عندما يصبح الاختلاف في لبنان خبزنا اليومي، عندما يصبح الاختلاف حتى على جنس الملائكة أمراً طبيعياً في بلد 10452 كلم مربعاً، ساعتها يصبح الحوار خشبة الخلاص... وإن رأى البعض فيه مقبرة للملفات الخلافية
منار صباغ
الزمان: الأول من حزيران عام ألفين وتسعة
المكان: قاعة الاستقلال في قصر بعبدا
المناسبة: سابعة الجلسات الحوارية الرئاسية وآخرها قبل استحقاق الانتخابات النيابية
كانت الجلسة توشك على الانتهاء، وكان أهل الحوار مشغولين وقتها بالاستحقاق النيابي الذي كان يفترض أن يعيد صياغة التوازنات في البلاد، عندما فاجأ الرئيس نبيه بري الحاضرين بقوله: «الانتخابات ستمر على خير، وأنا أقول لكم إننا سنؤلف حكومة وحدة وطنية كما هي الحال الآن، وسنعاود اللقاء على طاولة الحوار، لكني سأطالب بإضافة بند الأمن الاقتصادي والاجتماعي إلى جدول الأعمال في المرة المقبلة».
وبعد مرور ما يقارب مئتين وثمانين يوماً على هذه المقولة، يعود المتحاورون للاجتماع مجدداً، في المكان نفسه وبالرعاية الرئاسية نفسها، لاستكمال النقاش في الموضوع نفسه، أي الاستراتيجية الوطنية للدفاع عن لبنان.
أكثر من تسعة أشهر، تغير معها شكل الطاولة، فازداد عديدها إلى عشرين، من ضمنهم رئيس الجمهورية، وهي زيادة لم يحكمها معيار محدد، وهو ما سبب حالاً من البلبلة الداخلية جمعت بعض الموالاة والمعارضة على موقف واحد، وكانت نتيجتها حضور وجوه جديدة وغياب وجوه أخرى.
تسعة مشاركين جدد سيلتحقون بالطاولة هم: الرئيس نجيب ميقاتي، نائب رئيس مجلس النواب النائب فريد مكاري، الوزراء: محمد الصفدي، جان أوغاسبيان والياس المر (الرئاسة الأولى تبرر مشاركة الأخير بكونه وزيراً للدفاع)، النواب: سليمان فرنجية، طلال أرسلان، أسعد حردان (تؤكد المصادر أن رئيس الحكومة سعد الحريري حاول جهده مع قيادات المعارضة لإبعاده عن الطاولة واستبداله بشخصية أخرى، لكن من دون جدوى)، والأستاذ الجامعي فايز الحاج شاهين (ممثلاً لكثالكة زحلة وللمجتمع المدني، ودائماً بحسب الرواية الرسمية للرئاسة الأولى). فيما غادر الطاولة كل من النائبين ميشال المر وبطرس حرب، والنائبين السابقين إيلي سكاف وغسان تويني.
بالشكل أيضاً، قبيل ساعات على انطلاق الجلسة الثامنة للحوار، بقيت «القوات اللبنانية» متمسكة بإشراك الجامعة العربية في الحوار، لخلق ما تصفه بالتوازن على الطاولة، بما أن إيران وسوريا ممثلتان عليها عبر بعض المشاركين. لكن مطلب «القوات» اصطدم بعدة معوّقات، من عدم رغبة الجامعة العربية بالمشاركة «في ظل الأجواء الهادئة التي يعيشها لبنان حالياً ببركة المصالحة السورية السعودية»، وهذا ما سمعه الرئيس سليمان شخصياً من الأمين العام لجامعة الدول العربية عمر موسى عندما زار لبنان أخيراً لبحث قضية القمة العربية المقبلة في ليبيا. وفي المحصلة لا مشاركة عربية دون الجزم بعدم إمكان حضورها لاحقاً. لكن رئيس الجمهورية يرى أنه لا جدوى حالياً من مشاركة العرب في مناقشة مواضيع هي صرف داخلية. ومن المفترض أن يتطرق الرئيس إلى هذه المسألة في كلمته المكتوبة، التي ستبث مباشرة على الهواء عند الساعة الحادية عشرة من صباح اليوم، وقد استقر الرأي على نقل الكلمة، بعدما كان الرئيس سليمان يُعد لإلقاء كلمة ارتجالية خلف الأبواب المغلقة. وخطابه سيتضمن ملخصاً للتجربة الحوارية السابقة، بما أفرزت من إيجابيات، كان أبرزها ميثاق التهدئة الإعلامية وإجراء الانتخابات النيابية في موعدها من دون أية مشاكل.
الرئيس سليمان سيتحدث أيضاً عن الإيجابيات المرتقبة من طاولة الحوار بنسختها الجديدة. كذلك فإنه سيتطرق إلى المعايير التي اعتمدها في اختيار المشاركين بهيئة الحوار، وسيلفت إلى طبيعة هذه الهيئة التي تعتمد التوافق سبيلاً لأي قرار يصدر عنها، إذ لا تصويت ولا أقلية أو أكثرية عليها، وبالتالي طرح توسعة جدول أعمالها منوط بقرار المشاركين كلهم، لا به منفرداً، علماً بأن مصادر رئيس الجمهورية تؤكد اقتناعه بطرح الرئيس بري بشأن الأمن الاقتصادي والاجتماعي، وتؤكد أنه كان يسعى إلى طرح هذا الأمر سابقاً، لكنه تريث حتى لا تفسر خطوته بأنها محاولة لمصادرة دور مجلس الوزراء، وسيتطرق كذلك إلى التهديدات الإسرائيلية المتواصلة والخروق القائمة، وضرورة تحصين الجبهة الداخلية.

جدول أعمال مفتوح

وفي ظل ترجيح حصول نقاش في ضرورة وضع جدول أعمال يشمل عناوين عدة، يتعامل مسيحيو 14 آذار على أن طاولة الحوار مخصصة لبحث مستقبل سلاح حزب الله فقط، وهذا ما يرفضه فريق كبير يرى أن هناك فرقاً كبيراً بين هذا الطرح والمدرج رسمياً، أي البحث في الاستراتيجية الوطنية الأمثل للدفاع عن لبنان. أما الرئيس بري، فهو سيطالب بإدراج الأمن الاقتصادي والاجتماعي والثقافي، وإن كان مستبعداً ذلك في جلسة اليوم، باعتبار أن الجميع يعتقدون أن الافتتاح سيكون عملية جس نبض لمختلف الأفرقاء.
وكما في المرات السابقة، ستبث وقائع وصول المشاركين مباشرة، حيث يسود الترقب لما ستكون عليه الحال بين رئيس تيار المردة سليمان فرنجية ورئيس القوات اللبنانية سمير جعجع، ولا سيما أن الأخير بادر في أول جلسة حوارية رئاسية عام ألفين وثمانية إلى إحراج العماد ميشال عون ومصافحته، وإن كان رد الأخير فاتراً وقتها، حيث تشير التوقعات إلى أنه سيكرر فعلته مع فرنجية، الذي سيجهد محاولاً الهرب من هذه المصافحة. وقد نفت مصادر الرئاسة الأولى أن تكون قد عمدت إلى إجراء أي ترتيب يهدف إلى تحقيق التواصل بين فرنجية وجعجع على هامش الجلسة.