الصفدي يتوعّد المستقبل من الضنّية
مؤشرات ودلالات عدة حملتها جولة وزير المال محمد الصفدي، أول من أمس، في الضنّية، رسمت معها بعض معالم خريطة الطريق التي ينوي الوزير محمد الصفدي وحكومة حليفه الرئيس نجيب ميقاتي انتهاجها في المرحلة المقبلة، في منطقة تُعدّ إلى جانب توأمها المنية الامتداد الطبيعي لمدينة طرابلس.
هذا الترابط العضوي بين عاصمة الشمال وامتدادها المجاور لها ذي الغالبية السنّية في الضنية والمنية، وصولاً إلى عكار، تُرجم تاريخياً بتحالفات سياسية خلال الاستحقاقات الانتخابية تحديداً، إلى أن قطعها في السنوات الأخيرة تيار المستقبل عبر حضوره الطاغي فيها، ما أثار ارتدادات في هذه المناطق، لما تزل قائمة، من أجل إعادة الأمور إلى نصابها.
في السنوات الأخيرة، وجدت المرجعيات السياسية في طرابلس نفسها محاصرة من قبل تيار المستقبل، بعدما نزع منها نفوذها السياسي في محيطها السّني، وصولاً إلى سعيه لإلغائها في عقر دارها أو وضعها تحت وصايته السياسية، وهو أمر لمسته وعانت منه المرجعيات خلال العقدين الأخيرين بنسب متفاوتة.
وعلى قاعدة أن دوام الحال من المُحال، لم تستسلم هذه المرجعيات للقدر المستقبلي في طرابلس وجوارها السّني، ففرضت عليه توافقاً انتخابياً في طرابلس، نيابياً وبلدياً، في عامي 2009 و2010، قبل أن توجّه إليه ضربات «تحت الحزام» في الانتخابات البلدية في الضنية وعكار، وفي الانتخابات الفرعية في المنية، وصولاً إلى تلقيه ضربة قاضية مطلع هذا العام، بوصول ميقاتي إلى سدّة الرئاسة الثالثة بعد سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع هذا العام.
هذه الصورة كانت حاضرة في ذهن الصفدي قبل توجّهه إلى الضنية، في أول زيارة شمالية يقوم بها خارج طرابلس منذ تعيينه وزيراً للمال في حكومة ميقاتي في 13 حزيران الماضي، وجعلها الأساس الذي ينطلق منه.
لم يأت الصفدي على ذكر كل ما سبق في المواقف التي أطلقها خلال زيارته للضنّية، لكن الرسائل المُضمرة التي أرسلها في غير اتجاه كانت كافية لتصل إلى المرسل إليهم، لعل أبرزها كان تشديده على الزيارة وعدم إلغائها، بعد قيام مجهولين بإلقاء قنبلتين في باحة فندق الجزار قبل ساعات من موعد حفل تكريم له شهده الفندق المذكور، إحداهما أدّت الى تكسير زجاج سيارة، ونزعهم لافتات ترحيب به، ما أعاد إلى الأذهان حملة مشابهة قام بها مناصرون للتيار الأزرق في الضنية، بهدف تعكير أجواء زيارة قام بها ميقاتي للمنطقة صيف 2008.
فخلال لقائه رؤساء بلديات الضنية في مقر اتحادهم ببلدة بخعون، سأل الصفدي: «لماذا الشمال محروم من المال السعودي؟»، لم ينتظر الإجابة منهم، بل أوضح أنه «في أيام الشيخ رفيق، قيل إن السوريين منعوا المال السعودي من المجيء إلى طرابلس والشمال. لكن بعد خروج السوريين، لماذا يستمر المنع؟»، ما دعاه إلى المتابعة قائلاً: «نحن بحاجة إلى المال السعودي من أجل دعم المناطق السّنية في الشمال خصوصاً، عبر أي وسيط، وقد أبلغت وزير المال السعودي هذا الأمر، فوعدني بنقله مباشرة إلى الملك عبد الله».
ضرب الصفدي على وتر العصبية المناطقية والمذهبية السّنية، في خطوة بدا أن الهدف منها سحب البساط من تحت أرجل تيار المستقبل، جعله يشير لرؤساء بلديات الضنية إلى أن «أي مشروع لكم تراجعون به في أي وزارة ويقولون لكم لا أموال متوافرة له، قولوا لهم حوّلوه إلى وزارة المال ونحن نؤمن الأموال».
هذا الارتياح الذي أبداه الصفدي في كلامه لرؤساء البلديات يعاكس ما رافق الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري الذي زار الضنية منتصف أيلول الماضي، ليدشن طريقاً فرعية نفذت منذ سنتين، ولم يقم بزيارتها ولا قصّ شريطها، بل اكتفى بخطاب عن المحكمة الدولية والنظام السوري، الأمر الذي فسّر الحضور الهزيل يومذاك، وغياب أكثر من نصف رؤساء البلديات عن لقائه.
