مترو لمدينة بيروت، حافلات في الشوارع الداخلية تعمل على البطارية، خط خاص للحافلات السريعة، حدائق، أشجار، معالجة النفايات عبر التفكك الحراري، عاصمة صديقة للبيئة، طرقات آمنة، شاطئ عام، حرج بيروت، ملاعب، زيادة المساحات الخضراء... كثيرة هي أحلام رئيس الحكومة سعد الحريري التي وعد البيروتيين بها عقب فوز لائحة البيارتة في الانتخابات البلدية في أيار 2016.
لكن عاماً كاملاً مرّ من دون أن يتحقق شيء، ولو مشروع صغير، من أحلامه الكبيرة... فما كان منه إلّا أن وعد بها البيروتيين مجدداً الأسبوع الماضي، محدّداً فترة سنة جديدة لتحقيقها! إنجازه الوحيد الذي استطاع الإعلان عنه هو «تطويل قسطل مجارير المياه 550 متراً لينقل المياه الملوثة من الشاطئ إلى عمق البحر»! قد يكون كلامه هذا مرّ عادياً بالنسبة إلى كثيرين، ولكن ينبغي التوقف عند تباهي رئيس حكومة برمي مجارير غير مكرّرة في عرض البحر، أكان ذلك على الشاطئ أو في المياه العميقة!
ما سبق ليس تفصيلاً. إذ اعتاد اللبنانيون عموماً والبيروتيون خصوصاً على «إنجازات» مماثلة. هكذا انتقلنا من المترو والباصات وخطة النقل العام إلى رسم خطّ أبيض في شارع البلدية في وسط بيروت، والقول إنه خط خاص للدراجات الهوائية. ومنذ «افتتاحه» قبل أسابيع، لم يُشاهد أحد يستخدمه، طالما أنه لم يكن جزءاً من خطة نقل عام، بل مجرّد خطوة يائسة لمحاولة التغطية على فشل المجلس البلدي، ومن خلفه الحكومة. والحديث عن فشل ليس تجنياً على الحريري، ولا على البلدية برئاسة المدير العام السابق لـ «سوليدير» جمال عيتاني. فبعد عام على تسلّم مجلس بلدية بيروت مهامه، لم يُسجّل له أيّ مشروع، رغم أن هذا المجلس جاء بتوافق سياسي بين مختلف القوى السياسية الكبرى، ويحظى برعاية من المحافظ، ومن وزير الداخلية، ومن رئيس الحكومة.

