البعد السياسيفي الحديث عن اللاجئين الفلسطينيين، لا بد من أن نبدأ بالبعد السياسي الذي أدّى إلى وجود اللاجئين وهو الصراع الطويل مع المشروع الصهيوني الذي مكّنه من اغتصاب فلسطين وإعلان قيام «دولة إسرائيل» وتشريد حوالي مليون فلسطيني ليصبحوا لاجئين بداية في الدول العربية المجاورة، ثم لاحقاً ينتشرون في العديد من دول العالم.
هنا يهمّني أن أسجل ثلاث نقاط بشكل سريع:
النقطة الأولى: إنّ موجات اللجوء التي خرجت من فلسطين كانت بفضل خطة مدروسة باسم خطة «دالت» وضعتها الحركة الصهيونية قبل سنوات من حرب 1948، وما المجازر والجرائم الفظيعة التي ارتكبتها القوات الصهيونية، كالهاغانا وشتيرن وغيرهما، إلا تطبيق لهذه الخطة لتخويف الفلسطينيين وإرهابهم لإجبارهم على مغادرة وطنهم، هذا بالإضافة إلى تواطؤ الأنظمة العربية وحكومة الانتداب البريطاني لتسهيل خروجهم من فلسطين.
النقطة الثانية: مشكلة اللاجئين الفلسطينيين هي محور الصراع وعنوان استمراره وذلك بعد ضمّ الضفة الغربية إلى الأردن، وإلحاق قطاع غزة بالإدارة المصرية، فلم يبقَ من القضية الفلسطينية إلا مشكلة اللاجئين. فحلّها ينهي المطالبة بالحق (ضاع حق ليس وراءه مطالب) ويفتح المجال لاعتراف الأنظمة العربية بـ«إسرائيل» والصلح معها، ولهذا بدأت منذ أوائل الخمسينيات تتوالى المشاريع، برعاية الولايات المتحدة الأميركية أو بمبادرة منها، لطرح المشروع تلو الآخر لحل مشكلة اللاجئين والصلح مع «إسرائيل» وبموافقة الدول العربية.
اللاجئون، أكرر، اللاجئون هم الذين أفشلوا هذه المشاريع، رغم ظروفهم الصعبة، بممارسة كل أشكال النضال السياسي والجماهيري. اللاجئون الفلسطينييون هم الذين أسهموا في إيجاد منظمة التحرير الفلسطينية، ولاحقاً في انطلاقةِ ثورتهم في منتصف الستينيات.
النقطة الثالثة: هي أن القيادة الفلسطينية، التي راهنت على الحل السياسي، لم تكن وفيّة للاجئين ولم تقدّر نضالاتهم وتضحياتهم لحماية حقهم بالعودة عن طريق التحرير، فأخذت هذه القيادة تسهّل للعدو حل مشكلة اللاجئين، بتأجيلها للمباحثات بالمرحلة النهائية، ثم وافقت مع العدوّ على حلول تحرم اللاجئين من حقهم في العودة وتقدّم لهم بدائل بالتوطين والتهجير والتجنيس في البلدان المقيمين فيها أو في أخرى تقبل بهم. وكان أبرز تلك المشاريع وأخطرها ما يسمى بمبادرة «عبد ربه – بيلين» التي تطرح حلاً لمشكلة اللاجئين متفقاً عليه فلسطينياً - إسرائيلياً ويحظى بتأييد دوليٍ واسع، وذلك بالتخلي عن قرار الأمم المتحدة الرقم 194 ووضع اللاجئين الفلسطينيين أمام أحد أربعة خيارات:
- توطينهم أو تجنيسهم حيث هم في البلدان المقيمين فيها
- تهجيرهم الى بلد آخر يقبل بهم
- أخذ المواطنية في الدول الفلسطينية الموعودة
- عودة عدد محدود إلى «إسرائيل» توافق عليه بالاسم
ولا تزال مشكلة اللاجئين هي الأكثر تعقيداً، وهي جوهر الصراع مع الكيان الصهيوني، والذي يجري هو نموذج مقرّر لها، ما يحدث الآن في غزة وكلنا نتابعه بكل المرارة والألم، ولكن أيضاً بكل الفخر والاعتزاز بصمود شعبنا وبطولات المقاومين.

