عادت مدينة البوكمال الحدودية إلى سيطرة الجيش وحلفائه بشكل كامل. الإعلان الثاني للتوالي خلال عشرة أيام، عن تحرير المدينة، جاء ليثبّت طرد التنظيم من آخر المدن التي يسيطر عليها في سوريا، بعدما خسر بلدة راوه، آخر معاقله في العراق. المدينة المهمة وعقدة الربط بين بغداد ودمشق، كانت من أولى المناطق التي خرجت عن سيطرة الدولة السورية في عام 2012. كذلك حلّ فيها تنظيم «داعش» منذ بداياته.
النصر في المدينة يحمل رمزية كبيرة، لكونها شكلت أيضاً معبراً لقيادات بارزة في صفوف «القاعدة» نحو الميدان السوري، ليتفرقوا على خريطة الفصائل «الجهادية» التي أذكت نار الحرب. ويأتي حضور حلفاء دمشق ــ من إيران والعراق ــ الكبير في المعركة، ليعزز من بعدها الاستراتيجي، خاصة أن جهوداً كبيرة بذلتها واشنطن وغيرها لمنع هذه اللحظة من التحقق. وهي جهود لم تتوقف حتى الآن.
التسليم الأميركي بسيطرة دمشق وحلفائها على البوكمال، حضر سابقاً بشكل غير مباشر على لسان عدد من مسؤولي «التحالف الدولي» (آخرها لقائد عملياته، الجنرال جيمس ب. جرارد)، ولكنه أُرفق بتأكيد أن السيطرة من الجانب العراقي لن تسمح بأن تكون المدينة «معبراً لإيران» نحو سوريا. الخطط الأميركية لخنق الإنجاز الميداني تحضر عبر النفوذ الأميركي المتنامي في العراق، كما في وجود قوات خاصة مجهّزة عسكرياً في محيط «الممر»، جنوباً في منطقة التنف «الآمنة»، وشمالاً على ضفة الفرات المقابلة للبوكمال، التي يبدو أنها ــ حتى اليوم ــ منطقة نفوذ لأميركا وحلفائها «قوات سوريا الديموقراطية». وبينما تحتفظ واشنطن بمنظومة صواريخ (HIMARS) ــ التي يصل مداها إلى 300 كيلومتر ــ في التنف، تبعد الضفة الشمالية 3 كيلومترات عن المعبر الحدودي الرسمي. ومع إعلان واشنطن غالبية الفصائل الحليفة العاملة مع الجيش في تلك المنطقة أنها إرهابية، تكون قد خلقت لنفسها المبرر لأيّ استهداف عسكري لاحق لتلك الفصائل. ورغم تلك الإمكانيات، فإن تجارب واشنطن السابقة في البادية والحدود لم تكن موفّقة لها، إذ فرضت دمشق وحلفاؤها إرادتهم في عزلها على حدود التنف ومنعها من التقدم نحو البوكمال. كذلك فشل «التحالف» في تشكيل ذراع «عربية محلية» من أبناء دير الزور، من شأنها أن تسبق تحرك الجيش والحلفاء نحو مدن المحافظة وبلداتها. واليوم يعمل مع «قسد» على مكوّن جديد من أبناء عشيرة الشعيطات، المنشقين عن «داعش» وعن «درع الفرات»، بعدما وصلت معاركه إلى حدود قراهم شمال نهر الفرات.

