تفاصيل التحقيقات الأوليّة: المسار وملامح المــــنفّذين
بعد ساعات قليلة على جريمة اغتيال الوزير السابق محمد شطح، في وسط بيروت الجمعة الماضي، حصرت الأجهزة الامنية الرسمية، ولا سيما مديرية الاستخبارات في الجيش، المعلومات الاساسية الخاصة بالسيارة المفخخة التي تبيّن أنها سبق أن سُرقت قبل أكثر من عام من منطقة الرميلة، مع سيارة أخرى ضبطت مع السارق.
في مسرح الجريمة
في مسرح الجريمة، تم تجميع عشرات الكاميرات الموجودة في وسط بيروت، وقد أظهرت التحقيقات الآتي:
ــــ ان السيارة المفخخة حضرت الى مكان الجريمة قبل أقل من ساعة من موعد التفجير (نحو 55 دقيقة).
ــــ ان سيارة أخرى من نوع «هوندا سيفيك» حمراء اللون، يطلق عليها بين تجار السيارات القديمة اسم «مكواية»، كانت قد ركنت قبل وقت سابق على الطريق، وحجزت مكاناً للسيارة المفخخة. وهي غادرت منطقة العملية فوراً. ودلت الكاميرات التي تعود في معظمها الى شركة «سوليدير» على ملامح لشخصين، الأول قاد السيارة الحمراء والثاني ركن السيارة المفخخة. وقد استخدم كل من الشخصين شالاً وطاقية وسترة شتوية للتمويه، وهو ما جعل صورتيهما غير واضحتين.
ــــ ان السيارة الحمراء الصغيرة غادرت عبر الطريق البحرية شمالاً، وقد ظهرت آخر مرة في كاميرا في منطقة الدورة متجهة صوب نهر الكلب. أما في ما خصّ السيارة المفخخة، فلم تفد الجهات الامنية بأي معلومات عنها.
وعُلم أن العمل جار بصورة مكثفة، وبالتعاون بين مديرية الاستخبارت في الجيش وفرع المعلومات في قوى الامن، على كل الكاميرات الموجودة في نقاط مطلّة على شوارع فرعية ورئيسية في منطقة وسط بيروت وطريق الكورنيش بالاتجاهين، وكذلك الطرقات المؤدية الى داخل بيروت أو الى الساحل الشمالي، لمراقبة حركة السيارة المفخخة قبل دخولها الى منطقة الوسط، ولتعقّب السيارة التي كانت مركونة مسبقاً وتحجز مكاناً للسيارة المفخخة. كذلك يجري حصر عملية انتقال السيارات والاشخاص في منطقة الجريمة خلال 24 ساعة قبل التفجير وبعده، وكل الطرقات الفرعية المؤدية الى مكان ركن السيارة.
لماذا استهداف شطح؟
تؤكد مصادر أمنية قريبة من فريق 14 آذار وجود معطيات «قوية» تؤكد أن شطح كان محل مراقبة ومتابعة، وأن الثغرة الرئيسية تكمن في كونه رفض التصرف دوماً على أنه محل استهداف (لا تقول المصادر ما إذا كان قد تلقّى تنبيهات)، وأنه لا يسير بموكب بل بسيارة واحدة معروفة، وهو لا يعتمد أي أساليب للتمويه ما عدا «التفييم» الذي لا يفيد في التمويه. كذلك تبيّن أنه سلك الطريق نفسه للوصول الى بيت الوسط بنسبة 90 في المئة من المرات التي توجّه فيها الى هذا المكان. وتدور أسئلة حول حقيقة «المعطيات» عن أنه كان محل متابعة، ولماذا لم يصر الى تنبيهه وإلزامه اعتماد إجراءات خاصة. وعُلم أن التحقيقات والاستماع الى إفادات مقربين من شطح وآخرين من مكاتب تيار المستقبل تركز على جدول أعمال نشاط شطح في ذلك اليوم، بعد تضارب المعلومات بشأن ما إذا كان حضر للمشاركة في اجتماع قوى 14 آذار في «بيت الوسط» أو أنه مرّ من هناك قبل الانتقال للمشاركة في ندوة تلفزيونية.
