يبدو أن تمسّك رئيس إقليم كردستان مسعود البرزاني وتشبّثه بخطوة إجراء استفتاء الانفصال عن العراق في 25 أيلول الجاري دليلٌ على نية أربيل بالدخول في صدامٍ مع القوى العراقية المحلية، إلى جانب خلق توترٍ إقليمي مع جيران العراق الرافضين لخطوة «غير محسوبة» النتائج.
وبالرغم من «التحذير الثلاثي» ضد «الإقليم»، الصادر عن بغداد وأنقرة وطهران، وتوعّد العواصم الثلاث في بيان مشترك بـ«إجراءاتٍ ضد الإقليم في حال مضيّه قدماً في تقرير مصيره»، إلا أن الردّ الكردي جاء على لسان البرزاني، مؤكّداً أن «الاستفتاء سيجرى في موعده، رغم مطالبات عواصم مجاورة وأخرى إقليمية وعالمية بتأجيله»، مشيراً إلى أن «وقت المطالبة بالتأجيل قد نفد». وأضاف «لنقُل بصوت واحد نعم للاستقلال»، داعياً الأكراد إلى التوجه إلى صناديق الاقتراع بعد غدٍ الإثنين.
وأوضح البرزاني أن «حكومة الإقليم ذهبت إلى بغداد للحوار في موضوع إجراء الاستفتاء، لكن بغداد لم تأخذ الأمر على محمل الجد»، لافتاً إلى أن أربيل مستعدة للتفاوض مع بغداد بعد إجراء الاستفتاء، في الملفات كافة، باستثناء العودة إلى ملف «الخط الأخضر»، في إشارة إلى «الخط» الذي يعدّ خط التماس بين مسلحي «البشمركة» والجيش العراقي في تسعينيات القرن الماضي.
البرزاني الذي سيزور بغداد في الأيام المقبلة، على حدّ قوله، ردّ على تحذيراتها بالقول «إذا كانت نيتكم فرض عقوبات فعليكم أن تفرضوها عليّ أنا وليس على شعب كردستان»، رافعاً حدّة خطابه بوصف قواته «محطمة أسطورة داعش بأسلحة متواضعة، ويمكنها أن تردع أيّ اعتداء على كردستان».
إمكان تدخّل بغداد عسكرياً لردع أربيل عن خطوتها يستبعده وزير الخارجية العراقي إبراهيم الجعفري، متمسّكاً بأن «الحكومة ستبذل كل جهودها لأجل الوصول إلى حلٍّ يناسب جميع الأطراف، وأيضاً لتجنّب حدوث الاستفتاء»، في وقتٍ تواصل فيه بغداد تدعيم موقفها الرافض لخطوة أربيل.
وأبلغ وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف نظيره العراقي دعم بلاده لسيادة العراق وسلامة أراضيه، في حين رأى وزير الخارجية السعودي عادل الجبير أن «الاستفتاء سيكون له أثرٌ سلبي على العراق والمنطقة».

دعا مقتدى الصدر حيدر
العبادي إلى إنهاء «مهزلة» الاستفتاء قبل فوات الأوان


ورحّب رئيس الجمهورية العراقية فؤاد معصوم بإعلان «مجلس الأمن الدولي تجديد تمسّكه المستمر بسيادة العراق ووحدته وسلامة أراضيه»، لافتاً إلى أن الحوار مستمر بين حكومتي بغداد وأربيل لمعالجة «القضايا الخلافية». وأثنى، في بيانه، على «أهمية الدعوة التي أطلقها مجلس الأمن بمواصلة الحوار بين العراقيين لحل أي مشكلة داخلية، على أن يتم في إطار الدستور، وعبر حلول توافقية يدعمها المجتمع الدولي، وتصبّ في حماية مستديمة لمصالح كافة المكونات العراقية».
وفي سياقٍ متّصل، التقى رئيس الوزراء حيدر العبادي بمعصوم، وعرضا ملف الاستفتاء، فيما أبدى العبادي «رفض بغداد لاستفتاء الإقليم، لعدم دستوريته، والحفاظ على العراق الموحد، واستمرار الحوار لحل الإشكالات العالقة ضمن سقف الدستور». وأضاف العبادي أن «العالم كله يقف معنا في وحدة العراق وسيادته وحربه ضد الإرهاب»، مشيراً إلى أن «أيّ إجراء يتّخذ من طرف واحد مرفوض، وأن باب الحوار مفتوح وفق الدستور والعراق الواحد».
أما «مجلس الأمن القومي التركي»، فقد دعا «الإقليم» إلى العدول عن الاستفتاء، واصفاً إيّاه بـ«غير القانوني وغير المقبول». ورأى البيان المنبثق عن اجتماع برئاسة الرئيس رجب طيب إردوغان أن «أنقرة تحتفظ بحقوقها الواردة في اتفاقيات ثنائية ودولية إذا أُجري الاستفتاء».
بدوره، قال رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم إن «الاستفتاء هو مسألة تمس الأمن القومي التركي، وأنقرة لن تقبل أبداً تغيير الوضع في العراق أو سوريا»، مضيفاً أن «أي تحرّك سيؤدي إلى تغيير الوضع في سوريا والعراق، هو نتيجة غير مقبولة لتركيا وسنفعل ما يلزم».
ويقابل هذا المشهد نيّة طهران «لملمة الشتات الكردي»، إذ أكّدت مصادر عدّة، لـ«الأخبار»، أن قائد «فيلق القدس» في «الحرس الثوري الإيراني» الجنرال قاسم سليماني «وصل (أمس) إلى الإقليم، في محاولة جديدة لإقناع القادة الأكراد بالتراجع عن خطوتهم». وسينتقل سليماني من السليمانية إلى أربيل، «في زيارة تعتبر الأخيرة له قبل الاستفتاء، إذ وعد في زيارته السابقة بأن تضغط إيران على القيادات العراقية في بغداد للاستجابة لمطالب الأكراد لحل خلافاتهم العالقة في ما يتعلّق بميزانية الإقليم، ومشكلة رواتب البشمركة، والمناطق المتنازع عليها».
إلى ذلك، وصف زعيم «التيار الصدري» مقتدى الصدر انفصال «الإقليم» بـ«الانتحار»، مطالباً الحكومة الاتحادية بـ«الحفاظ على وحدة العراق». وحذّر «الكيان الإسرائيلي من التدخل في الشأن العراقي»، وذلك في رسالة وجهها إلى القادة الأكراد، حذّرهم فيها أيضاً من «الفتنة»، قائلاً: «على الحكومة العراقية اتخاذ التدابير اللازمة لإنهاء هذه المهزلة، وإلا فإن الأمر سيؤول إلى ما لا يحمد عقباه، ونحن هنا نشد على يدها بالحفاظ على وحدة العراق، ونعلن استعدادنا للتعاون من أجل ذلك».
(الأخبار)