فالناس يعرفون أن تلك اللوحات كلاسيكية، لرسوخ قدم فترتها الزمنية في عقلهم الباطن من دون وجود علامات مميزة للفترة التي أُنجزت فيها.
يمزج صبري في لوحاته بين الكلاسيكية والمعاصرة. إنها حالات أشبه بمجتمع استهلاكي جعل الصورة المبهرة همه الأول. حالة فريدة يتعامل فيها مع مستويات عدّة من الفن؛ بداية من الإعلانات التلفزيونية وصولاً إلى الشخوص التي ترتدي ملابس كلاسيكية. لكن الغموض في تلك الأعمال إحدى السمات المميزة للمعرض. المميّز أيضاً أنها رسّخت لحالة من الزيف والخداع الذي نواجهه بشكل متواصل، فالناس كأنهم في سيرك يومي. في إحدى اللوحات (50 * 60 سم – أكسيد على قماش) ينظر رجل بشكل غامض إلى المتلقي، بينما ترشق سكين في رأسه وينزف الدم على جبهته. وفي لوحة أخرى (260 *190سم – أكسيد على قماش) يمتطي رجل ذئباً ويتجول في غابة. لكن السؤال: هل عاد الإنسان إلى رحم الطبيعة وتطويع الوحوش؟
أراد صبري لتلك اللوحات أن تعطي انطباع الكلاسيكية. ولذلك فقد استخدم الأكسيد بدرجة أكبر من الأكريليك كون الأولى مواد تلوينية قديمة توفر المزاج العام المطلوب. في إحدى اللوحات، نجد شخصاً يصوّب بندقية إلى إحدى الفرائس، بينما يظهر في الكادر شخص أشبه بالإنسان البدائي يصرخ بعلوّ صوته. كأن تلك الثنائية أرداها صبري لتختزل معادلة الطبقات في مجتمع واحد. أيضاً، تتوزّع عناصر اللوحات بذكاء لتدل على كلاسيكية المشهد بين ربطات العنق العريضة، أشرطة كاميرات التصوير المستخدمة، والمكتب وأجهزة التليفون.
لوحات صبري تشي بتأثر بشرائط الأفلام القديمة وتصوير الإعلانات في البلاتوهات المفتوحة. وبذكاء يلتفت إلى مفردات العصر الحالي؛ حيث «السيلفي» إحدى اللقطات التي يحرص الجميع عليها.
لوحات تشي بتأثر واضح بشرائط الأفلام القديمة والإعلانات
تتنوع الأعمال الـ 39 المعروضة بين الحجم الكبير والمتوسط والصغير. لم يعد الواقع بتماثلاته المعهودة مصدر الإلهام الوحيد، بل تنوعت الأشكال التي تتضافر لتعطي للصورة وهجاً خاصاً. التجمع الخامس، تلك المنطقة التي يسكنها صفوة الناس، طبقة أبهة من البشر، يعيشون في مجتمع معزول ومنغلق على ذاته، لا يسمح باختلاط أفكاره مع باقي المناطق السكنية. كأن تلك المنطقة أشبه بالحضانات المعقمة، أو غرف العناية المركزة التي يحرص الجميع على بقائها نظيفة. لكن صبري يسخر بعنف من تلك النظرة الطوباوية التي يكسرها الإيهام اليومي بشكل متواصل. تمتاز أعمال صبري بتلك الرمزية والأيقونات الغامضة التي لا تهدر نفسها من أول مرة، بل تبقي على خصوصيتها وجاذبيتها. ربما يمكننا البحث هنا عن مصطلح جديد لتلك الحالة هو «ثقافة الكمباوند». كائنات صبري تتداخل بقوة لتكمل الحياة التي بدأها في معرضه السابق، فالكركدن الذي كان معادلاً لشخوص وأحداث عدّة في الثورة المصرية، تحوّل هنا إلى كائن ضخم بين الإنسان والفيل. كما يجلس هذا الكائن في زي إنسان بينما تتحور يده لتشتبك مع وجهه. كأن كائنات صبري لا تتركه، بل تواصل معه الرحلة الكليّة. تمائم من أماكن، شخوص، نباتات، وأشرطة يغزلها على مهل ليخرج عمله الغامض الذي يأسرك من الوهلة الأولى.
* معرض أحمد صبري: حتى 19 آذار (مارس) ـ «غاليري مشربية» (وسط القاهرة) +20225784494