لعل السبب الأبرز في عودة التجاذبات بين طرفي الحكم في صنعاء، حركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر الشعبي العام»، هو قرار رئيس «المجلس السياسي الأعلى» صالح الصماد، والذي قضى بتغيير رئيس مجلس القضاء الأعلى وتعيين رئيس آخر للمجلس هو أحمد بن يحيى المتوكل، الذي أدى اليمين الدستورية أمام الصماد أول من أمس.
تؤكد مصادر مطلعة أن قرار تعيين المتوكل جاء بعد اكتشاف إرادة خفية وراء تعطيل القضاء عن ممارسة دوره الرقابي وإلغاء وظيفته في المحاسبة، وأن وجود تلك الإرادة المعطلة ليس مقتصراً على الشمال، بل في الجنوب كذلك، لأن الجهات المعطلة تتقاطع مع دول تحالف العدوان بإبقاء الوضع متدهوراً حتى لا يتسنى للجنوبيين المطالبة بحقوقهم الوطنية. أما في الشمال، فتؤكد المصادر الخشية من فتح ملفات الفساد الكارثية على البلد في الحقبة السابقة، وقضايا ارتكبت من النظام السابق برموزه كافة، الحالية أو السابقة في صنعاء أو الرياض، تمس السيادة الوطنية، والتنازل عن أراضي الدولة لجهات معادية، بالإضافة إلى التورط في الحروب الداخلية لمصلحة جهات خارجية، لأن هذه الملفات في حال ثبوتها تمثل «خيانة عظمى للوطن».
«أنصار الله»، التي تخوض الدفاع عن البلد، رأت نفسها مضطرة إلى تفعيل دور القضاء بعدما اتهمها العديد من قيادات «المؤتمر الشعبي العام» بهدر المال العام، والمفارقة أن الحركة تتّهم بأنها تصرف بعض الموارد خدمة لجبهات القتال، والمجهود الحربي، وفي تعزيز الجبهة الداخلية. وبدلاً من أن تنخرط القيادات المؤتمرية في المشاركة في الميدان العسكري، سواء بالحضور المباشر أو بإيجاد الوسائل لتعزيز الإيرادات التي هي بالأصل شحيحة، سارعت إلى كيل التهم وانساقت مع الموجة المضللة التي تطال «أنصار الله».
وقد جاءت الخلافات، أو كما سمّاها الرئيس السابق علي عبد الله صالح الاختلالات، بعدما صار المشهد السياسي والعسكري اليمني على حاله من المراوحة وانسداد الأفق وجمود المسار السياسي والتفاوضي. وإذ لا يبدو أن أياً من الدول المؤثرة في قرار العدوان على اليمن، وعلى رأسها السعودية، بدعم من الولايات المتحدة الأميركية، في وارد القبول بأي تسوية تخرج عن الأهداف التي رسمتها منذ اليوم الأول للعدوان، وذلك لأسباب استراتيجية، وإن كان بعض المتابعين يربطون استمرار الحرب بعقدة استعلاء الأسرة السعودية الحاكمة تجاه اليمنيين، إلا أن الجانب الشخصي والنفسي والمعنوي لا يمكن إغفاله وتأثيره في استمرار العدوان.
تكرار الفشل في الخيار العسكري وغياب جدوى المسار السياسي المرتبط بالأصل بالتطورات الميدانية، والنية في التوجه لاستمرار الحرب بأي شكل لتحقيق أهدافها، دفعت «التحالف» بقيادة السعودية إلى البحث عن خيارات غير تلك التي جرّبت منذ بداية العدوان. وكاد التحالف ينجح في فتح ثغرة في جدار الجبهة الداخلية، فأسرع إلى تغذية الخلافات بين المكوّنين المشكلين لحكومة «الإنقاذ» في صنعاء، والنفخ في الأبواق الإعلامية للتجييش وحشد الناشطين للصراع وإثارة الفتنة. ولم يكن بريئاً التسريب عبر وسائل إعلام متنوعة عن مبادرة إماراتية تحافظ على إرث صالح في مستقبل اليمن. وفي حقيقة الأمر، إن ما سمّي مبادرة إنما هو أفكار غير مكتملة أو مبوبة ولم تصل إلى التبنّي الرسمي حتى من مطلقيها. وظهر الموقف السعودي متناغماً لأول مرة منذ 2014 مع الرئيس السابق، وقد لمّح بعض الكتّاب السعوديين إلى إمكان أن تصفح الرياض عن صالح إذا استمر في إحداث الصدع مع شركائه في الجبهة الداخلية. وظهر الإعلام السعودي في تغطية التشنج في صنعاء أقرب إلى تبنّي موقف «المؤتمر العام».
كل من حركة «أنصار الله» وحزب «المؤتمر» يلعب على حافة الهاوية، ويتجاذب شدّ الحبال بينهما، لكنهما يحرصان حتى الآن على تجنّب الوقوع في الهاوية، لعلمهما بالضرر على تماسك الجبهة الداخلية. ولئن كانت التقديرات تشير إلى أن «المؤتمر» لم يعد يملك القدرة العسكرية في مواجهة «أنصار الله»، لكن التقديرات تشير أيضاً إلى أن الانفراد السياسي في حكم صنعاء من الحركة سيكون محرجاً، وسيعرّضها أكثر للضغوط السياسية على المستويين الداخلي، في ظل تفاقم الوضع الاقتصادي، والخارجي لخروج مكوّن أساسي من السلطة.