دار لغطٌ كثير حول الردّ الإيراني في 14 نيسان الجاري. وقد وصل البعض إلى اعتباره تمثيلية. طبعاً ثمّة عدد من ذلك البعض لم يقتنع، على مدى أربعة عقود ونيّف، أي منذ انتصار الثورة عام 1979، وقيام الجمهورية الإسلامية، بأن التناقض بين إيران والكيان الصهيوني، كما هو بين إيران وأميركا، ذو طبيعة عدائية، وعلى أشدّ ما تكون العدائية.لا علاقات ديبلوماسية أو اقتصادية أو سياسية، بل ثمّة «علاقات» من جانب أميركا، تتمّ من خلال حصار وعقوبات واغتيالات ولكمات تحت الحزام، فضلاً عن الصراع السياسي والأمني والاستخباري. ويكفي اغتيال الشهيد قاسم سليماني، لكي لا يبقى أحد عنده إدراك وعقل يمكن أن يتحدّث عن «تمثيلية»، أو عن علاقات تعاون من تحت الطاولة.
أمّا من جانب جمهورية إيران الإسلامية، فقد تعاملت مع أميركا باعتبارها عدوّاً، بل «الشيطان الأكبر»، وناصبتها الخصومة والصراع، في كل ما يمكن اعتباره نزاعاً في العلاقات الدولية: علاقات حرب باردة. والأهم استراتيجية إيران في دعم المقاومة المسلحة في كل من فلسطين ولبنان، دعماً غيّر في موازين القوى تغييراً جذرياً، تظهر أهميته وحقيقته وخطره، بالنسبة إلى الكيان الصهيوني، بما وصلت إليه «طوفان الأقصى» والحرب البرّية في قطاع غزة، كما بما وصلت إليه المقاومة في لبنان، من قدرات ومنعة، جعلت الكيان يفكر مئة مرّة قبل أن يكرّر حرب العدوان في تموز عام 2006، وذلك بعد إنزال هزيمة أضاعت شهرته: الجيش الذي لا يُقهر. ثم أضف ما تشكّل من محور مقاومة، بدخول العراق واليمن فيه، كما وجود سوريا في التأسيس.
كل هذه الوقائع، وكل هذا التاريخ، لا يسمحان لعاقل بأن يعتبر ما جرى من ردّ إيران بأنه تمثيلية أو أنه غير جادّ


كل هذه الوقائع، وكل هذا التاريخ، لا يسمحان لعاقل بأن يعتبر ما جرى من ردّ إيران في 14 نيسان على تدمير القنصلية الإيرانية في دمشق، بأنه تمثيلية، أو أنه غير جادّ، أو لم ينتقل بالعلاقات بين إيران والكيان الصهيوني إلى مستوى المواجهة العسكرية المباشرة، بعدما كانت طوال أربعة عقود ونيّف، علاقات حرب غير مباشرة، ما يعني أن الصراع دخل مرحلة أعلى تهدّد بإشعال حرب إقليمية في منتهى الخطورة.
لو حدث ما هو أقل من حجم 14 نيسان في الهجوم على الكيان الصهيوني، كما كانت الحال في السابق لنقُل، في المنتصف الثاني من القرن العشرين، لأعلن الجيش الصهيوني الحرب، كما حدث مع مصر وسوريا والأردن في حرب حزيران 1967.
أمّا بسبب ما حدث اليوم من تغيير في ميزان القوى عالمياً وإقليمياً، كما على مستوى المواجهة العسكرية بين إيران والكيان الصهيوني، فقد أملت إيران كل سمات العملية من بدايتها حتى نهايتها؛ إذ اقتصر موقف الكيان الصهيوني وأميركا وحلفاء لها، على الدفاع السلبي بمطاردة المسيّرات والصواريخ، وما حدث اختراق باستهداف مطارَي نفتانيم ورامون. ذلك مع دخول الوضع مرحلة التهديد من جانب الكيان الصهيوني بالردّ، ومن جانب أميركا والغرب بالضغط على عدم الردّ، فضلاً عن انتقال إيران إلى مرحلة أعلى بالتهديد بأن حدوث ردّ عسكري من جانب جيش الكيان سيردّ عليه فوراً بما هو أشدّ منه أهدافاً ونوعية سلاح... هنا «تجمّد» الوضع لمدى أربعة أيام، من دون ردّ، في ظل التهديد الإيراني بالردّ الفوري، والحرص الأميركي على إقناع الكيان الصهيوني بعدم الردّ.
هذا يعني أن احتمال أن يردّ الكيان الصهيوني لا يزال وارداً، يضعف ويقوى، كما هدّد وتوعّد، ثم الردّ الإيراني الفوري عليه، ما يوجب ردّاً صهيونياً، فردّاً إيرانياً... الأمر الذي سيجعل الحرب الإقليمية على الأبواب، ما لم يرتدع الكيان، ويردّ على 14 نيسان.
* كاتب وسياسي فلسطيني