اللجوء بلا قوانين ناظمة
أُجبر الفلسطينييون على مغادرة وطنهم على دفعتين، الأولى وهي الأكبر في حرب النكبة عام 1948، والثانية في حرب النكسة عام 1967، وفي كلتا الحالتين لا يخضع اللاجئون لأنظمة وقوانين موحدة، بل تتعامل كل دولة يلجأون إليها بقوانين تختلف عن الأخرى، فمثلاً:
- الأردن: حسمت الأمر، فضمّت الضفة الغربية إلى المملكة وأعطت سكانها الجنسية الأردنية، فأنهت بذلك مشكلة اللاجئين، حيث أصبحوا مواطنين أردنيين غير معنيين بموضوع العودة ولا بالنضال لتنفيذ القرار 194.
- الأمر يختلف عن لاجئي النكسة، فهؤلاء يقطنون في المخيمات في الأردن ويخضعون لرعاية «الأونروا» وما تقدّمه من خدمات، وليس لهم نفس تسهيلات لاجئي النكبة الذين تحولوا إلى مواطنين أردنيين.
- بعد اتفاق أوسلو وسلخ الضفة عن الأردن، أُعطِيَ الخيار لأبناء الضفة بين أن يحافظوا على مواطنيتهم الأردنية أو أن ينتقلوا إلى السلطة ويأخذوا مواطنيتها.
- سوريا: تُعطي القوانين الصادرة عن مجلس الشعب اللاجئ الفلسطيني المقيم في سوريا الحق في ممارسة الحقوق والواجبات كالمواطن السوري، باستثناء حق الانتخاب.
- مصر: في عهد الرئيس عبد الناصر، طبقت الصيغة نفسها المعمول بها في سوريا، ثم تغيّر الوضع منذ عهد السادات حتى اليوم، فأصبح اللاجئون الفلسطينيون يخضعون لقوانين تَحُدُّ الكثير من حقوقهم، ويقيمون في منطقة نائية تشبه المنفى الجماعي.
- العراق: في عهد الرئيس صدام حسين، طبقت الصيغة نفسها المتّبعة في سوريا ثم تغيّرت مع مجيء الحكم الجديد الذي أطاح صدام، وتعرّض اللاجئون لظروف قاسية من القمع والاضطهاد، دفعت أغلبهم إلى الهجرة إلى تركيا وبلاد اللجوء.

قيم وتقاليد اجتماعية جديدة
يهمّني على هذا الصعيد أن أشير إلى جانب قلّما يجري تناوله، وهو الخلل الذي يُصيب بنية المجتمع الفلسطيني، ويغيب ما يتميّز به من قيم وتقاليد، فَتَوَزُّعِ اللاجئين الفلسطينيين على عدة دول وانخراطهم مع مواطينها وتعايشهم اليومي مع أبنائها (لسنوات طويلة)، من الطبيعي أن يتأثروا بهم وينعكس ذلك على هويتهم الخاصة بالمسلك والعلاقات وطرق التعامل الخ... قد لا تظهر تعقيدات هذا الموضوع وانعكاساته عند اللاجئين الفلسطينيين في الدول العربية المضيفة بحكم التشابه والتقارب كأبناء أمة عربية واحدة، لكن الخطورة في موجات اللاجئين الذين اضطرّوا إلى الهجرة إلى دول أجنبية هم نقيضها في كل شيء. أمر يستحق التدقيق والبحث.

اللاجئون الفلسطينييون في لبنان
أتناول موضوع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تحت عنوان خاص لأنهم الاستثناء في معاناتهم وفي ظروفهم القاسية عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في الأماكن الأخرى. بسبب هذا الاستثناء، صدر الكثير من الكتب، وكُتب الكثير من المقالات والدراسات عن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. لذا، أحاول أن أختصر ما أمكن أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان تحت العناوين الآتية:

مراحل الوجود الفلسطيني
يمكن قراءة الوجود الفلسطيني في لبنان من خلال استعراضه ضمن أربع مراحل:

(المرحلة الأولى)
مرحلة بداية اللجوء إلى لبنان التي استمرت حتى عام 1958. كان الهمّ الأساسي للاجئين الفلسطينيين في هذه المرحلة يتركز على:
1- التغلب على أوضاعهم الاقتصادية الصعبة وغير الإنسانية التي يعيشون فيها تحت الخيم المختلفة الأحجام وذلك بالاستفادة من فرص العمل المفتوحة أمامهم، منها: العمل الشاقّ (كالبناء، وشقّ الطرق، والحقول الزراعية)؛ الوظائف العامة (كالتعليم في المدارس الخاصة وفي مؤسسات «الأونروا» التي كان مقرها المركزي في بيروت وتحتاج إلى عدد كبير من الموظفين)؛ سهولة الحصول على وظائف في السعودية ودول الخليج حديثة الولادة وينقصها الكثير من الجهد والتطور؛ استثمار البعض في رساميلهم المتواضعة وفتح محالّ تجارية بسيطة أو مهن حرة ضمن المخيمات (طبعاً هذا عدا عن رأسماليين كبار استثمروا أموالهم بمشاريع كبيرة استوعب بعضها يداً عاملة فلسطينية).
2- برزت في هذه المرحلة نشاطات سياسية وجماهيرية احتضنتها المخيمات الفلسطينية ضد مشاريع مشبوهة تستغل أوضاع اللاجئين الاقتصادية والمعنوية البائسة والمحبطة لتمرير حلول لمشكلتهم بالتوطين أو التجنيس أو التهجير. وكانت الولايات المتحدة الأميركية تستخدم «الأونروا» كمدخل لتنفيذ هذه المشاريع التي تستهدف تصفية قضية فلسطين واعتراف الأنظمة العربية بـ«إسرائيل» والصلح معها، وحرمان اللاجئين من حقهم في العودة.
مع أن هذه المشاريع كانت تستهدف اللاجئين في جميع بلدان وجودهم، لكن محاولة تطبيقها كانت تبدأ في لبنان كساحة اختبار، وهذا وضع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان أمام مسؤولية خاصة لإفشال تلك المشاريع، رغم كل ما كانت تحصل عليه من دعمٍ غير محدود دولياً وقبولٍ من بعض الدول العربية بما فيها لبنان.
3- الهيئة العربية العليا بزعامة الحاج أمين الحسيني كانت هي المرجعية الرسمية للفلسطينيين بعد النكبة، لكنها لم تكن بمستوى المسؤولية، ولم تنجح في كسب ثقة اللاجئين، بالعكس كانت تنسّق مع «الأونروا» والأجهزة الأمنية على حساب مصالح أبناء المخيمات.
4- حاول الكثير من الأحزاب السياسية أن ينشط في أوساط اللاجئين في المخيمات (كحزب البعث والحزب السوري القومي الاجتماعي والحزب الشيوعي وحزب التحرير الإسلامي)، لكنها لم تنجح ولم تستطع أن تشكل حضوراً كما حصل مع حركة القوميين العرب التي مثّلت مرجعية حقيقية وفاعلة وموثوقة من الفلسطينيين في لبنان، وهذا بسبب تركيزها على الموضوع الفلسطيني والمشاريع التي كانت مطروحة لتصفيتها، واهتمامها بمشاكل اللاجئين والنضال معهم لمعالجتها.
«الأونروا» في لبنان طليقة اليدين تمارس سياستها وتطبّق برامجها بلا حسيب ولا رقيب، لا من قبل الدولة اللبنانية، ولا من قبل الفلسطينيين


(المرحلة الثانية)
هي المرحلة الأكثر مأسويةً والتي عانى فيها الفلسطينييون في لبنان والتي امتدت من عام 1959 حتى عام 1969. أتت هذه المرحلة بعد ما سمّي ثورة لبنان 1958، والتي تسلّم الحكم فيها اللواء فؤاد شهاب الذي أصدر فيها قانون الأحكام العرفية، وبموجبها أخضع المخيمات لحكم الشعبة الثانية وفرض عليها إجراءات تعسفية قمعية، منها على سبيل المثال: إطفاء الأضواء في الساعة العاشرة ليلاً وعدم التجول داخل المخيم؛ عدم التحرك نهاراً في المخيم لأكثر من ثلاثة أشخاص معاً؛ عدم قراءة الصحف وسماع الأخبار وقراءة الكتب السياسية في مكان عام؛ عدم القيام بأي نشاط جماعي كالتظاهرات والفرق الكشفية والمباريات الرياضية؛
عدم التنقل من مخيم إلى آخر، ومن منطقة إلى أخرى إلا بإذن من مكتب الشعبة الثانية الموجود على مدخل كل مخيم؛ عدم القيام بأي نشاط سياسي؛ يحقّ لعناصر المركز الثاني اعتقال أي شخص بدون تبيان الأسباب.
بسبب هذه الإجراءات، اضطرّ العمّال الزراعيون إلى أن يبيتوا في أماكن عملهم، ومع الوقت أخذت تتشكل في محيط القرى الجنوبية الزراعية ما يسمى بالتجمعات الفلسطينية وهي عبارة عن مخيمات صغيرة لا تحظى بخدمات «الأونروا».

