لم تستجدّ أيّ وقائع تدفع الطرف الفلسطيني إلى إعادة النظر في طرح لابيد
نقطة البداية في خلفية طرْح لابيد، هي أن هذه الحكومة لا تستطيع تجاهل الوضع في قطاع غزة، خاصّة أن المقاومة هناك تفرض نفسها على جدول أعمال مؤسّسات الكيان السياسية والأمنية. فخطّة العدو ترتكز على فرْض حصار من دون دفع أيّ أثمان، على أمل أن يتمّ التخلص من همّ القطاع، عبر تحييده. لكن توالي محطّات المواجهة، وتطوّر قدرات المقاومة ومعادلات الردّ المدروس، فرضت دينامية سياسية انعكست على أولويات القيادة الإسرائيلية. ويحضر في خلفية هذا الطرح، كما في بقيّة العديد من الطروحات السابقة، فشل مجموعة خيارات ورهانات ارتكزت على الضغط العسكري والحصار الاقتصادي، لم تؤدّ لا إلى سقوط المقاومة، ولا إلى انفضاض الجمهور الفلسطيني عنها، ولا إلى خضوعها وتخلّيها عن ثوابتها. في المقابل، فإن بعض الخيارات البديلة، والتي عادةً ما يلوّح بها القادة الإسرائيليون، سوف تؤدّي إلى التورّط في «مستنقع» غزة، ودفْع أثمان كبيرة، من دون ضمان أن تتمكّن من إنهاء خطر المقاومة. كل ذلك، بالتوازي مع حقيقة أن المؤسّسة الإسرائيلية، بكلّ عناوينها السياسية والاستخبارية والعسكرية، منكبّة بكلّ قدراتها على مواجهة التهديد الأشدّ خطراً على أمنها القومي، في الشمال والشرق. لكن المشكلة بالنسبة إلى إسرائيل أن قدرات المقاومة في قطاع غزة في مسار تصاعدي، وحقّقت قفزات نوعية كبيرة، الأمر الذي جعلها أكثر حضوراً وتأثيراً في وعي مؤسّسات القرار وحساباتها.
بالاستناد إلى تلك الوقائع، وحقيقة أن هذه الحكومة حريصة على أن لا تبدو كمَن لا يملك مشروعاً سياسياً بديلاً لمعالجة التحدّي الذي يمثّله قطاع غزة، كان لا بدّ من أن تبحث في السيناريوات التي تتموضع بين الخيارات الفاشلة، وخيارات دراماتيكية تحرص على تجنّبها، وهو ما أشار إليه لابيد بقوله: «لم نحاول منذ فترة طويلة طرْح توجّه آخر لغزة»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى البدائل الأخرى: «احتلال غزة هو فكرة سيئة، وجولات (قتالية) هي فكرة سيئة، وينبغي أن نضع على الطاولة مقترحاً آخر والعمل من أجل دفعه قُدُماً». وما لا ينبغي أن يغيب عن البال أيضاً، حقيقة أن الحكومة الحالية تدرك بأن واشنطن تراقب أداءها على هذا المسار، ويهمّها، في ظلّ ما تواجهه من مخاطر وألغام، أن تحظى باحتضان البيت الأبيض ودعمه. وبحسب بعض التقارير الإسرائيلية، يراقب الأميركيون مواقف كل من الشخصيات الأساسية في الحكومة وأداءها. وهو ما لفت إليه بعض المعلّقين في كيان العدو: «يدركون في واشنطن أهمية غانتس كمحور أساسي في الحكومة الإسرائيلية الجديدة. ومواقف رئيس الحكومة البديل ووزير الخارجية، يائير لبيد، ليست أقلّ أهمية بالنسبة إلى واشنطن». واستناداً إلى ذلك، رأى هؤلاء أن خطّة لابيد في شأن غزة «مهمّة في كونها موجّهة إلى المجتمع الدولي، (لكن) لا توجد أدوات لتطبيقها».
مع ذلك، لا تزال تراود قادة العدو (وهم) رهانات على تلك الخطة من بوابة أنها البديل الممكن والأقلّ كلفة. وضمن هذا الإطار، يندرج ما قاله لابيد عن أن طرحه يهدف إلى «ممارسة ضغوط داخلية ودولية على حركة حماس» انطلاقاً من «عدم وجود منافس لها في غزة اليوم». ويكشف هذا أيضاً أن الحالة التي يحلم بها قادة العدوّ ويسعون إليها على الدوام، هي أن ينتفض سكان القطاع على فصائل المقاومة مُحمّلين إيّاها مسؤولية الواقع الاقتصادي والاجتماعي الذي يعانون منه، بدلاً من أن يوجّهوا سهامهم نحو الاحتلال والحصار الإسرائيلي – (بعض) العربي. ويبدو أن القادة الإسرائيليين يدركون، بحسب تعبير ليبرمان، أن «قضيّة غزة بحاجة إلى معالجة شاملة وحلّ معقّد مصاغ باتفاق وإجماع إسرائيلي واسع»، لكن هذا «لن يحدث في العام المقبل، وربّما ليس في العام الذي يليه»، ومن المؤكد أن ذلك لن يتحقّق في الأعوام المقبلة.