عدا لزوم المكابرة لدى بعضهم، من العبث المجادلة في أن المحور المعادي للدولة السورية وحلفائها قد مُني بهزيمة، وبحدّ أدنى، أخفق في تحقيق أهدافه. هذه النتيجة التي تعني في المقابل انتصار دمشق ومن معها، تجد إسرائيل أنها لا تقوى على التعايش معها، وتصرّ رغم قصور اليد ومعاندة الواقع الميداني كما السياسي على تحقيق فوائد انتصار لم يعد مقدوراً عليه، وهي التي راهنت بقوة في السنوات الماضية على أن يتحقق.
رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو كان قد لخّص التهديد المتشكّل في سوريا والتحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل بكلمات موجزة، قائلاً: «(تنظيم) داعش يخرج وإيران تدخل»، لكنه أضاف إلى هذا التوصيف تهديدات: «نعارض بحزم التمركز العسكري لإيران وملحقاتها في سوريا، وحزب الله في مقدمة ذلك، وسنعمل كل ما ينبغي من أجل المحافظة على أمن إسرائيل».
لكن «كل ما ينبغي» يتركز، كما ذكر رئيس جهاز «الموساد»، يوسي كوهين، على ما يمكن أن تفعله الولايات المتحدة حصراً، التي وصفها، كما ورد في خلاصة عرضه الأخير أمام المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية (الكابينيت) بـ«القوة الوحيدة القادرة على التصدي للهلال الشيعي». وطالب كوهين حكومة نتنياهو باستغلال العلاقات الجيدة مع واشنطن، وتحديداً مع إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب، «من أجل دفع واشنطن إلى اتخاذ خطوات في هذا الصدد».
على هذه الخلفية التي تقرّ بصورة غير مباشرة بـ«قصور يد» إسرائيل في إحداث تغيير في مجريات الواقع الميداني، كما السياسي في سوريا، كلفت الحكومة الإسرائيلية رئيس «الموساد» بترؤّس وفد أمني رفيع ــ يضم رئيس «شعبة الاستخبارات العسكرية» في الجيش، وكذلك رئيس القسم السياسي ــ الأمني في وزارة الأمن ــ للتوجه إلى واشنطن للقاء مستشار الأمن القومي الأميركي هربرت ريموند ماكماستر، كي ينقل إلى الرجل الأقوى في إدارة ترامب قلق إسرائيل من الاتفاق الروسي ــ الأميركي حول سوريا، وإمكان إعادة بحثه وتعديله بما يتوافق مع المطالب الإسرائيلية، وعلى رأسها إبعاد إيران وحزب الله، وترتيبات أخرى ترتبط بالدولة السورية.
صحيفة «هآرتس»، التي كشفت عن الزيارة وأهدافها، ذكرت نقلاً عن مسؤول إسرائيلي رفيع أن «المحادثات ستتركز على الحاجات الأمنية لإسرائيل حيال سوريا ولبنان»، مضيفاً أن الوفد سيحاول إقناع مسؤولي الإدارة الأميركية بضرورة تعديل اتفاق وقف النار في سوريا، وأن يَرِد فيه بوضوح «إخراج القوات الإيرانية وعناصر حزب الله والميليشيات الشيعية من سوريا».
تأتي هذه الزيارة، وأهدافها المعلنة، بعد جهد إسرائيلي متواصل خلال الأسابيع الماضية للدفع باتجاه تعديل الاتفاق الروسي ــ الأميركي، الذي أعلنت إسرائيل رفضها مدرجاته، في ظل خلوّه من أيّ إشارة إلى إبعاد أعدائها عن الساحة السورية، وكذلك مطالب ترتبط بدمشق في مرحلة ما بعد انتصارها وحلفائها، ومن بينها «منع إعادة ترميم القدرات العسكرية السورية». كذلك فإن هذه الزيارة تعني أن نتيجة محادثات الأسابيع الماضية مُنيت بالفشل، ما حتّم على تل أبيب تشكيل وفد أمني رفيع في محاولة لإقناع واشنطن «مهنياً» بضرورة تعديل الاتفاق الذي عجزت حتى الآن عن تعديله.