(المرحلة الثالثة)
وهي ما أسمّيها المرحلة الذهبية التي وصل فيها تأثير انطلاقة الثورة الفلسطينية وتصاعدها بعد النكسة عام 1967 إلى لبنان، فحصلت هبّة جماهيرية في نيسان 69 ضد مكاتب الشعبة الثانية، كرمز للتسلط والقمع، تعاطفت معها الحركة الوطنية اللبنانية، فخرج قادتها على رأس تظاهرات ضخمة شكّلت سابقة انتفاضة لبنانية - فلسطينية شلّت الحياة السياسية في البلد ولم تتوقف إلا بعد تدخل الرئيس عبد الناصر والتوصل إلى ما سُمِّيَ «اتفاق القاهرة».
في هذه المرحلة، التي ترافقت مع ضرب المقاومة الفلسطينية وإخراجها من الأردن عام 1970، أصبح الثقل الأساسي لمنظمة التحرير الفلسطينية والفصائل الفلسطينية في لبنان، والتي بدورها قدّمت فرصاً وخدمات واسعة للاجئين الفلسطينيين في كل المجالات، وخاصةً الصحية والتعليمية، وفتحت أمامهم فرصاً متعددة للعمل، ما وفّر لهم أوضاعاً اقتصادية مريحة، استمرت حتى الاجتياح الإسرائيلي عام 1982.

(المرحلة الرابعة)
هي خروج المقاومة الفلسطينية ومؤسسات منظمات التحرير الفلسطينية من لبنان، ما كشف العورة وفضح المستور.
- أخذ اللاجئون الفلسطينييون يكتشفون خطورة غياب قوانين تحميهم، بل العكس توجد قوانين تحرمهم أبسط حقوقهم المدنية والاجتماعية، وخاصة حق العمل والضمان الاجتماعي والصحي، أُضيف عليها لاحقاً الحرمان من حق التملك.
- بدأت تظهر بشكل سافر نظرة عدوانية انتقامية عند بعض الأوساط اللبنانية، تعتبر اللاجئ الفلسطيني أجنبياً غير مرغوب فيه ويجب طرده من لبنان.
- تعامل الجيش اللبناني مع الفلسطينيين بأسلوب عدواني حاقد، بدأ بحملة اعتقالات عشوائية شملت حوالي ألفي شخص، وخاصة من مخيمات بيروت. ثم فرض حصاراً على مخيمات الجنوب (صيدا وصور) لا يزال مستمراً حتى اليوم منذ عام 1990.

المرجعية اللبنانية
منذ أن وطئت أقدام اللاجئين الفلسطينيين لبنان، لم تتشكل مرجعية سياسية تهتم بقضاياهم وتتحاور معهم حول مشاكلهم لمعالجتها، إلا عندما فرضت الضرورة ذلك:
- تشكلت لجنة لبنانية عام 1991 أسمّيها «لجنة الخدعة»، يقابلها لجنة فلسطينية لمعالجة وإيجاد حلول لثلاث قضايا أساسية، هي: السلاح الفلسطيني، الوضع الأمني في المخيمات والحقوق المدنية والاجتماعية.
- جرى حوار هادئ وموضوعي توصل إلى الاتفاق حول النقطتين الأوليين (السلاح والأمن)، وعندما وصل الأمر إلى النقطة الثالثة عَطَّلَ الطرف اللبناني الحوار.
- وبخدعةٍ جديدة تشكلت لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني، لكنها بدون شريك فلسطيني، وبرغم السنوات العديدة التي مضت على تشكيلها واللقاءات التي عقدتها، وتناوب على رئاستها عدة شخصيات معتبرة، إلا أنها لم تخرج بشيء جدّي لمعالجة الحقوق المدنية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين غير تقديم الدراسات وإجراء الحوارات بلا ناتج.