قصة السيارة المفخخة
قبل مرور أقل من ثمان وأربعين ساعة على الجريمة، أوقف شخصان من المخيم للتحقيق معهما بشأن السيارة الزيتية اللون من نوع «هوندا» التي استخدمت في الاغتيال. وتبين أن السارقين عمدوا الى تعديل لونها لتصبح أكثر ميلاً نحو اللون الذهبي. لكن ما هي حكايتها؟
في تشرين الأول عام 2012، أوقفت دورية تابعة للجيش اللبناني الفلسطيني أحمد الداوود الملقب بـ«أبو الداوود»، بالقرب من مجمع «سبينيس» وسط صيدا، وهو في حالة سكر ويستقل سيارة من نوع هوندا سوداء اللون. وبعد استجوابه، تبين أنه سرق السيارة السوداء وسيارة أخرى من النوع ذاته زيتية اللون من منطقة الرميلة مع كل من الفلسطينيين موسى موسى وزياد إبراهيم صالح الملقب بـ«السريع». وفيما قاد الداوود السيارة السوداء، قاد الآخران السيارة الزيتية وأدخلاها إلى عين الحلوة حيث يقيم الثلاثة. الجيش حوّل الداوود حينها إلى القضاء المختص بجرم السرقة. أما موسى، فقد ساهم العقيد في حركة فتح «طلال الأردني» بتسليمه إلى استخبارات الجيش قبل عشرة أشهر عند حاجز درب السيم، وحوّل بدوره إلى القضاء المختص بجرم السرقة وتجارة المخدرات.
وكانت قوة من فرع المعلومات توجهت ليل الجمعة الماضي إلى سجن صور حيث يحتجز الداوود، واستجوبته حول مصير السيارة الزيتية التي لم يُعرف مصيرها، ونقلته إلى مركزها في بيروت لاستكمال التحقيقات. وفي إفادته، قال الداوود إن موسى و«السريع» باعاها لأحد فلسطينيي المخيم يدعى عبد الرحمن مالك مرشد. فقصدت قوة أخرى سجن رومية حيث يحتجز موسى ومالك مرشد (19 عاماً) نجل عبد الرحمن المجهول الاقامة.
وفي المقابل، تواصلت استخبارات الجيش مع الأمن الوطني الفلسطيني وحركة «فتح»، وتسلمت «السريع» الذي أدخل السيارة إلى المخيم برفقة موسى. أما العقيد «طلال الأردني»، فقد استدعته استخبارات الجيش لسماع إفادته حول السيارة ومن اشتراها من سارقيها، خصوصاً أنه هو من سلم موسى للجيش. وتواصل التحقيق معه منذ يوم السبت، في مقر وزارة الدفاع في اليرزة، مع احتمال الإفراج عنه اليوم.
التحقيقات مع الموقوفين لدى فرع المعلومات لا تقدم رواية واحدة موثقة، وتشوبها تناقضات. كذلك فإن الموقوفين هم أفراد عصابة سرقة ولديهم مشكلات نفسية، وهم من السجناء الذين يشطّبون أنفسهم ويتصرفون بطرق غريبة.
إفادات الموقوفين تتقاطع عند معلومة أن السيارة المفخخة نقلت الى داخل عين الحلوة. لكن الإفادات متضاربة حول مصيرها لاحقاً. وتركز التحقيقات على محاولة معرفة ما إذا كان هناك شار واحد للسيارة، أو جرى بيعها لآخرين، وهل نقلت الى داخل الاراضي السورية من ضمن السيارت المسروقة التي نقلت الى هناك؟
وقالت مصادر فلسطينية إنها تبحث مع الاجهزة اللبنانية في معلومة ترجّح أن يكون عبد الرحمن هو من اشترى السيارة من سارقيها، علماً بأنه من جماعة الإسلامي هيثم الشعبي ويقيم في المخيم. وفيما يؤكد المصدر أن عبد الرحمن غادر للقتال في سوريا في صفوف «جبهة النصرة» منذ مطلع العام الجاري، تقول مصادر أمنية إنها لم تصل الى نتيجة جازمة بشأن الموضوع نفسه، وإن مصادر في تنظيمات إسلامية متشددة أفادتها بالنفي.
الوضع في عين الحلوة
في هذا الوقت، عزز الجيش إجراءاته حول مخيم عين الحلوة، وأوعز إلى عناصره بتفتيش السيارات الداخلة والخارجة والتدقيق في أوراقها وفي هويات ركابها. وظهر أمس، أوقف الجيش بالتعاون مع الأمن الوطني الفلسطيني فلسطينياً كان يحاول إدخال سيارة مسروقة.
الاشتباه في تورط أشخاص من عين الحلوة في اغتيال شطح أثار موجة اعتراض واسعة. فدعا تجمع «شباب عين الحلوة» إلى إضراب عام اليوم. واعتبرت لجنة المتابعة للقوى الوطنية والإسلامية في المخيم حملة الاتهام «جزءاً من استهداف الفلسطينيين»، مؤكدة النأي بالنفس عن الشؤون الداخلية اللبنانية.
لكن مصادر فلسطينية قالت لـ«الأخبار»: «مع الأسف، بات المخيم أحد الامكنة المستخدمة من قبل العناصر التكفيرية، وفيه إمكانيات لوجستية مناسبة للإعداد للعمليات الإرهابية وتفخيخ السيارات. كذلك فإن المخيم صار مقراً لاجتماعات تنسيقية بين قادة الجماعات الأصولية وقياديين من القاعدة يأتون من خارج المخيم».