يتعامل المجلس
البلدي مع صندوق البلدية على أنه
بقرة حلوب

وبالتالي لا يمكن التذرّع بعرقلة من هنا وحرتقات من هناك، بصرف النظر عن بعض الاعتراضات الخجولة التي لا تقدّم ولا تؤخر. وأحزاب القوات والتيار الوطني الحر والكتائب التي كانت قد وعدت بإجراء نقلة نوعية في أول دخول حقيقي لها إلى البلدية، ذابت سريعاً في استراتيجية تيار المستقبل المُحكمة على البلدية منذ عقدين من الزمن. ولا يمكن المجلس التحجّج بأيّ معارضة للمجلس الجديد. فمجموعة «بيروت مدينتي» التي خاضت الانتخابات البلدية وحققت نتيجة مفاجئة، وعدت بأن تشكّل مجلس ظل، لكنها انكفأت ويكاد لا يُسمع صوتها، مكتفية بنشر بعض القرارات البلدية على موقعها الإلكتروني، وبعقد لقاء دوري مع رئيس البلدية، من دون أن تتضح نتائجه.
في جردة أجرتها «الأخبار» لكلّ قرارات بلدية بيروت منذ حزيران 2016 حتى الأسبوع الماضي، لا يظهر سوى: عقود بالتراضي، عدد هائل من السلف المالية لصالح موظفين غالبيتهم غير محددين بالأسماء بقيمة 20 مليون ليرة للسلفة الواحدة، عقود مشبوهة باسم شركة واحدة، توظيف مقنع، تنفيعات لناشطين يدورون في فلك تيار المستقبل، مساهمات مالية لصالح جمعيات لم يأتِ منها أيّ فائدة على بيروت، دعم مهرجانات سياسية، إنفاق أموال على المناسبات والأعياد بشكل يفوق كلفة هذه النشاطات عادة، وهدر لأموال سكان العاصمة، في مسعى ربما للاستفادة من كلّ قرش في الموازنة قبيل نهاية العام لأغراض انتخابية وشخصية. الخلاصة أن المجلس البلدي يتعامل مع صندوق البلدية على أنه بقرة حلوب تدرّ عليه الخيرات، ضارباً بعرض الحائط كلّ الآمال التي وضعها الناخبون على هذه البلدية.
المقارنة بين «الإنجازات» والوعود، لا تُظهر سوى الاستخفاف بعقول سكان بيروت وأهلها. ولا بدّ بالتالي من الحصول على إجابات على الأسئلة البديهية التي ينبغي أن تُوجّه للسلطة الحاكمة في العاصمة: ماذا قدّمت وتقدّم البلدية لأهالي بيروت؟ ما هي المشاريع الإنمائية التي تؤثر على حياة البيروتيين اليومية، وأين تذهب كل الأموال المرصودة لمشاريع غير مرئية، وأين صرفت وستصرف البلدية موازنتها لهذا العام التي فاقت الـ455 مليون دولار؟ أين الشفافية التي وعدت البلدية بها، ولماذا انخفض احتياط مال البلدية في المصرف المركزي من أكثر من مليار دولار إلى ما يقارب 600 مليون دولار، من دون أن يلمس سكان المدينة أيّ تحسن على أيّ صعيد؟ وفعلياً، هل هناك من يراقب عمل البلدية ويحاسبها على الهدر وصرف المال العام؟
في ما يأتي عينة عن وجهة الأموال التي كان يُفترض أن تسخّر لمنفعة أهالي بيروت وإذا بها «تدكّ» في جيوب بعض المنتفعين والمقاولين والجمعيات.




الجلسة الأولى: هدر بقيمة 262 مليون ليرة

بداية العام الجاري، أقرّت البلدية موازنتها محدّدة مجموع نفقاتها بنحو 682 مليار و465 مليون و500 ألف ليرة لبنانية أي ما يعادل 455 مليون دولار. وقدرت الواردات بالمجموع نفسه، وهي قيمة الواردات العادية (296 ملياراً و525 مليوناً و500 ألف)، إضافة إلى واردات استثنائية بقيمة 385 ملياراً و940 مليوناً من دون أن تحدّد مصدر هذه الواردات الاستثنائية، وهل هي هبة أو قروض أو بيع عقارات أو ما شابه. إلا أن عيتاني أعلن أن العجز في بلدية بيروت سيبلغ 42 مليون دولار في عام 2017 وستتم تغطيته من أموال البلدية المودعة في المصرف المركزي. 455 مليون دولار نفقات يعني أن البلدية تعتزم صرف 38 مليون دولار شهرياً، أو 9 ملايين و500 ألف دولار أسبوعياً. وفعلياً كلّفت أول جلسة لبلدية بيروت في عام 2017 التي عُقدت بتاريخ 5/1/2017 نحو 261 مليوناً و680 ألف ليرة لبنانية، صُرفت غالبيتها على سلف بقيمة 20 مليون ليرة لموظفين لم تُذكر أسماؤهم كـ«نفقات نثرية» و«مطبوعات»، ووضع إعلانات وتنظيف بلاط الوسط التجاري والإعلان عن مؤتمرات البلدية على وسائل التواصل الاجتماعي. ومنح موظف ما 16 مليون ليرة لاستضافة وفود من الخارج و6 ملايين لموظف آخر من أجل وفود الداخل، 5 ملايين لثالث لشراء القرطاسية، 15 مليوناً لتأمين نفقات دورة كرة قدم، و7 ملايين و500 ألف ليرة لموظف من أجل شراء الهدايا! وخمسة ملايين ليرة لصيانة سيارات رئيس البلدية. وتكرّ سبحة الصرف أو الهدر أو أيّاً كان اسمه، إذ يُفترض بالبلدية أن تضع ميزانية خاصة لشركة «بويكر» من أجل رشّ المبيدات، لأن البلدية تجري معها عقوداّ شهرية مماثلة لهذين العقدين: 19 مليون ليرة في الجلسة لرشّ مبيدات في ساحات بيروت الرئيسية و17 مليوناً أخرى لرشّ المبيدات في شبكات الصرف الصحي. ونحو 32 مليون ليرة للمكتب الاستشاري «ايس» لقاء «دراسة وخرائط تفصيلية لمشاريع تأهيل البنى التحتية في مناطق بيروت»، علماً أن أدراج مجلس الإنماء والإعمار تعجّ بدراسات مماثلة سبق أن دفع ويدفع عليها هو الآخر الملايين. الجلسة الأولى هنا ليست سوى عينة عن الجلسات «الاستثنائية» التي تعقدها البلدية أسبوعياً والتي تريد من خلالها تغيير وتطوير وجه بيروت.