من هذا المنطلق، غمز رئيس اتحاد البلديات محمد سعدية عندما أشار للصفدي إلى أن «وجوه منطقتنا وحاملي مفاتيح أبوابها يستقبلونكم»، و«لأن في الضنية أوفياء، وأن الاستثناء لا يلغي القاعدة».
أول من أمس، ضرب وزير المال على هذا الوتر الحساس، فأمام حشد سياسي وشعبي ضاقت به قاعة الفندق الذي أقام فيه رجل الأعمال نزار رعد حفل تكريم له، أكد الصفدي أن «حقوق هذه المنطقة من الصندوق البلدي المستقل ستصلها كاملة وحبّة مِسك»، عندها أومأ له النائب السابق جهاد الصمد بأن المطلوب رفع العائدات قبل دفعها، وهي عائدات عمل النائب أحمد فتفت أيام تسلمه وزارة الداخلية بالوكالة على خفضها. ردّ الصفدي: «عائدات بلديات الضنية سترتفع، هذا وعدٌ مني».
رسائل الصفدي السّياسية أثناء زيارته للضنية لم تقف عند هذا الحد، فهو في توقفه مرتين عند الصمد، الأولى زيارته له في منزله قبل ذهابهما معاً إلى حفل التكريم، والثانية بعد عودته منه، أراد أن يقول للنائب قاسم عبد العزيز، الذي «صنعه» نائباً في دورتي 2005 و2009، وتخلى الأخير عنه خلال استشارات التكليف، أنه تخلى عنه بالمقابل. وأراد القول لتيار المستقبل أيضاً إن «الصمد يحظى بدعمنا في مواجهتكم»، وخصوصاً أن الصمد ثبّت نفسه مرجعية في الضنية يتوقف عنده وزراء حكومة ميقاتي في زياراتهم للمنطقة، وهو ما قام به قبل الصفدي وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي يوم زيارته لها في 17 تموز الماضي، ما دفع الصمد إلى القول للصفدي: «عندما أضع يدي في يد أحد للتعاون معه من أجل أهل منطقتي ومصلحة لبنان، لا أسحبها ولو انقطعت»، فردّ عليه الصفدي بالمثل.
توصيات جانبية
بحث وزير المال محمد الصفدي في لقاءات جانبية بالمشاريع الإنمائية الضرورية للمنطقة التي بإمكان الحكومة أن تباشر العمل عليها. وشدد مع الحلفاء الجدد على وجوب تنفيذ خطوات أساسية تحدث صدمة إيجابية عند الرأي العام. وحمّل الصفدي من التقاهم مسؤولية كبيرة عبر الإيحاء بأن كل ما حققته وستحققه الحكومة سيضيع هباءً ما لم يحصل تغيير في المنية والضنية، نظراً إلى تأثيرهما على الشمال كله.
هذا الترابط العضوي بين عاصمة الشمال وامتدادها المجاور لها ذي الغالبية السنّية في الضنية والمنية، وصولاً إلى عكار، تُرجم تاريخياً بتحالفات سياسية خلال الاستحقاقات الانتخابية تحديداً، إلى أن قطعها في السنوات الأخيرة تيار المستقبل عبر حضوره الطاغي فيها، ما أثار ارتدادات في هذه المناطق، لما تزل قائمة، من أجل إعادة الأمور إلى نصابها.
في السنوات الأخيرة، وجدت المرجعيات السياسية في طرابلس نفسها محاصرة من قبل تيار المستقبل، بعدما نزع منها نفوذها السياسي في محيطها السّني، وصولاً إلى سعيه لإلغائها في عقر دارها أو وضعها تحت وصايته السياسية، وهو أمر لمسته وعانت منه المرجعيات خلال العقدين الأخيرين بنسب متفاوتة.
وعلى قاعدة أن دوام الحال من المُحال، لم تستسلم هذه المرجعيات للقدر المستقبلي في طرابلس وجوارها السّني، ففرضت عليه توافقاً انتخابياً في طرابلس، نيابياً وبلدياً، في عامي 2009 و2010، قبل أن توجّه إليه ضربات «تحت الحزام» في الانتخابات البلدية في الضنية وعكار، وفي الانتخابات الفرعية في المنية، وصولاً إلى تلقيه ضربة قاضية مطلع هذا العام، بوصول ميقاتي إلى سدّة الرئاسة الثالثة بعد سقوط حكومة الرئيس سعد الحريري مطلع هذا العام.
هذه الصورة كانت حاضرة في ذهن الصفدي قبل توجّهه إلى الضنية، في أول زيارة شمالية يقوم بها خارج طرابلس منذ تعيينه وزيراً للمال في حكومة ميقاتي في 13 حزيران الماضي، وجعلها الأساس الذي ينطلق منه.
