القومي يخرج على «إجماع» 8 آذار: لا للأرثوذكسي


في الظاهر، قوى 14 آذار منقسمة حول القانون الأرثوذكسي. ليس الأمر خافياً على أحد بعدما عبّر أكثر من نائب في تيار المستقبل عن معارضة فريقه لمشروع مماثل. وفي الظاهر أيضاً أن قوى 8 آذار موحّدة حول هذا القانون وتؤيده بجميع أطرافها. إلا أنه فعلياً، هناك في هذا الفريق من لا يستسيغ هذا الطرح أبداً ولا تفاصيله تتناسب مع قناعاته ومبادئه الأساسية المنادية بالعلمانية ومحاربة الطائفية. وتلك مسائل كافية مبدئياً لتحفظ ورفض الحزب السوري القومي الاجتماعي للقانون الأرثوذكسي وكل ما يطرحه من اقتراع على الأساس الطائفي. وأصلاً لم يترك الحزب مناسبة إلا أعلن فيها موقفه الداعم «للبنان دائرة واحدة على قاعدة النسبية». فوفقاً لأحد القوميين، «على المجلس النيابي أن يمثل كل لبنان، وما انتخاب كل طائفة لنوابها إلا ترسيخ لانقسام المجتمع الى وحدات طائفية صغيرة تتعارض مع مبادئنا الخاصة». وفضلاً عن وجوب تمثيل النائب المنتخب لكل المواطنين، «حضور نائب الطائفة الى المجلس النيابي ومبادرته الى الدفاع عن طائفته سيؤدي حتماً الى زيادة التشرذم في المجتمع ونشوب صراعات لا تحمد عقباها».
ربما عدم تمثل الحزب القومي بعضو في اللجنة التي تناقش قانون الانتخابات، لم يبرز موقف الحزب بالشكل المناسب. وغياب أي حملة إعلامية ضد القانون الأرثوذكسي ساهم في تكوين انطباع رضى من جميع أقطاب 8 آذار. إلا أنه لا حاجة هنا لطرح علامات الاستفهام حول موقف القومي الرسمي من القوانين الانتخابية، إذ سبق له أن صوّت ضد قانون مروان شربل المطروح (تقسيم لبنان الى 13 دائرة)، «لأن تقسيم الدوائر تم على أساس طائفي، رغم التزامه النسبية» يقول أحد المسؤولين في الحزب القومي. أما المسألة الأهم في هذا الشأن «فرفض الحزب تسجيل نقطة سوداء في تاريخه بتأييده أي قانون يكرّس فدرالية الطوائف».
هذا في المبدأ... إلا أن المبدأ شيء والسياسة شيء آخر. لذلك «من المرجح مراعاة القومي لتوجهات حلفائه إذا ما خُيِّر بين قانون قديم يعيد سلطة المستقبل الى البلد، وقانون آخر يرى فيه الحلفاء إمكانية لإنتاج أكثرية جديدة لصالحه». ولا بدّ أن «يكون قرارنا النهائي متفهماً لوضع حلفائنا الحرج بعض الشيء». توقعات ينفيها بشدة أحد ممثلي الحزب في المجلس النيابي، النائب مروان فارس. يقول الأخير بوضوح: «لا للقانون الأرثوذكسي، ونعم لانتخابات خارج القيد الطائفي». ليس فارس وحده من سيمتنع عن التصويت لصالح هذا المشروع «التفتيتي»، بل «الكتلة (أي النائبان فارس وأسعد حردان) ستصوت ضد القانون وموقف الحزب واضح من هذا الطرح». وعلى ذمة النائب البعلبكي، تم إبلاغ الحلفاء بوجهة النظر القومية «وتمنينا أن يؤخذ موقفنا بعين الاعتبار». فالقانون بمثابة «إشعال حرب طائفية ومن المؤسف تسميته بالأرثوذكسي». هذا من جهة. أما الأمر الآخر فهو اقتناع فارس بأن «المشروع لا يحظى بموافقة الغالبية، ومن غير المقبول تخريب البلد ومخالفة الدستور وميثاق الطائف تحت عنوان مصلحة المسيحيين أو لمصلحة فردية لا تتعدّى مصلحة الطائفة الواحدة». ورغم تفاؤل الأخير بعدم إقرار القانون بسبب المعارضة الكبيرة التي تحوم حوله، فإن «طرح مشروع مماثل على التصويت سيغيّر حكماً في التحالفات الحالية».
