واستخلاص عِبَر قد تمتدّ لقرون أو عقود من الزمن أو سنوات قليلة، مقرونة بالتطور التكنولوجي الذي يرافقها.
بين الجيل الثاني والثالث للحروب الحديثة، كان ماو في الشرق الأقصى يخطّ تكتيكات وقواعد حرب الغوار أو ما يعرف بالجيل الرابع، حيث ستتغيّر قواعد اللعبة من جيوش إمبراطوريات أوروبية متطوّرة إلى حركات تحرّر وطني فقيرة وضعيفة تهزم هذه الجيوش وتذلّها. وعلى نهج هادي العلوي، لنا في الشرق أمثلة وعبرٌ جمّة سنلتفت إليها ضمن هذه السلسلة.
بين الجيل الثاني والثالث للحروب الحديثة، كان ماو في الشرق الأقصى يخطّ تكتيكات وقواعد حرب الغوار أو ما يعرف بالجيل الرابع، حيث ستتغيّر قواعد اللعبة من جيوش إمبراطوريات أوروبية متطورة إلى حركات تحرّر وطني فقيرة وضعيفة تهزم وتذلّ هذه الجيوش


الأيديولوجيا والعسكرة
ربط كلاوزفيتز الحرب بالسياسة العامة للدولة بوصفها إحدى الوسائل لتحقيق أهدافها، أي أن الارتباط الوظيفي للجنرالات الذين يخوضون الحرب لا ينحصر فقط بالفوز بالمعركة، بل إن التفاصيل التي ترافق المعركة هي ذات تأثير وارتباط مباشر بالأهداف السياسية التي شنّت من أجلها الحرب. هذا الارتباط لا يمكن تحقيقه بالقفز فوق ثالوث العداوة والكره والعنف، أي بشطب الأيديولوجيا المسيطرة على خطى الليبراليين. عملياً، استمرارية الأيديولوجيا تكمن أولاً في وضع هدف ماورائي وتحديد العدوّ الأساسي الذي يعوق تطوّرك وتحقيق أهدافك، وإن كانت السياسة لا تستقيم من دون أيديولوجيا يعني أن السياسة لا طائلة منها من دون عداوة. هنا نفهم بشكل أوضح دور الأيديولوجيا في ربط جميع الأطراف بعضها ببعض، وصنع مشروع موحّد حيث إن القيادة السياسية والعسكرية والقاعدة الجماهيرية تنضوي وتتكاتف وتتكافل ضدّ عدوّ أوحد لتحقيق هدف سامٍ، ومنها تحدث الثورة في الشؤون العسكرية. مثلاً، عند نقد التجربة العلمانية للمقاومة في القرن الماضي ومقارنتها بالتجربة الإسلامية، فإنّ الهوّة الأيديولوجية بين النخب، يسارية أو قومية، والعامّة حالت دون التوفيق بينها وبين الجماهير، أن تنقل فكراً غربياً وتسقطه على شعبك لن يسمح لك بالتطوّر ولا الاستمرار.
من هنا، وجد مصطلح الثورة لنفسه مفترقات وأسساً متعدّدة في محاولة لإيجاد علاقة بين التطور التكنولوجي للأسلحة والبنية الاجتماعية والسياسية للدولة، أي أن الاختلاف في تعريف الثورة العسكرية يعود إلى الحقبة التي تركّزت الدراسات حولها، تُجمع على أن التطوّر التكنولوجي للأسلحة أو الحاجة إلى تطوّر الأسلحة هو الثابت، بينما المتغيّر يكمن في كيفية استخدامه وتوظيفه في المعركة أو الحرب، وفي العلاقة الجدلية بين العسكر والمجتمع ورجال الدولة. لإيصال الفكرة بشكل أفضل، اكتشافاً مثل البارود والمدفع والصاروخ والطائرة والنووي أدّى إلى تغيير ثوري في الحرب، أي تغيير في موازين القوة لمصلحة من امتلكه أولاً، ما دفع إلى تغيّر في بنية الدولة نتيجة للتغيّرات التي طرأت على موقع الدولة وما يترتّب عليه سياسياً واجتماعياً. في المقابل، إن التغيّر الذي يطرأ على بنية الدولة وما يرافقه من تطوّرات سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية، أي أن التغيّرات الأيديولوجية ستؤدي حتماً إلى تغييرات ضمن الهيكلية العسكرية في المجال الصناعي والمجال العملاني، وجدوى هذه التغييرات لا يمكن تقييمها إلا في الحرب أو بعد انتهائها. هنا يشرح العقيد توماس هامس في كتابه «مقلاع وحجارة» كيف أن الأيديولوجيا النازية في دولة مهزومة ومنهارة كألمانيا بعد الحرب العالمية الأولى ساهمت في إنتاج ثورة في العلوم العسكرية بعدما وجّهت مقدّرات وقطاعات الدولة كافةً لخدمة القطاع العسكري لتلافي الهزيمة والتفوّق العسكري الفرنسي والبريطاني، ثم يؤكد هامس أن الحرب الخاطفة التي شنّها الألمان، ونجاحها ترافق مع قدرة القادة الذين تمّت تهيئتهم للتكيّف مع كل التطوّرات خلال المعارك، أي أن النقد والتطوير وإغلاق الثغرات لم يكن فقط على الصعيد العملياتي، بل التكتي أيضاً. ملاحظة على الهامش، إن مراحل التحليل في الحرب تختلف عن المجالات الأخرى، حيث إن التكتية في أدنى السلّم الهرمي تبدأ من حجم لواء، وصولاً إلى أصغر مجموعة وهي جزء أساسي لتحقيق الأهداف العملياتية ومن ثم الاستراتيجية. في كتابه «عن الحرب»، يشرح كلاوزفتز بأن التكتية تكمن في عملية توظيف القوات المسلحة في القتال أو الاشتباك، بينما الاستراتيجية هي في توظيف الاشتباك لتحقيق الهدف من الحرب. وإن اتّهم الكاتب بإلهام النازيين بالرغم على مرور قرن على وفاته، إلّا أن العبرة ليست في اتخاذ النازية مثالاً، وهذا نقاش طويل مع عدّة أصدقاء يعترضون دائماً على هذا المثال، بل إن أحداثاً تاريخية، سواء أعجبتك أو لم تعجبك، ساهمت بشكل أو بآخر في إحداث ثورة في مجال ما وعليك التدقيق فيها.
فإن أعدنا النظر في مواصفات كلاوزفتز للقادة والعسكريين، فإن الجانب البدني والقتالي يمكن تحقيقه من خلال التدريبات المتواصلة والمكثفة، لكنّ الجانب النفسي هو المهمة الشاقة. أي أن القائد عليه أن يكون جاهزاً للتكيّف مع كل الضغوط النفسية الناتجة من مجريات المعركة للخروج بقرارات سليمة وحاسمة لتحقيق أهداف المعركة وأن يبقي عناصره كافةً في حالة نفسية جاهزة لاستعادة زمام الأمور حتى في أسوأ الاحتمالات، وهذا لا ينتجه التدريب وحده، بل إن قادتك ومقاتليك عليهم أن يكونوا منخرطين في إطار مشروع سياسي موحّد، وهذا ما يؤمّن لهم الاستمرار والتأقلم، بالإضافة إلى التدريبات. لهذا، فإنّ مهمة المقاومة (الإسلامية) لم تكن فقط جذب عناصر ومؤيدين يقاتلون إلى جانبها لأجل القتال، فتصبح حماس وحزب الله كما يدّعي كثيرون كالقاعدة وداعش، بل تأطيرهم ضمن مشروع سياسي ثم تدريبهم وتحضيرهم بدنياً وعقلياً ونفسياً للقتال في المكان الصحيح والزمان المناسب بالإمكانات المتواضعة لديها بعد تطويرها في فترات السلم. يشرح كارل شميت أن دور الأيديولوجيا لا يكمن فقط في إيجاد أتباع جهلة، بل في وجود عوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية تخلق رابطاً عميقاً بين القادة والجمهور. عندها فإنّ كل القرارات في الحرب والهدنة والسلم تكون لهدف سامٍ في مصلحة الطرفين فيخفت التشكيك بها أو ينعدم.

