مرّت 4 سنوات ولا يزال ميكايل شوماخر بعيداً عنا. مذ حادث التزلج المشؤوم الذي تعرّض له في جبال الألب الفرنسية في مثل هذا اليوم غاب «شومي» عن الأنظار وانقطعت أخباره. الأسطورة الذي كان شاغل الدنيا بصولاته وجولاته في الحلبات أضحى منسياً. انسحب من المشهد، لكن انسحابه كان مؤلماً ولم يتمنه أحد. على قدر ما كان هذا النجم كبيراً، كانت الصدمة لما أصابه كبيرة. في مثل هذا اليوم، بكى كثيرون حال قدوتهم، تجمعوا أمام المستشفى، صلّوا لأجل سلامته... ولا يزالون.
كثر هم محبو هذا الأسطورة، بالملايين. ينتظرون بفارغ الصبر أي جديد عن الحالة الصحية لـ «ساحر الفورمولا 1» الذي أدخل الفرح إلى قلوبهم مرات ومرات، كان كافياً أن يقفز «شومي» قفزته الشهيرة على منصات التتويج بعد السباقات حتى تضجّ الحلبات. شوماخر شكّل «حالة» في عالم الرياضة تخطّت حدود الفورمولا 1. الجميع أحبه واعتبره بطلاً وملهماً. كاريزماتي كان شوماخر إلى أبعد الحدود. حضوره كان طاغياً، كلماته كان لها وقعها المختلف. كان «شومي» أكثر من مجرد رياضي، كان الإنسان الذي لا يكتفي بإدخال الفرح إلى القلوب عبر أدائه وقيادته التي لا مثيل لها في رياضة المحركات، بل من خلال ما اشتهر به من جمع تبرعات لضحايا الكوارث من التسونامي في آسيا عام 2014، إلى الفيضانات في جنوب ألمانيا قبل أشهر من حادثه المشؤوم، فضلاً عن تنظيمه الكثير من مباريات كرة القدم الخيرية إلى جانب أصدقائه النجوم، وفي مقدمهم الأرجنتيني غابريال باتيستوتا والبرازيلي رونالدو.
ترى ماذا يفعل شوماخر الآن في منزله في سويسرا؟ كيف يمضي أيامه التي تمرّ ثقيلة؟ قيل إنه غير قادر على الحركة ولا على الكلام. يا لقسوة الأيام! كيف يمكن تصديق أن بطلاً كان كتلة من النشاط والحياة يصبح طريح الفراش؟
هذه المأساة لم تتوقف عند شوماخر، بل طاولت أسرته التي فضلاً عن حزنها على حاله، فإنها وجدت نفسها أمام سيل من الشائعات حول وضعه الصحي التي تتحدث عنها الصحف ووسائل الإعلام والتي كانت كورينا زوجة ميكايل تضطر في كل مرة إلى نفيها. كانت تكتفي بالنفي من دون التوضيح. وحدها الأخبار الشحيحة جداً والمقتضبة جداً كانت تخرج على ألسنة قلة قليلة من المقربين من شوماخر، وبينهم رئيس الاتحاد الدولي للسيارات حالياً والسابق لفيراري، الفرنسي جان تود، غير أنها لم تكن كافية لطمأنة عشاق السائق الألماني.
لكن رغم هذه المعاناة الكبيرة، فإن أسرة البطل الألماني برهنت عن ثبات وتصميم وقوة على مواصلة مسيرة الأسطورة، وهذا ما تمثّل بولدَيه ميك وجينا اللذين يستلهمان الكثير من ميزات والدهما في عشقهما للرياضة، إذ إنهما يشقان طريقهما بنجاح نحو التألق كل في مجاله. وبالنسبة إلى ميك البالغ من العمر 18 عاماً، فإنه يسير على خطى والده في رياضة المحركات، إذ يقود في سباقات الفورمولا 3 ويتطلع للمشاركة في الفئة الأولى، وقد قاد السيارة السابقة لوالده بينيتون في جائزة بلجيكا الكبرى هذا العام بمناسبة مرور 25 عاماً على الفوز الأول للأسطورة الألماني في بطولة العالم، وقد عبّر في إحدى المرات عن فخره بوالده واعتباره قدوة له قائلاً: «أريد القول إن ميكايل هو ملهمي وبطلي. أنا من أشدّ المعجبين به لأنه ببساطة أفضل سائق في الفورمولا 1 على الإطلاق. لا شك في أنه قدوتي ومثلي الأعلى. أريد أن أصبح بطل العالم مثله». أما شقيقته جينا فتتألق في عالم الفروسية وقد توّجت بطلة لأوروبا في فئتها.
شكل آخر من ثبات العائلة وتصميمها تمثّل بالمبادرة الإنسانية «واصل القتال» التي أطلقتها العام الماضي، وهي مستلهمة من الأسطورة الألماني الذي ينتظر الجميع أن يطلّ عليهم قريباً منتصراً في معركته، وراسماً ضحكته الشهيرة التي اشتاق لها عشاقه.