يمثل الحزب السوري القومي الاجتماعي اليوم بنائبين مسيحيين بحسب التوزيع الطائفي للمجلس النيابي، أحدهما رئيس الحزب النائب أسعد حردان الذي يشغل مقعد مرجعيون الأرثوذكسي، والآخر مروان فارس الذي يشغل مقعد بعلبك الكاثوليكي. والاثنان متهمان بأنهما فازا بمقعديهما بفضل «الصوت الشيعي». وفي مراجعة نتائج المرشحين لدى الطوائف في قضاء بعلبك ـــ الهرمل، يظهر أن الحماسة الكاثوليكية في الانتخابات النيابية الأخيرة لم تتعدّ اقتراعهم بنسبة 30%. إذ بلغ عدد المقترعين 3214 من أصل 10634 ناخباً. وقد نال فارس 1547 صوتاً كاثوليكياً، أي ما يعادل 48.7% من أصوات المقترعين، فيما حاز النائبان الشيعيان نوار الساحلي وحسين الحاج حسن ما يقارب الألفي صوت كاثوليكي (65%). واللافت هنا، أن تفوق النائبين الأخيرين على زميلهما بالصوت الكاثوليكي، قابله تفوق فارس عليهما في الأصوات الشيعية المقترعة لصالحه. ففي حين نال هؤلاء نحو 89 ألفاً من أصوات طائفتهما، حصد النائب القومي نحو 90 ألفاً.
ومن بعلبك الى دائرة مرجعيون ـــ حاصبيا. صبّت الأكثرية الأرثوذكسية المقترعة التي بلغت نسبتها 19% فقط (850 مقترعاً من أصل 4436) في صندوق النائب أنور الخليل (487 صوتاً)، أي بنسبة 57%. فيما نال نائب الحزب القومي عن المقعد الأرثوذكسي أسعد حردان 51% من أصوات طائفته. وكرر المقترعون الشيعة الأمر نفسه في هذا القضاء، إذ تمكن حردان من الفوز بإجماع شيعي بلغت نسبته 92%، متفوقاً بذلك على نائب كتلة التنمية والتحرير علي حسن خليل الحائز 90% من تلك الأصوات.
ورغم الخطأ العلمي في تطبيق نتائج انتخابات 2009 النيابية المنجزة وفقاً لقانون انتخابي أكثري على المرشحين المفترضين مستقبلاً بحسب القانون الأرثوذكسي النسبي، لاحتمال تغير سلوك الناخبين وزيادة نسبة اقتراع «الأقليات» في الدوائر التي يرون أنهم لا يؤثرون فيها؛ إلا أنه لو تحققت النسب ذاتها في انتخابات قائمة على القانون الأرثوذكسي، فستكون النتائج كالآتي: اقتراع 48.7% من الكاثوليك لصالح فارس، مقابل 40% لصالح منافسه المرشح خليل روفايل، وتقدم حردان على خصمه الأرثوذكسي الياس أبو رزق بـ 13 نقطة يرجّح فوز فارس وحردان مجدداً باللقب النيابي في أقضيتهما... وبأصوات طائفتيهما فقط.
لا يهتم القوميون كثيراً لتلك النتائج ولا الحسابات الطائفية محبّبة في قاموسهم العلماني. فمبادئ الحزب القومي، وبينها إزالة الحواجز بين مختلف الطوائف والمذاهب، لا تكترث هنا كثيراً بالربح أو الخسارة. الالتزام بعقيدة أنطون سعادة هو ما يعني القوميّين مهما كان توجه الحلفاء. يقابل التحفظ القومي إصرار عوني على السير بالمشروع الأرثوذكسي حتى النهاية. ووفقاً لعضو اللجنة النيابية المصغرة المكلفة مناقشة قانون الانتخاب، نائب تكتل التغيير والإصلاح آلان عون، «الأكثرية في قوى 8 آذار مقتنعة بالقانون الأرثوذكسي الذي يعزز تمثيل مختلف الأحزاب وفقاً للقاعدة النسبية». ورغم تمنياته «بالحصول على الموافقة القومية»، إلا أن عون واثق من أن «الإجماع التام أمر صعب، لكنه دليل عافية وتنوع». أما تكريس الطائفية في المجتمع «فيرى فيه عون تجسيداً للواقع الاجتماعي الحالي، بانتظار التوافق مستقبلاً على قانون معاصر يحقق العلمانية». وبنظره الأرثوذكسي ضرورة اليوم: «هذا لبنان لا جمهورية أفلاطون».

الأكثر قراءة

محتوى موقع «الأخبار» متوفر تحت رخصة المشاع الإبداعي 4.0©2025

.يتوجب نسب المقال إلى «الأخبار» - يحظر استخدام العمل لأغراض تجارية - يُحظر أي تعديل في النص، ما لم يرد تصريح غير ذلك

صفحات التواصل الاجتماعي