خاتمة ومقدّمة
الحرب إذاً هي أكثر تعقيداً من الواقع ولا نتائج محسومة يمكن استخلاصها أثناء نشوبها، حيث كل ما يحيط بها ضبابي وغامض ومفتوح على جميع الاحتمالات والصدف، بمعنى آخر ليس بإمكان أحد أن يحدّد ما يسري على أرض الواقع إن لم يكن موجوداً في مراكز القرار أو في غرف العمليات، فكيف لكل هؤلاء أن يحددوا من المنتصر أو الخاسر فيها. وما يزعجني حقيقة ليس وجود الفائض من الجنرالات المتقاعدين على الشاشات، بل في تقديمهم كقادة عسكريين. أذكر عند بداية الانشقاقات في الجيش السوري، كانت «الجزيرة» تستقبل عميداً طبيباً منشقّاً، وكأنّ نابليون انشقّ عن الجيش الفرنسي، بمنطق بسيط أنت لن تستبدل قائد سلاح المدرّعات أو محمد الضيف بطبيب أو صيدلي، لكن بإمكانك استبدال ضابط طبيب بطبيب آخر أو أن تستبدل الدويري بضابط صف (NCO) ويشرح لك مميزات الأسلحة ونقاط ضعف الآليات. هنا كلاوزفتز كان صريحاً كونه منظّراً وليس قائداً، وقد يكون من أتعس الجنرالات وأقلّهم حظاً، شارك في معارك قليلة، تعرّض للأسر على يد الفرنسيين، وأصيب بالكوليرا وتوفّي في الثانية ولم يتمكن من مراجعة إلّا الفصلَين الأولين من كتابه، حتى إن زوجته من قامت بمراجعة البقية ونشر الكتاب. في ملاحظة للباحثة فانيا بيلنغر، المختصة بكلاوزفيز، تشير إلى أن عبارة «الحرب هي استمرار للسياسة» من كتابة زوجته، لكنها مستوحاة من نصوصه.
لهذا قد تجد كلاوزفتز معقّداً وفي كلّ مكان من أوكرانيا إلى سوريا، مروراً بجنوب لبنان وغزة، وهي الأمنية الوحيدة التي تمنّاها «أن لا يموت كتابه»، فكان لا بدّ من الاطلاع على المنطلقات التي أسّس منها كلاوزفتز نظريّته قبل شرح تحليله ورؤيته للحرب في المقال التالي، وهنا عليكم شكر الأمجد لنصيحته وإنقاذكم من الملل والإطالة.


(نسب هذا المقال سهواً للزميل عامر محسن بينما هو للكاتب اللبناني أحمد رجب)