تُجمع مصادر المعارضة السورية على أن أكبر الألوية المقاتلة الناشطة في سوريا هي ثلاثة: لواء رجال الله، وكتيبة خالد بن الوليد وكتيبة الفاروق. لكل من هذه الكتائب توجّهات ورؤى تختلف عن الأخرى، حيث تتبع كتيبة خالد بن الوليد حركة الإخوان المسلمين التي تدعمها. أما كتيبة الفاروق، فمعظم أعضائها سلفيون يحصلون على المال والسلاح من السعودية، فيما لواء رجال الله وكتائب أخرى ككتيبة علي بن أبي طالب، لُفِظت لأنها رفضت أن تكون تابعة لأجندات خارجية. يقول الأمين العام لحركة «الرديف الثوري»، المعروف بـ «أبو عبد الرحمن»، «وجودنا العسكري يمتد بين ريف الشام والشام والرستن وحلب واللاذقية». يتحدث عن وجود 6200 مسلّح يتبعون للحركة، أدرجوا ضمن لوائح اسمية مع تحديد نوعية السلاح الذي بحوزة كل فرد منهم، لافتاً إلى استعدادهم لتسليم السلاح إن قُدمت إليهم مكاسب سياسية وحماية الأمم المتحدة. يُخبر عن لواء رجال الله الذي كان يقوده النقيب أمجد الحميد قبل استشهاده. أما اليوم، فيتولى زمام قيادته النقيب المنشق، حذيفة القاسم. وهناك أيضاً، كتيبة عمر بن الخطاب وكتيبة علي بن أبي طالب بقيادة الملازم أول المنشق فايز العبد الله، وكتيبة أبو بكر الصديق بقيادة الملازم أول المنشق عقبة سعد الدين. وسط هؤلاء، تتحدث المصادر المعارضة عن انتشار مجموعات تتبنى الفكر التكفيري باتت موجودة، تهدف إلى إفشال الثورة. وتكشف المصادر نفسها عن بدء اشتباكات بين المجموعات المعارضة نفسها للسيطرة على الأرض.
يُعبّر أحد قياديي الفصائل المقاتلة في سوريا عن سأمه من الحال التي وصلت إليها الثورة. القيادي الذي يُطلق على نفسه لقب «ابن الشام الثائر»، وهو قائد كتيبة شهداء ريف دمشق، يرى أن التردي تتحمّل مسؤوليته القيادات المعروفة إعلامياً، كالعقيد مصطفى الشيخ والعقيد رياض الأسعد والعقيد قاسم سعد الدين. فيشير إلى أن هؤلاء لا يكفّون عن إصدار بيانات التهديد والوعيد من دون أن يُنفّذوا أياً منها. يرى أن ذلك أفقد قسماً كبيراً من الشعب ثقته بـ «الجيش السوري الحر». وفي سياق مواز، يقول «ابن الشام الثائر» إنه يتبع سياسياً إلى حركة الرديف الثوري. ويتحدث عن مشاركتها نفس القناعات والأهداف، مشدداً على ضرورة إحداث خرق في الجدار بين الفصائل للتوصل إلى حل يحقن دماء الشعب السوري. ويتحدث عن مجازر يترقبونها عمّا قريب، مُناشداً إيجاد مبادرة ما من أصدقاء الشعب السوري لتجنيبهم القتل. موقف الثائر الموجود في عمق الأراضي السورية، يختلف عن كثير من مواقف معارضين موجودين تبيّن أنهم خارج سوريا. فأحد أفراد الكتائب المقاتلة المعروف باسم «علاء الشيخ»، الموجود في السعودية، يؤكد أن النصر حليف الثوّار. يتحدث عن معنويات عالية يتحلى بها المقاتلون، جازماً بأن هؤلاء «يرون الجنة من فوّهة البندقية لأنهم يقاتلون وفقاً لعقيدة».
الأمم المتحدة تتحمّل المسؤولية
بموازاة ذلك، يخلص معارضون في حركة الرديف الثوري إلى القول إن «كلمة إسقاط نظام ليست موجودة في ظل السلاح الموجود في أيدي الثوّار». أما عن هدفهم، فيجيب الأمين العام للحركة: «نحن نؤيد إسقاط النظام ضمن شروط خطة أنان». ويضيف قائلاً: «هناك من يقول دع البلاد تضيع لمدة 10 سنوات أو 15 سنة لتعود بعدها، لكننا نقول نُريد خطة تحقن الدماء وتُجنّبنا الفوضى». الخطة التي يتحدّث عنها لا تزال غير موجودة، على الأقل حالياً، لكنه يؤكد أن خريطة طريق قد تكون أسلم في ظل التشظّي الموجود وسط الجماعات السورية المعارضة. يؤكد أن فوضى السلاح قد تنعكس سلباً على الثوّار أنفسهم. لذلك يقترح محاولات لتوحيد الصف. هل ذلك ممكن، سؤال يطرحه سُرعان ما يُجيب عنه قائلاً: «نحن في الرديف الثوري قادرون على أن نجمع مختلف الفصائل التي تُمسك بالميدان». وانطلاقاً من قاعدة أن من يملك الأرض يتحكّم في المفاوضات، يطالب أبو عبد الرحمن: «الأمم المتحدة بأن تتولّى حمايتهم أثناء اجتماعهم لقيادة حوار يوصلنا إلى رؤية موحدة، إلا إذا كانت هذه الأمم لا تُريد إنجاح العملية». ويكشف عن محاولات اتصال قام بها قياديون في حركة الرديف الثوري بالأمم المتحدة من دون أن يلقوا جواباً. ويضيف قائلاً: «نحن بإمكاننا قيادة حوار، نريد من كوفي أنان أن يحمينا كي نجتمع ونقول ماذا نريد». ويستغرب موقف المجلس الوطني بشعاره «لا للحوار»، متسائلاً: «إلى أين إذاً نحن ذاهبون». وختم قائلاً: «لا أحد يمثل الشعب السوري من معظم الموجودين خارج سوريا».
