تراجَعَ سجال الاشتباك الدائر بين الرئيسين ميشال عون ونبيه برّي حيال مرسوم الاقدمية لضباط دورة 1994، دونما ان يُحل بالتأكيد، كي يتقدّم عليه اشتباك آخر بين برّي ورئيس التيار الوطني الحر الوزير جبران باسيل بازاء تعديل قانون الانتخاب. يعزو رئيس مجلس النواب تتابع الاشكالات بلا اسباب مبرّرة، الى ان «ثمن مَن يريد التحرّش». عبارة قالها قبل ايام، ويعيد تكرارها، كما ان المقصود مراكمة الخلافات كي تصطدم بجدار الانتخابات النيابية. يقول ايضاً انه يفصل بين هذين الاشتباكين، وبينهما وبين استحقاق 6 ايار، كي يجزم بأن الانتخابات حاصلة في موعدها، اياً يكن الغبار والدخان الذي يتصاعد قبل الوصول اليه.
واذ يبدو الاشتباك الثاني اقرب الى الانطواء من دون ان تكبر كرته، ويحلو لوزير بارز معارض له وصفه بفقاعة اعلامية ليس الا، لا يزال الاول يراوح مكانه دونما توقّع التوصّل الى تذليله.
في اشتباك مرسوم دورة 1994، السجال مباشر بين رئيسي الجمهورية والبرلمان، وبات يرتبط بالصلاحيات الدستورية للمؤسسات الثلاث، رئاسة الجمهورية ومجلسي النواب والوزراء، ما تسبّب في تشعّب خلاف بدأ ادارياً، ثم كبر كي يمسي سياسياً، واضحى الآن اكثر تعقيداً بمراوحته في المسألة الدستورية المستعصية الحل.

مجلس النواب أمّ المحاكم، ولا أحد
ينتزع صلاحياته



المفارقة في الامر التزام رئيس الحكومة سعد الحريري الصمت الكامل بازاء اشتباك الرئيسين. لا يتوسّط بينهما، ولا يتحدّث في الخلاف حتى، كأنه في كوكب آخر. لا يزال يضع في ادراجه منذ اكثر من اسبوع ــ دونما عرضه على عون ــ اقتراحاً لبرّي لحل المشكلة. يتصرّف على انه غير معني، مع انه وقّع ــ خلافاً لما تعهّد به لرئيس المجلس ــ مرسوماً هو صاحب التوقيع الدستوري الثاني فيه بعد رئيس الجمهورية. بالتأكيد ليس للحريري ــ ولا حتماً هو قادر ــ ان يجزم بين عون وبرّي بصحة موقف احدهما وصوابه الدستوري، بيد ان المشكلة باتت الآن في قلب المؤسسة الدستورية التي يرئس. قد يكون التقط مغزى عدم تحديد برّي موعداً لاستقباله بعد مكالمتهما الاخيرة قبل اكثر من اسبوعين، الا انه يدرك كذلك ان نزاعاً حاداً ما بين رئيسي الجمهورية والمجلس يحتاج، منذ الآن وصاعداً، الى دور في حجم ما كان عليه والده الرئيس رفيق الحريري وصديقاه نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام واللواء غازي كنعان.
ما يقوله برّي في استمرار الاشتباك: «انا انتظر واتفرّج. اذا قيل ما لا استطيع هضمه، فليتوقعوا ردّي فوراً. لسنا نحن مَن نضع اليد على صلاحيات الآخرين، بل هم الذين يفعلون».
يضيف: «مجلس النواب هو أم المحاكم والمحكمة العليا. هو الذي يحاكم الرؤساء والوزراء ويحاسب الجميع، مع انه لم يقدم مرة على ذلك لاسباب طائفية ليست خافية. بيد ان ذلك لا يجعله سهل النيل من صلاحياته. عندما تكون ثمة مشكلة في قانون تُحل في مجلس النواب، وليس خارجه. الخطأ المادي في قانون ما لا يصوَّب الا بقانون. مجلس النواب هو الذي يبت الخلاف على نصّ هو الذي وضعه».
اما الاشتباك الثاني حيال مشروع القانون الذي اعدّه وزير الخارجية لتعديل مهلة اقتراع المغتربين ــ وقد احيل على اللجنة الوزارية لقانون الانتخاب في جلسة الاثنين ــ فيبدو في نظر بري اقرب ما يكون الى استنفاده مفاعيله. لا يقاربه من باب الاقتراح في ذاته، رغم رفضه طرحه في هذا الوقت المتأخر بالذات، بل كإحدى المحاولات الرامية الى تهديد اجراء الانتخابات النيابية في موعدها.
ما يبدو واضحاً وقاطعاً عنده، ان لا تعديل لقانون الانتخاب «بل يقتضي بالجميع الذهاب الى الانتخابات فحسب». اكثر من سبب يجعله يكتفي بمراقبة ما يحدث ويزن ما يسمعه من مواقف وردود بإزاء هذا الاستحقاق.
يكرّر برّي معارضته ادخال اي تعديل في قانون الانتخاب: «مشروع القانون المطروح ليس تعديل مهلة اقتراع المغتربين من موعد الى موعد، بل سعي الى فتح الباب على تعديلات اخرى في القانون من اجل نسفه برمته. لديّ ورقة من وزير الداخلية تحمل اقتراحات بتعديل 11 مادة في القانون تترتب على تعديل مهلة اقتراع المغتربين. ما يعنيه ذلك ان ثمة مَن يريد التخلص الآن من قانون الانتخاب. اتى إليَّ نواب يطلبون تعديل الصوت التفضيلي. هناك مَن يطلب إلغاءه، وهناك مَن يريد صوتين تفضيليين بعدما اكتشفوا ان الصوت التفضيلي المنصوص عليه في القانون اصبح الآن عبئاً على الجميع».
يضيف: «هناك مَن يريد ما هو اسوأ. البعض يقترح تعديلاً في القانون يجعل رئيس اللائحة ــ كل رئيس لائحة ــ يحصل على الصوت التفضيلي حتماً من الاصوات التي تحوزها اللائحة من المقترعين في الحاصل الانتخابي. اي اننا نقول ان رئيس اللائحة يصير فوراً نائباً، اقرب الى تزكية، من دون ان يطلب الصوت التفضيلي له. بذلك يصبح رؤساء اللوائح نواباً من باب تحصيل حاصل. طُرِح هذا الاقتراح ابان مناقشة قانون الانتخاب في الماضي، وهناك الآن مَن يريد العودة اليه».
يضيف دونما الافصاح عن الجهات التي يقصدها: «هناك فعلاً مَن يعمل على نسف الانتخابات النيابية في الداخل. لديّ ايضاً معلومات ان ثمة دولتين على الاقل لا تريدان حصول الانتخابات النيابية في لبنان».