250 مليون ليرة... لشجرة الميلاد!

مع اقتراب عيد الميلاد العام الماضي، دبت الحماسة في قلب رئيس البلدية فأراد خصّ بيروت باحتفالات استثنائية. كان يمكن تصديق الأمر إلى أن تبين أن «همروجة» عيد الميلاد ليست سوى مهرجان دعائي آخر للرئيس سعد الحريري. فيما أهالي بيروت لم يشعروا بالعيد ولا بالكرنفال الذي رُصد له 20 مليوناً، فاقتصر على طبّال سار أمام الريس جمال قبيل إلقائه خطاباً عند تمثال الشهداء وغادر بعد كلمة الحريري التي لم تتجاوز خمس دقائق ليقصدوا جميعاً الكرنفال الحقيقي المنظم في «أسواق بيروت». وفي ما يأتي تكاليف نشاطات ميلادية غالبيتها لم يحصل أبداً: 18 مليوناً لزوم تمديدات كهربائية لإضاءة الشجرة الميلادية في الوسط التجاري، 20 مليوناً لشراء الحديد لزوم الشجرة، 9 ملايين لتركيب وفك الشجرة، 4 ملايين لنقل المعدات لزوم الشجرة، 20 مليوناً ثمن Lazer للشجرة، 20 مليوناً لزوم وضع التصاميم للشجرة، 20 مليوناً لزوم ألعاب نارية أمام الشجرة، 11 مليوناً و715 ألف قامة عروض نارية وإضاءة مبنى القصر البلدي بالألعاب النارية، 20 مليوناً لتزيين مبنى البلدية، 20 مليوناً لزوم كرنفال بمناسبة الأعياد أمام الشجرة، 20 مليوناً لزوم حفل استقبال بمناسبة الأعياد، 20 مليوناً لإقامة حفل عشاء بمناسبة الميلاد، 12 مليوناً للقرية الميلادية، 10 ملايين لاستئجار آليات لزوم الكرنفال الميلادي، 7 ملايين ونصف لشراء هدايا للأطفال. كل تلك السلف من أجل الاحتفال بالميلاد، لمدة 10 دقائق خطب خلالها عيتاني والحريري، ثم غادرا برفقة ضارب الطبل.






