جديد المواقف السياسية في قمة بون المناخية هذا العام، كان مشاركة كلٍّ من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، وإصرارهما على التمسك باتفاقية باريس، رغم خروج الولايات المتحدة منها. إلا أن هذه الخطابات حول المناخ ستذهب في الهواء، كما في كل جولة مفاوضات، وكما شهدنا طوال ربع قرن من الزمن، منذ إقرار الاتفاقية الإطارية لتغيّر المناخ في ريو عام 1992.
تمسُّك قطبَي الاتحاد الأوروبي العضوين في الـ«جي 7»، التي تدل على تصنيفهما بين الدول الغنية والكبرى، لم ينعكس يوماً في القضايا التي تطرحها مؤتمرات المناخ. فصندوق المناخ بقي فارغاً، حتى آخر يوم من مفاوضات بون، رغم التعهدات السابقة من الدول «الغنية» التي صُنِّفَت متقدمة، والتي تتحمل المسؤولية التاريخية عن إطلاق الانبعاثات وتراكمها في الغلاف الجوي منذ ثورتها الصناعية. كذلك بقيت وعود دعم التكيف مع التغيرات المناخية وتمويله هي نفسها من دون تقدم، ومن دون أن ترفق بإجراءات عملية لنقل التكنولوجيا مجاناً إلى البلدان النامية كجزء من التعويض عن المرحلة السابقة وعن الكوارث المناخية التي سببتها الدول المتقدمة.
ولا يزال كثير من هذه الدول ــــ التي كان يفترض أن تدفع ــــ يتمسك بمطالبه التاريخية بضرورة قيام البلدان النامية بإجراءات التخفيف من الانبعاثات، رغم ادعاء هذه الأخيرة أنها تريد أن تحصل على فرصتها في التنمية باعتمادها على الوقود الأرخص وعدم أخذ كل المتطلبات القاسية للتخفيف من الانبعاثات في القطاعات كافة، ولا سيما في توليد الطاقة والنقل والتصنيع... إلخ. وحجة البلدان النامية أنّ البلدان المتقدمة لم تلتزم سابقاً، وأولاً، كما كان قد ورد في الاتفاقية الإطارية لتغير المناخ بخفض انبعاثاتها، فكيف يُطلَب منّا ذلك الآن؟
كيف يمكن التصديق أنّ أحداً لم ينتبه بعد إلى أنّ العلة هي في النموذج الحضاري التنموي المنتصر والمسيطر، الذي بات حلم كل الشعوب... وكابوسها في آن واحد؟
إلا أنّ ما يستحق التوقف عنده في خطاب ميركل، قولها إن البلدان المتقدمة لا يمكنها أن تتشدد مع مصانعها وأن تطلب منها المزيد من الالتزامات، كي لا تهرب هذه الاستثمارات إلى البلدان النامية والفقيرة، حيث الحكومات أضعف والإجراءات الرقابية أقل، ويمكن استباحة الأجواء والهواء والأسواق والناس والحقوق... وأي شيء.
هذه «الصراحة» في مقاربة قضايا المناخ، مع ربطها بقضايا الاقتصاد، هي التي لم تبحث يوماً في الجولات السنوية المتتالية من مفاوضات المناخ، والتي تقابلها صراحة تامة من الرئيس الأميركي الجديد الذي لا يريد أن يدفع، ليس لصندوق المناخ فحسب، بل حتى لمؤسسات كالـ«يونسكو». ولا يريد أيضاً أن يتراجع عن النموذج الحضاري المسبب للكوارث، مثله مثل كل الذين تبنوا النموذج نفسه. كذلك فإن أحداً من البلدان الغنية والمتقدمة لم يقدِّم، منذ أكثر من عشرين سنة أيضاً، البدائل الحقيقية لاستخدام أكثر الوقود تلويثاً كالفحم الحجري، على سبيل المثال!
وكذلك الأمر بالنسبة إلى الدول الأقل صراحة والأكثر تلويثاً المتساوية أو المتراجعة في نسب النمو عن هذه الدول، كالصين وروسيا وأوستراليا والهند واليابان، التي لا تجاهر ولا تزايد بإعلان التزاماتها... ولكنها تشارك في عملية التكاذب تجاه المناخ.
فمتى الخروج من هذه العراضات والاستعراضات السنوية حول المناخ، مع العلم أن المقاربة الحقيقية لهذا الموضوع الخطير فعلاً، والمهدِّد لمستقبل الكوكب والبشرية، كما تؤكد معظم التقارير من كل الدول، تتطلب تغييراً جذرياً في النظم الاقتصادية المسيطرة القائمة على السوق والمنافسة فيه، كمؤشر حقيقي على أن هناك اتجاهات دولة جديدة لتحاشي المزيد من الكوارث المناخية التي تتصاعد وتيرتها وحجمها ورقعتها وأضرارها سنة بعد أخرى؟


* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]