الجزائر | كانت الصور الآتية من قلب الجزائر العاصمة، يوم السبت، صادمة بالنسبة إلى كثير من الجزائريين، بعدما شاهدوا العشرات من أبناء البلد وهم يتدافعون (في مشهد قد يبدو مهيناً) أمام «المركز الثقافي الفرنسي» لاجتياز امتحان الكفاءة في اللغة الفرنسية المفروض على كل من يرغب في إتمام دراسته في هذا البلد.
الأدهى من ذلك أنّ هذه الصور تزامنت مع ذكرى «الأول من نوفمبر» ــ تاريخ اندلاع الثورة التحريرية من المستعمر الفرنسي ــ، ما أدى إلى ظهور عشرات التأويلات التي وصل بعضها إلى حد الاعتقاد بوجود مؤامرة.
تفاعل كثير من التعليقات مع ظاهرة الطلبة الراغبين في الدراسة في فرنسا، بالقول إنّ الأمر لا يتعلق بالدراسة وإنما بالرغبة في ترك البلاد والهجرة منها نحو واقع أفضل، وذلك باستعمال كل الوسائل والتقنيات الممكنة، سواء بمبرر الرغبة في إكمال الدراسة في الخارج أو غير ذلك مما هو متاح في عالم الهجرة.
بات الشباب في الجزائر، من خلال ما يظهر من تفاعلهم في مواقع التواصل الاجتماعي، يترقبون كل الفرص التي تتاح للهجرة، حيث تشكل مواعيد مواضيع القرعة الخاصة بالهجرة لأميركا وكذلك نظام الهجرة الجديد إلى كندا وحتى طرق الدراسة في دول كانت إلى وقت قريب بعيدة عن الاهتمام مثل رومانيا وأوكرانيا، أكثر ما يسترعي انتباه الشباب الآن، بل إنّ البعض أصبح يستثمر في هذا السوق من خلال فتح «مقاهٍ للإنترنت» متخصصة في مساعدة الشباب على الهجرة كل وفق متطلباته وظروفه.

قد تُبرز حماسة الشباب للهجرة رغبة في البحث عن حلول فردية


غير أنّ هذا الإقبال غير المسبوق من أجل الدراسة في الخارج، وتزامُن ذلك مع استفحال ظاهرة الهجرة (غير السريّة) بالنسبة إلى العاطلين من العمل وأصحاب المستوى المحدود، أعادا من جديد طرح التساؤلات بشأن الأسباب التي تدفع بهؤلاء الشباب نحو مغادرة بلادهم، ومدى ارتباطها بالأزمة المالية التي تضرب بشكل خاص الشباب الذين تضاءلت فرص حصولهم على مناصب شغل، في ظل تراجع القطاع العام عن التوظيف وضعف المؤسسات الخاصة.
بحسب الإحصائات الرسمية، فإنّ نسبة البطالة ترتفع عند الشباب لتصل إلى 23 في المئة، مقارنة بمعدل عام سابق كان يُقدّر بـ 10 في المئة. وهي أرقام يرى كثير من الخبراء أنّها لا تُعبِّر عن «الحقيقة الأسوأ بكثير».
في اعتقاد الباحث في علم الاجتماعي السياسي، ناصر جابي، أنّ فشل السياسات العامة في الجزائر وعدم بروز أي أمل للتغيير في البلاد، أديا بهؤلاء الشباب إلى اليأس من واقعهم والرغبة في تحسين مستواهم المعيشي عبر الهجرة والاستفادة من كل الوسائل المتاحة لديهم. واعتبر جابي، في حديث إلى «الأخبار»، أنّ ما يجري يُمثِّل خطورة بالغة على مستقبل الجزائر، كونه يبرز عدم ثقة الشباب الجزائري بمستقبل بلادهم. وتخوّف جابي من أن استمرار هذا الوضع سيؤدي إلى إفراغ الجزائر من كفاءاتها العلمية والثقافية، وسينعكس بالتالي تقهقراً على المستويين السياسي والاجتماعي، وخاصة لمن يُفترض بهم أن يكونوا من النخبة.
بيد أنّ حزب «التجمع الوطني الديموقراطي» (المحسوب على الموالاة والذي ينتمي إليه أحمد أويحيى، أي الوزير الأول) اعتبر أنّ هذا التحليل «لا يستجيب للحقيقة». وقال، في بيان، إنّ «البعض يحاول تشويه صورة الجزائر كون شبابها تدفق على المركز الثقافي الفرنسي، زاعمين أنّ القضية تتعلق بالتأشيرة، لكن عكس ذلك، فإنّ الموضوع متعلق بمسابقة تجرى كل سنة حول اختبار لغوي للتأكد من مستوى الطلبة لمتابعة الدراسات العليا الجامعية في فرنسا، (ولذا) فإن الأمر ليس قضية هجرة، بل هو شباب جامعي باحث عن العلم». ويصرّ هذا الفريق على أنّه «لا يوجد بلد في العالم (كما ذكر الوزير الأول أخيراً)، يوفِّر للشباب ما توفره الجزائر من تعليم مجاني ومساعدة على فتح مؤسسات صغيرة بعد التخرج».
من جهة أخرى، قد تُبرز هذه الحماسة الكبيرة للشباب الجزائري إزاء الهجرة رغبة في البحث عن حلول فردية وعدم اهتمام بالشأن العام أو بقضية إصلاحه. وتوصلت دراسة حديثة أجرتها جمعية «تجمع أمل شبيبة»، شملت عينة واسعة من الشباب الجزائري، إلى أنّ ثمة «لامبالاة ونفوراً لدى الشباب من الفعل السياسي، وجهلاً واسعاً بدور البرلمان يصاحبه في الوقت نفسه تطلع إلى التغيير»، وذلك بعدما كشفت الدراسة نفسها أنّ 1 في المئة من الشباب فقط منخرطون في أحزاب سياسية و2 في المئة في جمعيات و0.2 في المئة في النقابات. وعلى الرغم من عشرات الانتخابات التي أقيمت في الجزائر منذ إعلان «التعددية السياسية»، إلا أنّها لم تنجح في تحويل اهتمام الشباب نحو الاهتمام بالسياسة، فضلاً عن الانخراط في الأحزاب.