في ظل استمرار التعتيم الإعلامي على «الكارثة الإنسانية الأسوأ في العالم»، وفيما ينشغل «صانعو القرار» بقياس أرباحهم وخسائرهم السياسية والميدانية في البلد العربي الأشد فقراً، ترتكب السعودية والدول الحليفة لها جريمة حرب كبرى بحق أطفال اليمن ومستقبلهم.
فقد ألقى العدوان والحصار المفروض منذ أكثر من عامين بظلاله على واقع التعليم في اليمن، الذي بات اليوم يعاني من كارثة حقيقية مع تزايد الحديث عن توقف العام الدراسي 2017-2018 بشكل كامل. ففي العامين الماضيين، كشفت إحصائيات وزارة التربية والتعليم توقف 2380 مدرسة ومنشأة تعليمية موزعة على المحافظات اليمنية عن العمل، إما بسبب تعرضها للاستهداف المباشر من قبل طائرات تحالف العدوان، أو تحويلها إلى ملاجئ للنازحين أو ثكنات عسكرية ومخازن للأسلحة. هذا الواقع الأليم المفروض على القطاع التعليمي تفاقم مع دخول البلاد في ما بات يعرف بـ«أزمة الرواتب»، التي حرمت 75 في المئة من موظفي هذا القطاع الحصول على مستحقاتهم لأكثر من 9 أشهر. وكانت قد توقفت عملية صرف مرتبات الموظفين الحكوميين عقب قرار الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي، نقل البنك المركزي من العاصمة صنعاء إلى عدن.
ويصف مدير مكتب التربية في أمانة العاصمة صنعاء محمد الفضلي، الوضع بـ«الكارثي»، مؤكداً في حديث إلى «الأخبار» جدية احتمال «إقفال 13,000 مدرسة من أصل 20,000 مدرسة تستقبل 5 ملايين و500 ألف طالب» إذا لم تُدفَع رواتب المعلمين قبل العام الدراسي الجديد المتوقع أن يبدأ الشهر المقبل.
ويأتي تصريح الفضلي بعد أن أعلنت نقابة المهن التعليمية والتربوية السبت الماضي «الإضراب الكلي في جميع المدارس الحكومية» احتجاجاً على عدم صرف مرتباتهم. ودعت النقابة جميع موظفي المهن التعليمية والتربوية للتجاوب مع قرار إعلان الإضراب إلى حين صرف مرتبات جميع الموظفين.
هذا التطور الخطير في البلد الذي يعاني أصلاً من تدهور في القطاع التعليمي، دفع المنظمات الحقوقية إلى رفع الصوت عالياً للتحذير من تداعيات إقفال المدارس على جيل كامل. وأعلنت «منظمة الأمم المتحدة للطفولة» (يونيسف) مطلع الأسبوع أن «مدارس 4.5 ملايين طفل يمني لن تستأنف العمل إذا لم تُدفَع رواتب المعلمين»، مسلطة الضوء على إحدى أخطر الأزمات المنسية وسط تزاحم الملفات الإنسانية في اليمن.
ويقول مسؤول الاتصالات في الملف اليمني في المنظمة بسمارك سوانجين، إن الأزمة تطاول «أكثر من 166 ألف مُدرس، أي نحو 73 في المئة من المعلمين»، وتؤثر سلباً في 13,000 مدرسة على الأقل (78 في المئة من إجمالي المدارس)»، مشيراً إلى أن الأزمة الإنسانية الراهنة يمكن وصفها بـ«أزمة الأطفال».
ويشير في حديث لـ «الأخبار» إلى أن موظفي القطاع التعليمي «لم يعد بوسعهم الذهاب للمدارس لأنهم لا يملكون المال لدفع أُجرة انتقالهم، بل وعليهم عبء تدبير ما يوفر لهم احتياجاتهم هم وأُسرهم لأنهم لم يتلقوا أي مدخول لقرابة العام».
وتحذّر المنظمات الحقوقية من الآثار السلبية لتوقف التعليم ليس فقط على نفسية الطالب بل أيضاً على مستقبله. وشدّدت ممثلة «يونيسف» في اليمن ميرتشيل ريلانو، على ذلك في مؤتمر صحفي قالت فيه إن «الأطفال الذين خارج المدارس يصبحون عُرضة لاحتمال تجنيدهم (في الخدمة العسكرية) كذلك فإن الفتيات يصبحن عُرضة لاحتمال تزويجهن مبكراً. وبالتالي هناك مخاطر عديدة إذا لم ينتظم الأطفال في المدارس، ولا سيما بالنسبة إلى الأعمار الأكبر نسبياً»، مطالبة «بتعهد غير مشروط من قبل جميع أطراف الصراع بدعم المُدرسين اليمنيين وتعليم الأجيال اليمنية القادمة».
ووجد بعض الطلاب، الذين أجبروا على الابتعاد عن مدارسهم بسبب النزاع، أنفسهم مضطرين إلى البحث عن عمل أو التسول، فيما جُنّد بعضهم لدى الأطراف المسلحة (خاصة في الجنوب)، أو دفع بهم نحو زواج القُصَّر، إذ تشير الأرقام إلى أن أكثر من ثلثي الفتيات يُزَوَّجنَ قبل بلوغهن 18 عاماً، مقارنةً بـ50% منهن قبل الصراع.
وفي هذا السياق، يؤكد الفضلي أن هناك «جيلاً كاملاً مهدداً بالانحراف إذا لم يلتحق بالمدرسة»، مشيراً إلى أن «هؤلاء الأطفال كانوا يذهبون إلى مدارسهم بأمعائهم الخاوية وتحت القصف، ما يؤكد رغبتهم في تحصيل العلم». ووفق «يونيسف»، هناك مليونا طفل خارج المدارس اليوم، مع إقفال 1,600 مدرسة، فيما تؤكد التقارير تجاوز الخسائر والأضرار المادية التي لحقت بقطاع التعليم الـ 61 ملياراً و18 مليون ريال.
ويؤكد المدير العام للصحة المدرسية في صنعاء علي مرغم، في حديث إلى «الأخبار» أن العديد من الأطفال «قتلوا أو أصيبوا وهم في طريقهم من المدرسة وإليها»، ومن بينهم التلميذة إشراق البالغة من العمر 11 عاماً، التي قتلت في غارة على مدرستها مطلع العام الجاري.
وكانت منظمة «هيومن رايتس ووتش» قد أعلنت في كانون الأول الماضي مقتل وجرح عدد من الأطفال في غارة جوية لـ«التحالف» على مدرسة شمال اليمن، ودعت الأمين العام للأمم المتحدة إلى إعادة «التحالف» إلى «قائمة العار» الخاصة بالانتهاكات ضد الأطفال في النزاعات المسلحة، وذلك بعدما تراجع الأمين العام السابق بان كي مون، تحت الضغط والتهديد، عن إدراج المملكة العام الماضي.
وفضلاً عن الاستهداف المباشر، منع الحصار وصول الورق والحبر إلى اليمن، وبالتالي لم تستطع المطابع من طباعة الكتب المدرسية. وحتى تلك التي كانت لا تزال تستقبل الطلاب وتتبع نظام استرجاع الكتب من التلاميذ، لا تتسع لما يزيد على 2 مليون طفل نزحوا من مناطقهم هرباً من الاشتباكات والقصف.
ومع وصول الأزمة التعليمية إلى مراحل خطيرة، يدعو الفضلي إلى «وحدة وطنية نصرة لأطفال اليمن»، مؤكداً أن الطلاب هم «أبناء كل اليمن وبالتالي يجب تحييدهم عن أي صراعات سياسية».