يختلف معظم القياديين في المعارضة السورية المسلّحة والضباط المنشقين في الرؤية إلى مستقبل «الثورة». الحيرة عالقة بين عجزين. عجز عن إسقاط النظام وعجز عن الاستمرار في الثورة من دون نتائج. يُرجّح هؤلاء أن يبدأ النظام الحسم فور إعلان فشل خطة أنان. يُخبر أحدهم ممازحاً: «جميعنا سنكون شهداء بعد الحسم». يجهدون في اجتراح الحلول لحقن دماء الشعب السوري. فلا يجدون حلّاً سوى قيام اتفاق بين قوات المعارضة المسلّحة بحماية الأمم المتحدة، ولا سيما أن كل سيطرة ميدانية لا تترافق مع مكاسب سياسية لا يُعوّل عليها. يحول دون هذا الاتفاق عقبة يُجمع على تسميتها جميع القياديين والضباط المنشقين. فكل فرد منهم يمتلك الجرأة ليقول في جلساته الخاصة بأنه «لا فرصة أمامنا لمواجهة النظام أو صدّه حتى»، لكن خوفهم من التخوين يردعهم من قول ذلك علانية. يقول أحدهم: «سيتّهموننا ببيع دماء الشهداء الذين سقطوا». ويردُ آخر: «نحافظ على دماء الشهداء إذا جنّبنا شعبنا المجازر ولم نلق به إلى التهلكة».
يُقدّم هؤلاء حلّاً قد يكون فرصة لتأطير الثورة، وإلا فلن يكون هناك مجال لا لإسقاط النظام ولا لتحصيل مكاسب سياسية. حتى الأمس القريب، كان هناك أملان يلوحان في الأفق. تدخّلٌ عسكري أو انقلاب يُطيح القيادة الموجودة، يؤديه ضابطٌ يجمع خلفه الشعب والفصائل المسلّحة. الأمل الأول فُقد منه الرجاء، أما الثاني، فيُجمع المتابعون على أنه، حتّى الآن، لا وجود لشخصية تحمل هذه المواصفات. أقلّه في المدى المنظور. لن يبقى هناك سوى الحوار أو إسقاط سوريا. خلاصة مُتّفقٌ عليها بحسب عدد كبير من المعارضين.



مع التوحّد وإلّا فوقف الثورة


«أهدافنا دفاعية ولا نقوم بأي أعمال هجومية». يقول قائد كتيبة علي بن أبي طالب، الملازم أول المنشق فايز عبد الله، مشيراً إلى أن نطاق عمل الكتيبة ينحصر في ريف حمص. يكشف عبد الله أن عدد أفراد كتيبته لا يتخطى 140 مقاتلاً، مؤكداً أنها «مستقلة ودوافعها وطنية ولا تتبع لأحد». يُعرب قائد الكتيبة عن قلقه من الوضع الميداني، مشيراً إلى أن «الأسلحة الموجودة في حوزتنا ليست فعّالة في مواجهة ترسانة النظام». تشاؤم عبد الله لا يُبدّده شيء، علماً أن مجموعته هي من وقف في وجه النظام أثناء اقتحامه لمدينة الرستن. يحمل كغيره شعار النصر أو الشهادة، لكنه لا يرفض أيّ مبادرة لحقن دماء السوريين شرط ألّا تُفرّط بدماء الشهداء. كذلك يتحدث عن دلائل تشير إلى اقتراب موعد حسم عسكري يبدو أن «النظام اتخذ قرار المضي فيه». يؤكد رفضه المفاوضات مع النظام، لأنه لم يُظهر حُسن نية أبداً. ويضيف: «نُريد ضمانات تحمينا»، معرباً عن تأييده حواراً موسّعاً وحقيقياً مع مختلف الفصائل المقاتلة. ويكشف عبد الله لـ «الأخبار» أن حواراً لتوحيد الجبهة والرؤية بدأ بين الفصائل المقاتلة منذ نحو عشرة أيام. أما في حال فشله من دون التوصّل إلى اتفاق، فيجزم الضابط المنشق بأنه وكتيبته سينسحبان من الثورة ويلقيان السلاح.