يستحقّ الصحافيّون الفلسطينيّون التكريم، وخصوصاً أولئك في غزّة الذين يضحّون بأنفسهم ويعملون باللحم الحيّ بلا مقابل من دون معرفة إذا ما كانوا سيَرون نور اليوم التالي، فقط لإيمانهم بقضيّتهم الإنسانية وبقدرتهم على فضح جرائم الاحتلال الهمجي، لعلّ العالم يرى أو يسمع.وفي خطوة لافتة، أعلنت لجنة التحكيم في «جائزة أفضل صورة صحافية عالمية» من «وورلد برس فوتو»، يوم الخميس الماضي، عن فوز مصوّر وكالة «رويترز» محمّد سالم بالجائزة لعام 2024، لصورته التي تظهر فيها إيناس أبو معمّر (36 عاماً) وهي تبكي فيما تحتضن جثّة ابنة أخيها سالي (5 سنوات) المغطّاة بملاءة في مشرحة «مستشفى ناصر» في خان يونس جنوب غزّة. والتقط سالم الصورة في 17 تشرين الأوّل (أكتوبر) 2023 أثناء بحث العائلات عن أقاربها الذين استُشهدوا خلال قصف الاحتلال على القطاع المحاصر. سالم يبلغ 39 عاماً ويعمل لدى «رويترز» منذ عام 2003، وسبق أن فاز بجائزة في مسابقة الصوَر الصحافية العالمية لعام 2010.
بحسب مؤسّسة «وورلد برس فوتو» ومقرّها أمستردام، فقد قال محمّد سالم عن لحظة التقاط الصورة الفائزة: «لقد كانت لحظة قويّة وحزينة، وشعرتُ أنّ الصورة تلخّص المعنى الأوسع لما يحدث في قطاع غزّة». واعتبرت لجنة التحكيم خلال احتفال توزيع الجوائز الذي أقيم في مبنى «نيو كيرك التاريخي» في أمستردام، أنّ الصورة «تسجّل بقدر كبير من المراعاة والاحترام وبطريقة مجازية وواقعية في آن واحد خسارةً لا يمكن تصوّرها»، فيما قالت رئيسة اللجنة فيونا شيلدز «إنّها صورة مؤثّرة للغاية»، مضيفةً: «بمجرّد أن تراها، ستُحفر في ذهنك نوعاً ما»، لافتةً إلى أنّها «أشبه برسالة حرفية ومجازية حول رعب الصراع وعدم جدواه»، وأنّها تشكّل «حجّة قويّة للغاية من أجل السلام».
وقال مدير التحرير العالمي لقسم الصوَر والفيديو في «رويترز»، ريكي روجرز: «استقبل محمّد نبأ حصوله على جائزة «وورلد برس فوتو» بأسى وقال إنّها ليست صورة تدعوه للاحتفال، ولكنّه يقدّر التكريم الذي حصلت عليه الصورة وفرصة نشرها لجمهور أوسع». وأضاف أنّ محمّد «يأمل بهذه الجائزة أن يصبح العالم أكثر وعياً بالتداعيات الإنسانية للحرب، خصوصاً على الأطفال». من جهتها، قالت رئيسة لجنة التحكيم العالمية ورئيسة قسم التصوير في صحيفة «ذا غارديان» البريطانية، فيونا شيلدز، إنّ الصورة «تمسّ شغاف القلب». أمّا «وورلد برس فوتو» فأعلنت أنّه «من المهمّ إدراك المخاطر التي تواجه الصحافيّين الذين يغطّون الصراعات». ولفتت المديرة التنفيذية للمنظّمة، جومانا الزين خوري، إلى أنّ «عمل المصوّرين الصحافيّين والوثائقيّين حول العالم غالبًا ما يجري في ظلّ خطر كبير. في العام الماضي، أدّت حصيلة القتلى في غزّة إلى زيادة عدد الصحافيّين الذين لقوا حتفهم إلى مستوى غير مسبوق تقريباً. وحريّ بنا أن ندرك هول الصدمات التي تعرّضوا لها لكي نبيّن للعالم الأثر الإنساني للحرب».
كان من الأجدى لو أنّ المنظّمين لم يتغاضوا عن السبب الحقيقي وراء الهول في غزّة، وهو ليس مجرّد «الحرب» بمعناها الواسع أو «الصراع»، بل إنّه الإجرام الصهيوني الذي يقترف الجرائم ضدّ الإنسانية عن سابق تصوّر وتصميم ويتفنّن بها ويبتدع أساليب جديدة أكثر وحشية في سياق حرب إبادة جماعية بحقّ الفلسطينيّين. لكن في كلّ الأحوال، من الجيّد وجود مساحة ولا سيّما في الغرب لرؤية الأمور من منظور الفلسطينيّين. فإلى جانب سالم، فازت الجنوب أفريقية لي آن أولواج بجائزة «قصّة العام» عن صوَرها لعائلة في مدغشقر ترعى قريباً مسنّاً يعاني من الخرف، فيما فازت الأوكرانية يوليا كوتشيتوفا، ضمن فئة النسق المفتوح، بموقعها الإلكتروني الذي «يجمع بين التصوير الصحافي والأسلوب الوثائقي الشخصي للمذكّرات ليظهر للعالم معنى العيش مع الحرب كواقع يومي».