«Red Bull» توقظ فساد مغارة جعيتا


«Red Bull توقظ المغارة» هو عنوان شريط الفيديو الذي انتجته شركة مشروب الطاقة داخل مغارة جعيتا، ويفترض أن يتوقف عرضه عبر شاشات التلفزيون، إضافة إلى مواقع التواصل الاجتماعي. سبب وقف العرض «الاستجابة» لطلب وزير السياحة فادي عبود، الذي أكد في اتصال مع «الأخبار» ان «التعاون السريع الذي أبدته شركة رد بول هو موقف مقدر على عكس موقف شركة ماباس، التي تستثمر هذا المرفق الوطني».
وكانت شركة رد بول قد نالت إذناً من المدير العام لشركة «ماباس» نبيل حداد، بالسماح لها بتصوير فيديو كليب ترويجي داخل مغارة جعيتا نفذه بطل عروض التزلج المائي على اللوح المعروفة بالـWakeboarding الهولندي دانكن زور Duncan Zuur . وفيما نفت كل من ماباس وردبول ان يكون هناك أي اتفاق على دفع بدل مالي لقاء السماح بالتصوير داخل المغارة، يظهر حداد في شريط الفيديو الترويجي وهو يقول: «نحن في موقع صعب جداً وصفه، الكاميرا هي التي ستعطي الشكل الجميل لهذا التنوع الفريد من نوعه في هذه المغارة».
هل يحق لحداد ان يعطي اذناً بتصوير إعلانات ترويجية داخل مغارة جعيتا؟ يؤكد الوزير عبود ان ما قامت به ماباس هو خرق فاضح للقرارات الوزارية وللعقد الموقع معها. ويلفت إلى أن مرفق جعيتا هو ملك عام تحت وصاية وزارة السياحة وإشرافها ومراقبتها الدائمة، وفقاً لأحكام القرار الصادر عن وزير السياحة برقم 186 تاريخ 18/11/1994 والقرارات اللاحقة به. وينص هذا القرار في المادة الثانية عشرة منه على حق وزارة السياحة بمراقبة حسن سير العمل في المرفق، وعدم إساءة استعماله، وخصوصاً عدم تغيير وجهة استثماره.
ولقد سبق لوزارة السياحة أن راسلت وأنذرت شركة «ماباس» لمخالفتها بنوداً عدة من القرار رقم 186، وآخرها كان عام 2011، حيث أقدمت الشركة على الإعلان والترويج لأنشطة داخل المرفق من دون علم ولا موافقة وزارة السياحة. وأكد عبود ان الإعلان الترويجي لشركة «ردبول» يمثل تحدياً سافراً من قبل شركة ماباس، وخصوصاً ان وزارة السياحة سبق أن وجهت إليها إنذاراً تطلب فيه أن تلتزم القوانين والأنظمة المرعية الإجراء.
ولقد تولت وزارة السياحة توجيه إنذار جديد إلى شركة ماباس، مذكّرة بالقرار 156 تاريخ 21/7/1995 الصادر عن وزير السياحة آنذاك نقولا فتوش، الذي يمنع منعاً باتاً التصوير لأيّ كان داخل المغارة، كما وجهت كتاباً إلى شركة «ردبول Red Bull» طالبة وقف بث الشريط الإعلاني والدعائي لأنه غير حاصل على موافقة المرجع الرسمي المختص في وزارة السياحة، كذلك خاطبت الوزارة النيابة العامة التمييزية لاتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المخالفين لمنع بث وتوزيع ونشر هذا الفيلم.
هل ستكتفي وزارة السياحة بهذا الإنذار؟ ولماذا لا تقدم على فسخ العقد الموقع مع ماباس؟ يؤكد الوزير عبود انه يدرس هذا الخيار على نحو مفصل، لكن التجارب السابقة في اتخاذ قرارات تكفل حسن سير هذا المرفق العام ليست مشجعة. ومن الأمثلة التي يقدمها عبود حول الموضوع، قرار وزارة السياحة عام 2010 بتعيين مراقب إضافي على جميع المرافق السياحية التي يربطها عقود مع الوزارة، مثل قصر المير أمين واستراحتي صور وصيدا ومغارة جعيتا. حينها عينت وزارة السياحة شركة ديلويت اند توش لتدقيق الحسابات للقيام بهذه المهمة، لكن شركة ماباس سارعت الى رفع دعوى أمام مجلس شورى الدولة، وطلب وقف تنفيذ قرار تعيين مدقق مالي. والمفاجأة ان مجلس شورى الدولة الذي تتكدس في جواريره مئات الدعاوى دون بت أي منها، سارع إلى قبول طلب وقف التنفيذ، بذريعة ان تدقيق حسابات الشركة المستثمرة لمغارة جعيتا من صلاحيات وزارة المال لا وزارة السياحة !