لم يأت الصفدي على ذكر كل ما سبق في المواقف التي أطلقها خلال زيارته للضنّية، لكن الرسائل المُضمرة التي أرسلها في غير اتجاه كانت كافية لتصل إلى المرسل إليهم، لعل أبرزها كان تشديده على الزيارة وعدم إلغائها، بعد قيام مجهولين بإلقاء قنبلتين في باحة فندق الجزار قبل ساعات من موعد حفل تكريم له شهده الفندق المذكور، إحداهما أدّت الى تكسير زجاج سيارة، ونزعهم لافتات ترحيب به، ما أعاد إلى الأذهان حملة مشابهة قام بها مناصرون للتيار الأزرق في الضنية، بهدف تعكير أجواء زيارة قام بها ميقاتي للمنطقة صيف 2008.
فخلال لقائه رؤساء بلديات الضنية في مقر اتحادهم ببلدة بخعون، سأل الصفدي: «لماذا الشمال محروم من المال السعودي؟»، لم ينتظر الإجابة منهم، بل أوضح أنه «في أيام الشيخ رفيق، قيل إن السوريين منعوا المال السعودي من المجيء إلى طرابلس والشمال. لكن بعد خروج السوريين، لماذا يستمر المنع؟»، ما دعاه إلى المتابعة قائلاً: «نحن بحاجة إلى المال السعودي من أجل دعم المناطق السّنية في الشمال خصوصاً، عبر أي وسيط، وقد أبلغت وزير المال السعودي هذا الأمر، فوعدني بنقله مباشرة إلى الملك عبد الله».
ضرب الصفدي على وتر العصبية المناطقية والمذهبية السّنية، في خطوة بدا أن الهدف منها سحب البساط من تحت أرجل تيار المستقبل، جعله يشير لرؤساء بلديات الضنية إلى أن «أي مشروع لكم تراجعون به في أي وزارة ويقولون لكم لا أموال متوافرة له، قولوا لهم حوّلوه إلى وزارة المال ونحن نؤمن الأموال».
هذا الارتياح الذي أبداه الصفدي في كلامه لرؤساء البلديات يعاكس ما رافق الأمين العام لتيار المستقبل أحمد الحريري الذي زار الضنية منتصف أيلول الماضي، ليدشن طريقاً فرعية نفذت منذ سنتين، ولم يقم بزيارتها ولا قصّ شريطها، بل اكتفى بخطاب عن المحكمة الدولية والنظام السوري، الأمر الذي فسّر الحضور الهزيل يومذاك، وغياب أكثر من نصف رؤساء البلديات عن لقائه.
من هذا المنطلق، غمز رئيس اتحاد البلديات محمد سعدية عندما أشار للصفدي إلى أن «وجوه منطقتنا وحاملي مفاتيح أبوابها يستقبلونكم»، و«لأن في الضنية أوفياء، وأن الاستثناء لا يلغي القاعدة».
أول من أمس، ضرب وزير المال على هذا الوتر الحساس، فأمام حشد سياسي وشعبي ضاقت به قاعة الفندق الذي أقام فيه رجل الأعمال نزار رعد حفل تكريم له، أكد الصفدي أن «حقوق هذه المنطقة من الصندوق البلدي المستقل ستصلها كاملة وحبّة مِسك»، عندها أومأ له النائب السابق جهاد الصمد بأن المطلوب رفع العائدات قبل دفعها، وهي عائدات عمل النائب أحمد فتفت أيام تسلمه وزارة الداخلية بالوكالة على خفضها. ردّ الصفدي: «عائدات بلديات الضنية سترتفع، هذا وعدٌ مني».
رسائل الصفدي السّياسية أثناء زيارته للضنية لم تقف عند هذا الحد، فهو في توقفه مرتين عند الصمد، الأولى زيارته له في منزله قبل ذهابهما معاً إلى حفل التكريم، والثانية بعد عودته منه، أراد أن يقول للنائب قاسم عبد العزيز، الذي «صنعه» نائباً في دورتي 2005 و2009، وتخلى الأخير عنه خلال استشارات التكليف، أنه تخلى عنه بالمقابل. وأراد القول لتيار المستقبل أيضاً إن «الصمد يحظى بدعمنا في مواجهتكم»، وخصوصاً أن الصمد ثبّت نفسه مرجعية في الضنية يتوقف عنده وزراء حكومة ميقاتي في زياراتهم للمنطقة، وهو ما قام به قبل الصفدي وزير الشباب والرياضة فيصل كرامي يوم زيارته لها في 17 تموز الماضي، ما دفع الصمد إلى القول للصفدي: «عندما أضع يدي في يد أحد للتعاون معه من أجل أهل منطقتي ومصلحة لبنان، لا أسحبها ولو انقطعت»، فردّ عليه الصفدي بالمثل.
توصيات جانبية
بحث وزير المال محمد الصفدي في لقاءات جانبية بالمشاريع الإنمائية الضرورية للمنطقة التي بإمكان الحكومة أن تباشر العمل عليها. وشدد مع الحلفاء الجدد على وجوب تنفيذ خطوات أساسية تحدث صدمة إيجابية عند الرأي العام. وحمّل الصفدي من التقاهم مسؤولية كبيرة عبر الإيحاء بأن كل ما حققته وستحققه الحكومة سيضيع هباءً ما لم يحصل تغيير في المنية والضنية، نظراً إلى تأثيرهما على الشمال كله.