جدّدت أنقرة
اعتراضها على دعوة «الاتحاد الديموقراطي» إلى أيّ محادثات


وانعكست أهمية البوكمال على طبيعة المعارك التي شهدها الأسبوع الماضي، وخاصة أمس، إذ خاضت وحدات الجيش والفصائل الحليفة اشتباكات عنيفة ضمن أحياء المدينة، على المحورين الجنوبي والشرقي، بالتوازي مع قصف مدفعي وصاروخي عنيف استهدف مواقع التنظيم داخلها. وبينما نشر الإعلام الحربي مشاهد من معارك المدينة، لم تدخل وسائل الإعلام إليها، مع بقاء عدد من الأحياء الشمالية من دون تمشيط دقيق، خاصة بوجود عدد كبير من المنازل المغلقة ضمنها. ونقلت مصادر أنباءً عن انتقال عدد كبير من عناصر التنظيم إلى الضفة الشمالية المقابلة، في وقت وسّع فيه الجيش سيطرته في محيط المدينة، والتي باتت تشمل قرى الهري والسويعية من الجهة الجنوبية الشرقية، والحمدان والسكرية من الجهة الشمالية.
وعلى المحور المقابل الذي تعمل فيه القوات انطلاقاً من جنوب شرق مدينة الميادين، عزلت قوات الجيش جيباً جديداً للتنظيم، بعد سيطرتها على قرية الصالحية، على نهر الفرات. وكانت تلك القوات قد تقدمت في البادية المحاذية لبلدات وادي النهر، ووصلت إلى محيط القرية قبل دخولها. وبهذا التقدم أضعف الجيش قوة التنظيم في المناطق التي بقيت تحت سيطرته بين البوكمال والميادين، ووصل إلى بعد نحو 30 كيلومتراً عن القوات المتمركزة شمال غرب البوكمال، في محيط قرية الحمدان. ومن المحتمل أن يسعى الجيش إلى وصل قريب بين المحورين، لعزل «داعش» في جيب صحراوي واسع، يمتد من بادية البوكمال حتى أطراف السخنة الشرقية.

«لقاء أنطاليا» يسبق اجتماع الرياض

بينما يقترب «داعش» من مراحلة الأخيرة في الشرق، تكثف النشاط الديبلوماسي للدول المعنية بالملف السوري وللأطراف المعارضة، إذ عقد وزراء خارجية روسيا وإيران وتركيا اجتماعاً ثلاثياً مغلقاً في أنطاليا التركية، تمهيداً لقمة سوتشي المرتقبة بين زعماء البلدان الثلاثة. ورغم قلة ما رشح عن الاجتماع، فقد أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أنه «تم التوصل إلى اتفاق» بشأن «جميع القضايا الرئيسية» المتعلقة بالقمة المرتقبة. ورأى ضرورة أن «توفر محادثات أستانا الظروف الملائمة لكي تكتسب عملية (محادثات) جنيف في نهاية المطاف أدوات فعالة لتسوية المهام، في ضوء قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254». وفي مقابل الحديث الروسي العام، كانت تركيا أكثر دقة بشأن تطلعاتها من المؤتمر، وقال وزير الخارجية مولود جاويش أوغلو إنه أبلغ نظيريه الروسي والإيراني عدم قبول بلاده مشاركة «حزب الاتحاد الديموقراطي» الكردي في أي اجتماعات دولية. ولفت إلى أن الغرض من هذه القمة هو «إجراء تقييم لأهم الإنجازات التي حققتها الدول الضامنة الثلاث حتى الآن والخطوات التي يجب اتخاذها». ورأى أن «الظروف على الأرض (في سوريا) أفضل بكثير مقارنة بالعام الماضي، لكن لا يمكن الحفاظ على هذه الإنجازات من دون تتويج هذه المرحلة بإيجاد حل سياسي». وأتى الاجتماع عقب ساعات فقط على دخول رتل عسكري كبير جديد إلى ريف حلب الغربي. ونقلت وكالة «الأناضول» أن الرتل العسكري تمركز في المرحلة الأولى في منطقة قريبة من عفرين، قبل أن ينتقل إلى خط إدلب ــ عفرين، في وقت لاحق. ونقلت مصادر معارضة أن التعزيزات التركية دخلت من بلدة كفرلوسين، واتجهت نحو منطقة الشيخ عقيل في ريف حلب الغربي.
وبالتوازي، تبدأ منصات المعارضة اجتماعاً موسعاً في الرياض، بغية التوصل إلى وفد واحد يمثلها في جولة محادثات جنيف المقبلة. ورغم الحضور المتوقع لوفد عن منصات موسكو والقاهرة ووفد عن «الائتلاف» ومستقلين، إلا أن التوصل إلى وفد موحّد قد يكون مهمة صعبة، وذلك بالنظر إلى التباين الكبير بين موقف «هيئة التفاوض العليا» ومنصة موسكو، بشأن ربط مصير الرئيس السوري بشار الأسد بإطلاق الانتقال السياسي، إلى جانب مساعٍ من «الهيئة» للاكتفاء بتوسيع وفدها واستبدال رموزه القيادية، وخاصة المنسّق العام رياض حجاب.
(الأخبار)