استيقظ الطاهر بن جلون صباح يوم السبت في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، مكدّر المزاج، إذ لا بضاعة جديدة لديه صالحة للتصدير، فقد استهلك كل التوابل المغربية في صنع حساء يستسيغه الفرنسيون. تأمل الطبعات المتتالية من روايته «ليلة القدر» التي أوصلته إلى جائزة «غونكور» المرموقة، وتمنى لو أنه لم يكتب «العنصرية كما شرحتها لابنتي»، فليذهب المهاجرون إلى الجحيم، هؤلاء الذين لوّثوا أوروبا بروث أفكارهم وأصولياتهم المتشدّدة، ثم استغرب اللامبالاة تجاه روايته الأخيرة «العسل والمرارة» على رغم حمولتها الثقيلة من المعطّرات الشرقية بخصوص الاغتصاب والعنف والجهل. أحسّ بمرارة القهوة في فمه، إذ لم يندمل جرحه بعد، من فوز أمين معلوف بأمانة الأكاديمية الفرنسية مدى الحياة، فهو أحقّ منه بالمقارنة مع الفواتير التي دفعها بالتقسيط والجملة لجهة فضح أمراض الشرق.
«قديسة 1» (طباعة حريرية على ورق ــ 48 × 38 سنتم ـ 2023) للفنان الفلسطيني بشار الحروب

تذكّر روايته القديمة «الرجل المحطّم» أو «المرتشي»، وقرّر أن يستفيد من خبرة بطل روايته في مجال الرشوة من موقعٍ مضاد، ولكن ما هي الرشوة التي ينبغي تقديمها للغة موليير؟ كانت صور اجتياح المستعمرات الإسرائيلية تتالى من شاشة التلفزيون الصامت. أعاد الصوت إلى الشاشة لمعرفة ما يجري تماماً. شكر «حماس» في أعماقه على هذه الهدية الثمينة التي قلبت مزاجه رأساً على عقب، وهتف على طريقة أرخميدس «وجدتها» ليكتب مقاله الأسبوعي في مجلة «لوبوان» عن هذا الحدث المزلزل إذاً، ولا شك سيكون مقالاً مدويّاً. كان عليه أولاً، أن يشعر بالعار إزاء هؤلاء «الحيوانات» في هجومهم «الهمجي» على «اليهود»، في جملة من هذا الطراز سينسف أكثر المتفرنسين الجدد نفاقاً، وربما سيتفوق على هنري ليفي نفسه. ثم من أين بزغ هؤلاء المعتوهون أمثال بوعلام صنصال، وكمال داوود، وياسمينة خضرا، فهؤلاء «لا يقولون أدباً، إنما يبيعون سلعة». أما بضاعتي فهي مغلّفة بالسيلوفان وتزيّن واجهات المكتبات على الدوام. ينبغي ألا ينافسني أحد على هذه الوليمة الدسمة التي أتت على قدميها، وسيكون دربي أخضر إلى جائزة «نوبل» للأدب. ففي فاتورة من هذا النوع، أظنّ بأنني استكملت دفتر الشروط والأوراق المطلوبة، وحتى الطوابع للصعود إلى منصة الأكاديمية السويدية. لا يعنيني باسكال بونيفاس وكتابه «المثقفون المزيفون»، ليثرثر ما يشاء عن النزاهة الفكرية وعديمي الضمير وأيتام الربيع العربي، لا أحد يمتلك الوصفة السحرية كما أمتلكها، هكذا سطوت على مذكرات سجين مغربي، وطهوتها بطريقتي في «تلك العتمة المبهرة»، وكأنني كنت السجين لا السجّان. لا أريد أن أرى هذا المسلخ البشري في غزة، فهؤلاء «أقل شأناً من الحيوانات». لن يلوثوا يوم عطلتي بدمائهم، فنشرة أحوال الطقس أكثر أهمية لنزهتي الباريسية من هذا الصراخ!
تحسّن مزاج الروائي الفرنكوفوني المستقيل من هويته الأصلية، لم يدم طويلاً، فهناك ذبابة تحوم حول الحساء تدعى بن علام صنصال، تسعى لاحتلال مكانه بالأدوات نفسها، وبجرعة أكبر، ثمّ أنه زار «إسرائيل» وهو ما لم يفعله بن جلون إلى اليوم، كما عمل على «تجميل صورة الاستعمار والحنين إليه، ليس فقط بالتعتيم على جرائمه، وإنما أيضاً بالاحتفاء بعملائه وتشويه مقاوميه». على المقلب الآخر، أتت قضية منع تكريم الروائية الفلسطينية عدنية شبلي في «معرض فرانكفورت»، وإقصاء روايتها «تفصيل ثانوي» بعد ترجمتها إلى الألمانية بمثابة تشويش إضافي على احتفالية المزيفين، وخصوصاً بعد توقيع بيان ضمّ كتّاب نوبليين بينهم آني إرنو، وإذا بأولئك الذين ظنّوا أنهم اجتازوا مسافة الأمان نحو حضن الآخر بوصفهم «مخبرين محليين» وفق ما يقول حميد دباشي في كتابه «وجوه سمراء وأقنعة بيضاء» بمهمة محدّدة هي تصدير السلعة المحلية الرثّة إلى لغة الآخر بما يرضي تصوراته عن الأكزوتيك الشرقي ومناصرة المحتل، السلعة المرغوبة بشدّة في السوق!