المرجعية الفلسطينية
- أول مرجعية فلسطينية رسمية في لبنان كانت الهيئة العربية العليا، ولها مكتب في بيروت وممثلون في المخيمات، لكنها – كما أشرت سابقاً – لم تقم بأيّ دور فاعل لحل المشاكل، بل كان لها دورٌ سلبي.
- المرجعية الثانية الرسمية كانت بفتح مكتب منظمة التحرير الفلسطينية في لبنان عام 1964، ليحلّ بديلاً من مكتب الهيئة العربية العليا، لكنه رغم محاولته الجدية لم يكن أفضل حالاً منها في معالجة مشاكل اللاجئين وذلك بسبب تدخلات الشعبة الثانية التي فرضت عليه أن يقوم بدور ديبلوماسي فقط.
- اللجنة السياسية العليا: تشكلت بموجب اتفاق القاهرة، وكان لها لجان فرعية في كل مخيم. وقد أدّت دوراً فاعلاً لأنها أتت في فترة نهوض وحضور ناشط لمنظمة التحرير الفلسطينية، إلا أنها راهنت على ديمومتها في موقع التأثير ولم تعمل على تعديل القوانين الجائرة لضمان الحقوق المدنية والاجتماعية للفلسطينيين في لبنان، وكان بمقدورها ذلك.

الحروب على المخيمات
تعرّض لبنان للكثير من الحروب الداخلية والخارجية، لكنّ المتضرر الأكبر منها هو المخيمات. فمنذ أن بدأت المقاومة تنطلق من جنوب لبنان، لم تتوقف غارات طيران العدو الإسرائيلي، بزوارقه البحرية وصواريخه البرية، عن قصف المخيمات، وأشدها ما كانت تسببه الاجتياحات المتعاقبة في أعوام 1978 -1981-1982، بالإضافة إلى ما عاناه لبنان في الحرب الأهلية، بدءاً من عام 1975، والأسوأ ما تعرّضت له المخيمات بدءاً من عام 1985 من حربٍ مدمرة، والتي كانت جميعها تستهدف المخيمات بشكلٍ مبرمج تقصّد دفع ساكنيها إلى هجرةٍ قسرية. بعض المخيمات جرى تدميرها بالكامل، ولم يسمح بإعادة بنائها (النبطية، تل الزعتر، جسر الباشا)، وبعضها دمّر كلياً وأعيد بناؤه (عين الحلوة، شاتيلا، نهر البارد) وبعضها دمّر جزئياً (الرشيدية، البص، برج الشمالي، برج البراجنة).
المخيم، لأنه عنوان اللجوء، مُستهدف. اللاجئ الفلسطيني، لأنه رمز العودة، مُستهدف. المقاومة، لأنها طريق العودة، مُستهدفة.
يتكرر فشل كل هذه الاستهدافات، وتتأكد حتمية الانتصار بالعودة والتحرير.

وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)
«الأونروا» في لبنان طليقة اليدين تمارس سياستها وتطبّق برامجها بلا حسيب ولا رقيب، لا من قبل الدولة اللبنانية، ولا من قبل الفلسطينيين، ما يجعلها أحياناً تتصرّف مع موظفيها الفلسطينيين بأسلوب يتناقض مع حرية الرأي ويسيء إلى انتمائهم الوطني وحقهم كمواطنين فلسطينيين أن ينحازوا لقضايا شعبهم والمساهمة معهم في الدفاع عن حقوقهم.
لهذا، آن الأوان لوضع حدٍ لهذا التمادي، وذلك من خلال:
- أن تقوم الهيئات الوطنية والفصائل الفلسطينية بدورها في ضبط ممارسة «الأونروا» المهينة لكرامة موظفيها وانتمائهم الوطني.
- التنسيق مع لجنة الحوار اللبناني الفلسطيني للرقابة على سياسة «الأونروا» وضبط سلوكها.
وأخيراً، أدعو كل المراجع الفلسطينية في لبنان إلى أن تأخذ في الاعتبار إمكانية تطوّر العمليات العسكرية في الجنوب إلى حربٍ شاملة. إذا حصل ذلك، كيف نمنع ألّا يؤدي إلى موجة هجرة جديدة؟ فلنأخذ من صمود شعبنا في غزة وصبره وتحمّله القدوة والمثل والعبرة.

* ورقة بحثية قُدّمت خلال لقاء حواري أقامته «دائرة اللاجئين وحق العودة» في «الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين» حول أوضاع اللاجئين في لبنان

** سياسي فلسطيني