بعد التسريبات الكثيرة، الصحيحة وغير الصحيحة، والكلام الكثير عما يجري داخل اللّجنة الفرعية المنبثقة عن اللّجان النيابية المشتركة المكلّفة درس مشروع القانون المحال بالمرسوم الرقم 4116 تاريخ 28-5-2010 والرامي إلى حماية النساء من العنف الأسري، خرجت اللّجنة الفرعيّة أمس برئاسة النائب سمير الجسر إلى العلن للمرّة الأولى لتقدّم إلى الإعلام تقريرها الرسمي. المؤتمر الصحافي الذي عقده الجسر، في المجلس النيابي، مع زملائه في اللّجنة، النواب جيلبيرت زوين، عماد الحوت، غسان مخيبر، ميشال الحلو وعلي عمار، فتح باب النقاش مع اللّجنة التي بدت متمسكة بالصيغة التي توصّلت إليها، وبفعالية التعديلات التي نجحت بإدخالها على صيغة القانون. ولعلّ ما قدّمته اللّجنة أمس يمكن أن يتلخّص بجملة الجسر الأخيرة في التقرير الذي قدّمه. إنّ «اللّجنة بذلت جهداً كبيراً في التوصّل إلى صياغة قانون يحمي المرأة على نحو فعّال من أي عنف داخل الأسرة، كما يحمي سائر أفراد الأسرة الذين قد يتعرضون للعنف الأسري، وفي الوقت عينه يراعي قيمنا المجتمعية في الحفاظ على الأسرة من دون التفريط في حقوق الأفراد». أي إنّ صياغة القانون حاولت أن تحمي المرأة من دون أن تخرج من مبدأ التسويات والتوافقات اللبنانيّة، لكن هل مبدأ مراعاة الطوائف والسياسة والمجتمع الذكوري يحمي المرأة؟ وخصوصاً أنّ أحد أطر عمل اللجنة كان «احترام مبادئ الدستور، ولا سيما المادة السابعة (المساواة أمام القانون) والمادة التاسعة (ضمان احترام نظام الأحوال الشخصية والمصالح الدينيّة».
من جهة أخرى مثّلت نقطة تجريم الاغتصاب الزوجي أو عدمه، نقطة نقاش طويل، إذ إنّ اللّجنة اعتمدت ما يمكن أن يسمى «الحلّ الوسط» بين الجهات الدينيّة والجمعيات النسائيّة. فجاء في تقرير الجسر «أضافت اللّجنة أحكاماً خاصة مناسبة وفعّالة لجرم الإكراه بالعنف والتهديد على الجماع بين الزوجين. (تشديد العقوبات في المواد 554 إلى 559) إضافة إلى التشدّد في حال المعاودة». فكان القرار بتجريم الاغتصاب الزوجي في حال ترك فقط آثار عنف على جسد المرأة! كان لافتاً اختلاف تعريف «الاغتصاب» لدى أفراد اللّجنة عن باقي الحاضرين في المؤتمر. فبالنسبة إلى سمير الجسر «الاغتصاب» هو «أخذ الشيء بغير وجه حق»، وهو التعريف الذي يؤدي على الأغلب إلى اعتبار إجبار الزوجة على ممارسة الجماع «من حق الزوج»، بينما بالنسبة إلى بعض الحاضرين كان «الاغتصاب» هو «أخذ الشيء عنوة» من الزوجة أو غير الزوجة.
وإن كانت اللّجنة تقرّ في مشروع القانون الذي تقدّمه بأنّ «المرأة هي الأكثر تعرضاً للعنف»، إلّا أنّ المشروع يعيد ويضيف إنّها ليست الوحيدة التي تتعرّض له. من هنا برّر «توسيع إطار الحماية لتطاول على نحو رئيسي ليس المرأة فقط، وإنما أيضاً سائر أفراد الأسرة من ذكور وأطفال وأهل وكبار السن، وفي بعض الحالات أشخاص قاطنين مع الأسرة، ولا سيما أن مثل هذه الحالات من الحماية الضرورية من العنف غير مشمولة في أحكام أخرى من القانون اللبناني». من هنا أصبح القانون يشمل أيّ شخص معنّف في المنزل، ولم يعد مختصّاً بحماية المرأة فقط. يبرّر النائب غسان مخيبر هذا الموضوع بالقول إنّ «التشريع اللبناني بطيء»، من هنا مثّل الموضوع فرصة لشمل كلّ الفئات المعنّفة في هذا القانون.
في المحصّلة، التقرير الذي تلاه سمير الجسر يظهر أنّ اللّجنة هي صورة المجتمع الذي يطلب من المرأة أن تكتفي بالقليل على أساس أنّ هذا أكثر ما يمكن أن تحصل عليه اليوم في ظلّ التجاذبات الدينيّة، السياسية والاجتماعيّة، مع تأكيد اللّجنة أنّ مشروع القانون الذي تقدّمت به قادر على حماية المرأة على نحو فعّال، من دون أن يكون طرح الأمور استفزازي. وفي انتظار أن يكشف بالتفاصيل عن التعديلات التي طرحت على القانون، يبدو أنّ طموح اللّجنة في صياغتها هذا القانون الجزائي، أن يكون «رسالة واضحة إلى المجتمع بأسره» بأنّ القانون يعاقب على العنف، أكثر من أيّ شيء آخر.