لندن | في إشارة إلى أن إدارة الرئيس الأميركي جوزيف بايدن تريد تأجيل تسلّم جوليان أسانج لما بعد الانتخابات الرئاسيّة في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، طلبت المحكمة العليا في لندن أول من أمس من الحكومة الأميركيّة تقديم ضمانات بأن الصحافي والناشر الأسترالي لن يواجه عقوبة الإعدام. وفي انتظار الإجابة، علّقت المحكمة قرار وزارة الداخليّة البريطانية بالموافقة على تسليمه إلى جلاديه الذين يلاحقونه منذ 15 عاماً بتهم تتعلق بنشر موقع ويكيليكس وثائق سريّة أميركيّة عسكريّة وديبلوماسيّة. وكانت المحكمة تنظر في طعن قانوني تقدّم به فريق الدفاع عن أسانج ويمثّل الفرصة الأخيرة، وفقاً للأنظمة البريطانية، لنقض قرار التسليم الذي وقعته وزيرة داخلية حكومة بوريس جونسون السابقة بريتي باتيل في 2022. وبحسب الحكم المكتوب، مُنح محامو أسانج إذناً موقتاً لبدء استئناف كامل ضد التسليم بناء على ثلاث نقاط تقنية حصراً إذا فشل ممثلو حكومة الولايات المتحدة في توفير ضمانات مرضية للمحكمة بحلول جلسة حدّدت في 20 أيّار (مايو). وتتعلق النقاط التقنيّة باحترام حقوقه الأساسيّة بالتعبير، وعدم التمييز ضده في الإجراءات بسبب جنسيته ـ غير الأميركيّة ـ، وعدم تهديده بعقوبة الإعدام. علماً أنّ التهم الأميركيّة لأسانج التي يستند 17 منها إلى قانون التجسّس، لا تتضمّن عقوبة الإعدام، لكن السلطات الأميركيّة لم تستبعد إضافة تهم أخرى لاحقاً بعد تسلّمه مثل الخيانة، ما يمكن أن يكون مبرراً لإعدامه.
ويشكّك مراقبون بغاية إجراءات المحاكم البريطانية، ويقولون بأنّها تتسبب في تدهور الصحة البدنية والنفسيّة للأسير المعتقل في سجن مخصّص لعتاة المجرمين والإرهابيين من دون مبرر قانوني سوى انتظار مناورات السلطات الأميركيّة لضمان معاملته كمجرم يمكن ترحيله إلى الولايات المتحدة بناءً على اتفاقية تبادل المجرمين المعقودة بين واشنطن ولندن.
ووصفت عقيلة أسانج، ستيلا، وهي محامية، قرار المحكمة بأنّه «غريب» وأن «الإجراء المناسب كان إسقاط القضية». ويبدو أن هذا الوقت المستقطع الإضافي الذي حصل عليه أسانج سيسمح للأميركيين بتجاوز مرحلة الانتخابات الرئاسيّة من دون إلقاء ظلال سلبيّة على حملة بايدن للتجديد. ويرفض القضاء البريطاني التعاطي مع طلب التسليم الأميركي في إطار دور أسانج كناشر وصحافي تولّى عبر موقع متاح للعموم على الإنترنت نشر مواد وصلت إليه عن جرائم حرب ارتكبها الجيش الأميركي في العراق وأفغانستان، وفضحت الطرائق الشائنة التي تعتمدها النخبة الحاكمة في واشنطن لتمديد هيمنتها. وتجاهلت المحكمة أيضاً الجهود التي كشفت جهات عدة عنها بخصوص ملاحقة أسانج والتجسّس عليه والتآمر لتصفيته من قبل وكالة الاستخبارات المركزية الأميركيّة بتوجيهات من الإدارة الأميركيّة. ووصفت جين روبسون، محامية أسانج، الضمانات الأميركية وفقاً للخبرة التاريخيّة بأنها «لا تساوي الورق المكتوب عليها» وأن واشنطن لن تجد حرجاً في التحلّل منها لاحقاً. ويمكن لجوليان في حال إسقاط فرصة الاستئناف - أو رفضه لاحقاً إن فشل الأميركيون في تقديم الضمانات المطلوبة - أن يتقدّم بطلب عاجل لوقف القرار البريطاني بتسليمه إلى الأميركيين لدى المحكمة الأوروبيّة لحقوق الإنسان. لكن لندن التي خرجت من عباءة الاتحاد الأوروبي قد تلجأ عندئذ إلى تسريع تسليم أسانج قبل انعقاد المحكمة، أو تختار تجاهل أحكامها. في هذه الأثناء تستمر عمليّة النهش البطيء لأسانج في سجن بلمارش اللندني سيّئ السمعة، إذ يعاني من «تدهور سريع في صحته البدنية والنفسية» على حدّ تعبير شقيقه غابرييل شيبتون.