نجحت جرافات شركة فينوس العقارية، المملوكة من متمولين لبنانيين وعرب، في تدمير المرفأ الفينيقي المكتشف في العقار المقابل لفندق مونرو في منطقة ميناء الحصن والذي أدخل على لائحة الجرد العام للمواقع الأثرية والأبنية التاريخية في ٤ نيسان ٢٠١١ في عهد الوزير سليم وردة، فمن إنجازات وزير الثقافة غابي ليون إعطاؤه الشركة مساء أول من امس قراراً شفهياً بالموافقة على رفع العقار عن لائحة الجرد العام، ما دفع بجرافات الشركة الى بدء العمل على تدمير الموقع منذ السادسة من فجر أمس. وسارع الوزير ليون الى «التذاكي» على وسائل الإعلام التي اتصلت به للاستفسار عن الخطوة مشيراً إلى أن الشركة المسؤولة عن الورشة لم تبلّغ بقراره ما «يؤكد وجود مخالفة».
وإزاء عبثية قرار ليّون لم يكن امام «التجمع للحفاظ على التراث اللبناني» من سبيل لمواجهتها سوى اللجوء الى قاضي الامور المستعجلة في بيروت نديم زوين الذي اصدر قراراً يقضي بوقف تدمير العقار وتغريم المخالفين غرامة اكراهية قدرها مئة مليون ليرة لبنانية عن كل ساعة عمل اضافية من تاريخ تبلغهم به. لكن جرافات الشركة الناشطة منذ الصباح كانت قد «انجزت» في غضون ساعات تدمير ما يفوق ٢٥٠٠ عام من تفاصيل حياة الفينيقيين وتفاعلهم مع بيئتهم.
وكان فريق من المديرية العامة للآثار بإدارة عالم الآثار هشام صايغ قد أشرف في حزيران العام 2011 على الحفريات في العقار والتي اسفرت عن اكتشاف معالم اثرية عدة اهمها: منزلقان متوازيان محفوران في الصخر يبعدان مسافة 120 مترا عن الشاطئ القديم لمدينة بيروت. وادرج في تقرير رفعه للوزارة توصيف الموقع بأنه ميناء فينيقي من القرن الخامس قبل الميلاد.
ورغم التباين العلمي بين علماء الآثار حول دور المدرّجَين الصخريين اللذين تم اكتشافهما في الموقع، إلا أنهم أجمعوا على ضرورة المحافظة عليهما مع كامل الحوز الصخري المحيط بهما، والطلب من أصحاب العقار إجراء التعديلات اللازمة في الخرائط الهندسية للمشروع.
وبغياب مدير عام للآثار، تقع غالبية القرارات في المحافظة على المواقع الاثرية او رفعها او هدمها على عاتق وزير الثقافة الذي، بسبب عدم تخصه في علم الآثار، قرر ان يكلف لجنة علمية لدراسة الملفات.
الوزير ليون أكد في اتصال مع «الأخبار» أنه سيدافع عن صدقيته ورفض «الهروب من المسؤولية». ورأى ان قراره هو الحل لاكثر الملفات إشكالاً وان كان «يخدم» خصمه السياسي. ولفت ليون الى ان قرار اللجنة العلمية كان صريحاً، «الموقع ليس مرفأ ولا حتى احواضاً جافة بل مقلع صخري، لذا، فهو ليس بالاهمية الكبرى ليحافظ عليه في موقعه». وهذا ما أكده د. سمير الشامي عضو اللجنة العلمية. ويقول الشامي بأن التقرير استند الى دراسات علمية وتقرير عالم مختص في الآثار البحرية مدرس في المانيا.
ومنذ ان تسلم الوزير غابي ليون مهام وزارة الثقافة قاطع جميع الخبراء وعلماء الآثار الذين عملوا في حقبة الوزير سليم وردة، ما أدى الى تباين علمي حول اهمية الموقع ورفض العديد من النصائح بعقد ندوة علمية متخصصة لحسم الجدل حول هذا الموضوع.
وكيلة «التجمع للحفاظ على التراث اللبناني» المحامية كارلا شرفان اكدت لـ«الأخبار» ان قرار الشركة بازالة العقار وتدميره بهذه الطريقة رغم انه مدرج على لائحة الجرد العام «لن يمر مرور الكرام وسنلاحقهم امام القضاء». وتوجهت شرفان الى الوزير ليون بالقول: «القانون يعاقب على الفعل ويعاقب ايضاً على الامتناع عن الفعل، واذا كان يظن انه سيهرب من القانون فإن الجمعية ستلاحقه». ولفتت شرفان الى ان قرار القاضي زوين يقضي بوجوب وقف الاعمال وتكليف الشركة بابداء ملاحظاتها على قراره ضمن مهلة 48 ساعة.
ودعت رئيسة التجمع باسكال انجا الى التجمع امام مبنى ووزارة الثقافة ظهر غد للمطالبة باستقالة ليون.
بدوره، حمّل الناشط رجا نجيم الوزير وشركة فينوس كامل المسؤولية عن الجريمة التي ارتكبت بحق الموقع الاثري. واضاف «يجب ان يحاسبا ليس امام مجلس شورى الدولة بل امام محكمة الجزاء لانه لا يحق للوزير ان يأخذ قراراً من دون ان يعطي الحق للجمعيات والافراد بالطعن».
لكن الوزير لا يرى اي مبرر للطعن في قراره، ففي رأيه الموقع هو «مقلع حجارة، ولا اهمية له»! ويبرر عملية التدمير التي حصلت من خلال رمي المسؤولية على مالك الموقع الذي «استعجل في التنفيذ». وهذا يعني أن وزير الثقافة كان مدركاً بأن موقعاً اثرياً عمره 2500 سنة، بغض النظر عن جهة استعماله، سيدمر ولم يرف له جفن، متذرعاً بالعلم.
لكن العلم مدارس، ونظريات... وهناك من يطالب بإدخال المواقع في المباني، وهناك من يطالب بالمحافظة عليها في مكانها رغم عدم اهميتها.
ما قام به الوزير ليون من شأنه أن يرشد من سيخلفه على الطريقة الاسرع لتدمير الآثار، من خلال تثبيته سابقة الرفع عن لائحة الجرد العام والتعجيل في الهدم. وما حصل امس سيتكرر في المستقبل، خصوصاً إذ ما اعتبر كل وزير بأن سبب الادخال في الجرد العام هو فخ سياسي، تماماً كما اعتبر الوزير ليون!