ليست هناك خيارات كثيرة متاحة في هذا الإطار، فالمصرف المركزي كان ينفذ هندسات مالية لاستقطاب الدولارات وتعزيز احتياطاته بالعملات الأجنبية، ما يعني أنه كان يرفع أسعار الفائدة ويخلق النقد لتغطية الكلفة الإجمالية الناتجة من الهندسات. كذلك كانت الخزينة العامة تشارك في تحمّل هذه الكلفة من الاستدانة مباشرة من السوق. وفي مرّات نادرة شاركت المصارف في تحمّل جزء من هذه الكلفة (إصدار بقيمة 3.6 مليارات دولار بفائدة صفر في المئة إثر مؤتمر باريس 2).
فضل الله: يجب البدء بخفض كلفة خدمة الدَّين عبر هندسات خاصة
في الواقع، تمثّل المبالغ المدفوعة من مصرف لبنان كلفة شراء الوقت التي يمارسها مصرف لبنان منذ سنوات لضخّ الأوكسيجين في شرايين النموذج الاقتصادي القائم على استقطاب العملات الأجنبية من الخارج لتمويل الاستهلاك العام والخاص (استيراد السلع واستدانة الدولة). هذه الكلفة بدأت تصبح عبثية إلى حدّ ما، في ظل التدهور اللاحق بالاستقرار النقدي والانكماش الاقتصادي. فقد نشأت سوق غير نظامية لسعر صرف الليرة مقابل الدولار، وبات تسعير الليرة مرتبطاً أكثر فأكثر بعمليات المضاربة وهواجس الشركات والمستهلكين. أمس، سجّل سعر الصرف غير النظامي 1570 ليرة مقابل الدولار الواحد وسط نقص حاد في الدولارات (النقدية) في السوق. وبدأت شركات استيراد المحروقات والقمح والدواء وسواها من المستوردين تشعر بصعوبة الحصول على الدولارات اللازمة لاستيراد السلع. لذا، باتت تضغط أكثر فأكثر على مصرف لبنان من أجل الحصول على «كوتا» تستعملها هي وحدها لتمويل عمليات الاستيراد. مشكلة هذه الشركات أنها تدفع ثمن السلع المستوردة بالدولار وتقبض ثمنها من السوق المحلية بالدولار.
نتج هذا الأمر، أساساً، من السياسات النقدية الانكماشية التي أدّت إلى إمساك مصرف لبنان بالكتل الأكبر من الدولارات والليرة بهدف السيطرة على أي شكل من أشكال الانهيار. أدّى هذا الأمر إلى رفع أسعار الفائدة المحلية، فازدادت الأعباء على النشاط الاقتصادي الحقيقي الذي تقلص بدلاً من النمو، ما يعني أن الاستهلاك يتراجع والشركات تقلّص حجم أعمالها وتصرف العمال، ما يزيد البطالة والفقر.
في زحمة كل هذه الأولويات، يعتقد فضل الله أن الأهمّ بينها، خفض كلفة خدمة الدَّين العام. ينطلق فضل الله من أن استقطاب الأموال يجب أن يشكّل فرصة لتمرير نقاش موازنة 2020 بعيداً عن الضغوط النقدية، أي أن يستعمل الوقت الذي اشتراه لبنان في تكريس مسار للعلاج الجذري. «لم يعد هناك مبرر لأن تكون كلفة خدمة الدَّين بالليرة متضخمة بين أطراف لبنانية. يمكن تنفيذ هندسة مالية لمصلحة الدولة اللبنانية تؤدي إلى خفض هذه الكلفة. صيغة هذه الهندسات يمكن التوافق عليها».