رغم خسارة الرهان، تتصرّف إسرائيل كأنها الجهة التي انتصرت

لكن مهمة الوفد صعبة، وذلك عائد إلى تعقيدات المشهد السوري والجهات المؤثرة فيه، إذ إن الولايات المتحدة جهة فعالة من بين جهات أخرى لا تقل تأثيراً عنها. ونتيجة هذا التعقيد، إذا كان الوفد الإسرائيلي سينجح في دفع الإدارة الأميركية إلى تفهّم قلق إسرائيل، فإن من الصعب ترجمة هذا التفهّم أفعالاً ومواقف عملانية من شأنها أن تعدّل الاتفاق القائم بينها وبين روسيا.
في الأيام القليلة الماضية، صدرت مواقف و«تسريبات» عن وزراء ومسؤولين إسرائيليين كفيلة بالإضاءة على «مشكلة ومأزق» إسرائيل تجاه الاتفاق ومدرجاته، كما تكشف الصعوبة التي تواجهها إسرائيل في ثني الجانبين ودفعهما إلى تعديل اتفاقهما، وإبعاد إيران وحزب الله، التهديد الآخذ بالتعاظم، كما وصف كوهين في عرضه أمام وزراء الحكومة الإسرائيلية، حيث أضاف أن الجهود الرامية إلى تغيير الاتفاق مستمرة، لكن الطموحات الإسرائيلية حتى الآن «لم يستوعبها الجانب الأميركي».
في هذا السياق، أشار وزراء في الحكومة الإسرائيلية، خلال اتصالات منفصلة مع موقع «المونيتور» بنسخته العبرية، إلى أن الاتفاق الأميركي ــ الروسي هو «فشل استراتيجي كبير جداً». وأكد أحد الوزراء أن الولايات المتحدة ألقت بإسرائيل أمام «عجلات الحافلة» مرتين: الأولى نتيجة الاتفاق النووي مع إيران، والثانية عندما تجاهلت طلباتها حول سوريا والوجود الإيراني فيها والتواصل الإقليمي منها باتجاه المتوسط. وعلى هذه الخلفية، فإن «خيبة أمل إسرائيل إزاء سياسة الولايات المتحدة آخذة في الازدياد».
ويضيف ذلك الوزير: «قبل اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا، عُقدت اجتماعات ثلاثية بين إسرائيل والولايات المتحدة وروسيا، وأرسلت إسرائيل جميع مطالبها ومخاوفها مدعومة بمواد استخباراتية، لكن في نهاية المطاف، الاتفاق الفعلي الذي يجري وضعه لا يتناول إطلاقاً التدخل أو الاختراق الإيراني» في سوريا.
لجهة الموقف الروسي، أكد مصدر أمني إسرائيلي رفيع المستوى للموقع نفسه أن المباحثات مع الجانب الروسي «محبطة»... وعندما نتحدث معهم عن الخطر الإيراني «يبتسمون». ويتابع: «الروس لا يفهمون ما نريد منهم وما نقوله لهم، وهم يرون إيران عنصر تحقيق استقرار في المنطقة».
المأزق الإسرائيلي، كما يتضح من مواقف مسؤولي تل أبيب وتحركاتهم وأيضاً تهديداتهم الكلامية، أنهم غير قادرين على التعايش مع فشل رهانهم على حرب خيضت ضد الدولة السورية بهدف إسقاطها وحلفائها. لقد راهنت إسرائيل على هذه النتيجة طويلاً، وكانت مطمئنة إلى أنها قادرة على تحقيق مصالحها في كسر أعدائها. ورغم خسارة الرهان، لا تزال تصرّ على تحقيق نتائج هذه الحرب كأنها الجهة التي انتصرت فيها.