وأكد عبود انه حريص على استمرار عمل هذا المرفق العام، لكن محاسبة الشركة لا بد منها، وفوإذا لم يُفسخ العقد فان الوزارة سوف تحرر مخالفة سياحية بحق الشركة لإخلالها بتطبيق الأنظمة المرعية الإجراء. اللافت أن شركة ماباس ردت على إنذار وزارة السياحة بكتاب مفصل بررت فيه السماح بتصوير الإعلان، لان عروض التزلج المائي لا تمثل خطراً على المغارة!
رئيس بلدية جعيتا سمير بارود أكد في اتصال مع «الأخبار» ان البلدية تأمل في ان يتحرك القضاء امام هذه الفضيحة الجديدة التي ارتكبتها شركة «ماباس» ورئيس مجلس ادارتها نبيل حداد، مستعمر مغارة جعيتا». واسف بارود لفشل مجلس الوزراء ثلاث مرات في فسخ التمديد غير القانوني لعقد إدارة مغارة جعيتا، ما يضع علامات استفهام كبيرة حول الموضوع. واكد بارود أن البلدية لا تزال تنتظر قرار مجلس شورى الدولة بفسخ هذه العقود، برغم مرور ست سنوات على تقديم مراجعة بهذا الشأن من قبل البلدية. وهذا إن دل على شيء فانه يدل على الفساد السياسي الذي يحمي إدارة هذا المرفق الوطني بأساليب ملتوية، يتقنها السيد حداد ببراعة، متكئا على نافذين اعتادوا فبركة المخارج القانونية، لمخالفاته الفاضحة».
وكان مجلس الوزراء قد ناقش عامي 2010 و 2012 قرار منح شركة «ماباس» امتياز استثمار مغارة جعيتا، وعين لها عدة لجان وزارية، آخرها ضمت رئيس المجلس نجيب ميقاتي، ونائبه سمير مقبل، ووزراء السياحة والعدل والطاقة والبيئة والأشغال والداخلية والمال، لكن هذه اللجنة لم تجتمع نهائياً، وبقي هذا الموضوع خارج جدول أعمال مجلس الوزراء، بسبب حساسية التركيبة الحكومية التي ضمت الوزير نقولا فتوش، الذي يمثل الغطاء السياسي الأبرز لشركة «ماباس» داخل مجلس الوزراء وخارجه.
وبرغم أن فتوش ينفي أي صلة تربطه بشركة «ماباس»، فلقد عبّر في أكثر من مناسبة أن دفاعه عن الشركة ليس أكثر من نخوة زحلاوية لحماية المدير العام للشركة نبيل حداد، في وجه الهجمة التي يتعرض لها «من قبل الكسروانية»!
وعهد الى شركة «ماباس» إدارة مغارة جعيتا عندما تولى الوزير نقولا فتوش حقيبة وزارة السياحة عام 1993، فاصدر قراراً أعطى بموجبه الشركة حق استثمار مرفق جعيتا السياحي لمدة 18 سنة، تبدأ بعد سنة ونصف من تاريخ إبلاغ الشركة القرار، إلا أن الوزير نفسه عاد وأصدر قرار عام 1995 قضى بتمديد مدة الاستثمار لتصبح 21 سنة بدلاً من 18 سنة، ثم مدد لها 4 سنوات إضافية عام 1997، كذلك أصدر وزير السياحة السابق جوزف سركيس القرار رقم 181 بتاريخ 20/11/2007، الذي قضى بتمديد مدة الاستثمار 4 سنوات إضافية، وبذلك ارتفعت مدة الاستثمار من 18 سنة إلى 29 سنة تنتهي في عام 2022.
وتمثل رزمة التمديدات المتتالية لشركة «ماباس» جملة مخالفات دستورية وقانونية، إضافة إلى مخالفة الشركة لواجباتها في عقد الاستثمار وشروطه المالية، وشكاوى بلدية جعيتا من تجاوزات هذه الشركة وتعدّيها على حقوق الغير، ولقد أضيف الى سجل ماباس مخالفة جديدة بالسماح لشركة تجارية بالترويج لمنتجها دون سواها من الشركات، مخالفة قرار منع التصوير داخل المغارة، ومعرضة هذا المعلم الطبيعي الفريد لخطر التعرض لأضرار، وخصوصاً المتدليات Stalactite والصواعد Stalagmite الشديدة الحساسية.



يمكنكم متابعة بسام القنطار عبر تويتر | @balkantar

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي