حثّت رئيسة الوزراء البريطانية، تيريزا ماي، أثناء زيارتها للسعودية أول من أمس، على تخفيف الحصار على اليمن من أجل تجنّب حدوث كارثة، وذلك في وقت تزايدت فيه (خلال الأسابيع الأخيرة) الضغوط السياسية والإعلامية، وخصوصاً في الصحف والمواقع الإلكترونية المعروفة في بريطانيا، على حكومة ماي. وقد حفلت تلك الوسائل بمواقف متعاطفة مع الشعب اليمني، محمّلة مسؤولية الدمار والوضع الإنساني الكارثي على لندن.
أيضاً، زادت الاتهامات بحق حكومة ماي حول سياستها في اليمن المبنية على النفاق بداعي الجشع، وباستغلال مخز للحرب، في إشارة إلى تزويد الرياض بصفقات أسلحة متطورة ومنها «قذائف محرمة دولياً» ثبت أنها صناعة بريطانية، وكذلك بتوفير الغطاء السياسي للنظام السعودي في المحافل الدولية والمؤسسات الإنسانية والحقوقية، بالتعاون مع الإدارة الأميركية.
المطلع على الصحف البريطانية يعتقد للوهلة الأولى أنها صحف صادرة في صنعاء. وذلك لشدة الانتقادات اللاذعة بحق الحكومة، إذ أسهبت تلك الصحف في تسليط الضوء على تواطؤ بلادهم في الحرب على الشعب اليمني. فالكارثة الإنسانية في اليمن تفرض نفسها على افتتاحيات الصحف البريطانية وتعليقات أبرز كتابها، لكنها لم تصل بعد، ويمكن أنها لم تهدف بالأصل، إلى بلورة رأي عام بريطاني معارض ومحتج على تواطؤ بلادهم مع السعودية في الحرب. كما أن تأثير التغطية الإعلامية المعارض للتواطؤ البريطاني ــ على أهميته ــ لا يشكل حتى الآن عنصراً يجبر حكومتهم على التحول الكليّ أو حتى الوقوف على الحياد باعتماد سياسة متوازنة في مقاربة الحرب على اليمن.
وتحاول رئيسة الوزراء البريطانية التحلل من تأثير الضغوط الناتجة من هول الكارثة الإنسانية في اليمن برسم سياسة فصل المسارات السياسية والعسكرية والإنسانية. ففي المسارين العسكري والسياسي، تؤيد لندن النظام السعودي بالمطلق من دون أي قيود، وتضع كل إمكاناتها في مصلحة النظام. ويتمثل المستوى العسكري في الخبراء والفنيين البريطانيين، وكذلك صفقات السلاح والذخيرة التي زادت بنسبة 500% منذ بداية الحرب على اليمن، بل إن حجم تجارة السلاح وصل إلى 4,6 مليارات دولار في العامين الأولين، بعد شراء الرياض قنابل بريطانية محرمة دولياً تم العثور عليها في أماكن القصف بما ينتهك القانون الدولي، وفق صحيفة «اندبندنت».
أما في المسار السياسي، فلندن وواشنطن تقدمان الدعم الكامل للسعودية في المفاوضات، وكذلك بالضغط على صنعاء، وأيضاً بتأمين الغطاء للمملكة في مجلس الأمن ومنع إدانتها لجرائمها أمام المنظمات الحقوقية والإنسانية. المتحدث باسم الحكومة البريطانية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، إدوين سامويل، كان واضحاً يوم الخميس الماضي، إذ قال إن بريطانيا تدعم استعمال التحالف بقيادة السعودية قوة عسكرية نسبية من أجل استعادة الشرعية في اليمن. وأضاف سامويل في تغريدات له عبر «توتير»: «تعلم بريطانيا جيداً أن الدبلوماسية تشكّل حلاً فعالاً بوجود قوة عسكرية تدعمها. ما نحتاج إليه الآن هو التحرك في اليمن على ثلاثة محاور: عسكرياً ودبلوماسياً وتنموياً».
وبشأن المسار الإنساني الكارثي، فقد فرض نفسه على الجانب البريطاني، إذ أضحت الصور والمشاهد المفزعة والمؤلمة التي تتناقلها وسائل الإعلام، بالاضافة إلى الحصار وإغلاق المنافذ واستراتيجية مثلث «التجويع ــ الإفقار ــ انتشار الأمراض والأوبئة» كعقاب جماعي تشكل كلها عبئاً على الأنظمة المشاركة في العدوان وتلك التي تدعمها، وبالتحديد لندن وواشنطن. وينكب النشاط البريطاني الأخير، سواء زيارة ماي للرياض (الزيارة الثالثة لها هناك منذ توليها السلطة) أو باجتماع الرباعية الدولية لليمن، التي تضم «واشنطن، لندن، أبو ظبي والرياض»، بالإضافة إلى مسقط، مع حضور مبعوث الأمم المتحدة لليمن (في لندن اليوم الثامن العشر من الشهر الجاري)، على البحث عن سبل لمعالجة آثار الوضع الإنساني، بعيداً عن المسارين السياسي والعسكري.

المصالح تبقى على الدوام تتحكم ببوصلة الاتجاه لدى لندن

رغم ذلك، لم يصل التحرك البريطاني إلى رفع الحصار عن اليمن، وكل سعيه التحلل من الضغوط الإعلامية والظهور بمظهر الحرص على حقوق الإنسان اليمني. لكن حتى إن السعي المذكور مشكوك في غاياته وأيضاً آلياته، إذ تهدف إلى حجز مكان في الأوساط الشعبية اليمنية، وهذا ما عبّر عنه إدوين سامويل في تغريدته المذكورة: «نحن نعمل مع برنامج الأغذية العالمي والسعوديين والإماراتيين وغيرهم لكسب معركة القلوب».
فحرب «التحالف العربي» على اليمن المدعوم أميركياً لن تكون استثناء في تبعية لندن لواشنطن، المبنية في الشرق الأوسط على قوائم وركائز أساسية، ومملكة آل سعود هي واحدة من أبرز تلك القوائم، بالإضافة إلى إسرائيل ودول أخرى، كما جاء في افتتاحية «الأوبزرفر»: الغرب ينظر تاريخياً إلى آل سعود المتصلب على أنه قوة ضرورية ولو كانت غير جذابة.
منذ بداية الحرب، كان التعاطي الغربي وبالخصوص الأميركي ــ البريطاني يدور حول أن تحقيق السعودية الانتصار على اليمن سيسجّل في إنجازات الأميركيين والبريطانيين في المنطقة. وقد راهنت الدولتان كثيراً على إضافة رصيد حيوي ومهم جداً لهما، وهو في حال حدوثه، كان سيمكن واشنطن ولندن من تفردهما في السيطرة على أهم المنافذ والجزر والموانئ في البحر الأحمر وبحر العرب المؤدية إلى البحار العميقة. وفي الوقت الراهن، تعمل كل من واشنطن ولندن على التخفيف من وقع الخسارة السعودية وتحاول إخراجها من المستنقع التي أوقعت نفسها به.
المصالح البريطانية سواء الاقتصادية أو العسكرية أو حتى الحنين إلى الماضي الاستعماري تبقى على الدوام تتحكم ببوصلة الاتجاه لدى لندن، وهي غير قادرة على الإقلاع عن دائرة تلك المصالح حتى لو اتهمتها صحفها بالتواطؤ في الحرب السعودية على اليمن، كما جاء في اتهام «ديلي ميل»، وفيه أن لندن تتواطأ في الحرب السعودية على اليمن، كما قالت إن الجيش البريطاني يدرب نظيره السعودي سراً. كما ذكرت الصحيفة أن خمسين خبيراً بريطانياً يدربون الجنود السعوديين على المهارات الحربية، وذلك «لنشرهم للقتال في هذه الحرب القذرة».