مزراب المهرجانات

إلى جانب مزاريب الهدر الكثيرة في بلدية بيروت، مزراب يسمى دعم المهرجانات وبعضها ينظمه سياسيون يترشحون في بيروت. هنا عينة أخرى عن مشاريع وإنجازات بلدية بيروت، ومثال صغير عن الجهات التي تستفيد من مال البيروتيين العام بدل خصّ العاصمة بمشروع إنمائي ولو صغير. أول قرارات دخول البلدية الجديدة إلى القصر، رعاية لمهرجان تنظمه جمعية «عيش الأشرفية» التابعة للوزير ميشال فرعون ومساهمة مالية بقيمة 20 مليون ليرة لتغطية مصاريف المهرجان و20 مليون أخرى لشركة «المؤسسة اللبنانية للإرسال» المنظمة لحفل «عيش الأشرفية». الجمعية نفسها حصلت أخيراً على 150 مليون ليرة لبنانية من المجلس البلدي لرعاية مهرجانها الفني الذي تقيمه في ساحة ساسين يوم 17 و18 حزيران بمناسبة «عيد الموسيقى». والحق يقال إن المساهمات التي نالتها جمعية «عيش الأشرفية» لا تقارن بالدعم الذي حصلت عليه جمعية السيدة لمى سلام، زوجة رئيس الحكومة السابق تمام سلام، من أجل المساهمة في إنجاح مهرجاناتها بعد عيد الفطر. فقد وافقت البلدية على المساهمة بقيمة مليون دولار. وكان سبق للبلدية التي يرأسها عيتاني في العام الماضي أن دعمت الماراثون الذي تجريه سنوياً السيدة مي الخليل بقيمة 75 مليون ليرة فيما الفضيحة الأكبر هي في المصاريف التي تكبدتها على مؤتمر «Vivre Ensemble» (العيش معاً) المنظّم من قبل «الجمعية العالمية لرؤساء البلديات الفرنكوفونية»، مبرّرة ذلك بما سيعود به من «منفعة على الدولة اللبنانية وعلى مدينة بيروت». رغم أن أي منفعة لم تظهر وفق ما كان يصبو إليه المؤتمر من «تعليم المشاركين الأسس الرئيسية لبناء مدينة». والحصيلة مليار و48 مليون ليرة من أجل مؤتمر لا يفيد اقتصادياً ولا اجتماعياً ولا من أيّ ناحية. وإليكم كيف أُنفق المليار: 20 مليون ليرة لأحد الموظفين لاستضافة المؤتمر الذي عُقد في أيلول الماضي لمدة يومين، 83 مليون ليرة لشركة «بي برودكشين» بدل تكاليف حفل عشاء على شرف رؤساء البلديات الأجانب في البيال، و46 مليوناً أخرى لاتفاق بالتراضي مع الشركة ذاتها لتأمين تجهيزات وخدمات الحفل خلال مأدبة العشاء! 20 مليوناً لزوم استئجار سيارات لتأمين نقل رؤساء البلديات، 20 مليوناً بدل سيارات أجرة عادية، 20 مليوناً لشراء المطبوعات، 20 مليوناً لشراء هدايا.
ولأن البلدية تبدي اهتماماً استثنائياً بالأعياد، قررت في عيد الاستقلال صرف 30 مليون ليرة لجمعية احتفالات بيروت المنظمة له. وذلك دعماً للنشاط الذي أنجزته وقامت فكرته على تمثيل كلّ محافظة من لبنان بعدّائين يتجمعون في ساحة الشهداء حاملين قطعة من خريطة لبنان وينطلقون بها نحو المتحف الوطني اللبناني حيث يتم تجميعها «تأكيداً على وحدتنا وانصهارنا وتكاملنا مهما اختلفت آراؤنا وأفكارنا»!




فايسبوك البلدية لمستشار الحريري

باتت عيوب المجلس البلدي مكشوفة لدرجة لم تعد تنفع كل مساحيق التجميل التي يحاول رئيس البلدية وتيار المستقبل طليها بها. فحتى حين يتعلق الأمر بالمنح الجامعية، تصرّ البلدية على ألّا ترحم أبداً. هكذا تذهب المنح الأربع التي تقدمها سنوياً الجامعة اللبنانية الأميركية إلى أولاد موظفين عاملين في البلدية، أو متعاقدين معها. اثنتان من منح عام 2016-2017 فازت بهما ابنة المهندسة رنده الحوت التي وافق المجلس على طلب تجديد المنحة التعليمية لابنتها للعام الدراسي المقبل 2016-2017. وكذلك الأمر في ما خص طلب التجديد الذي تقدّم به المهندس هشام دارغوث لصالح ابنه. من جهة أخرى غالباً ما يقع خيار البلدية على أشخاص يوالون تيار المستقبل ومقاولين نافذين يدخلون ضمن الشبكة الضيقة لمجلس الإنماء والإعمار. لذلك عقدت اتفاقاً بالتراضي مع السيد وائل يمن لتولي صفحتها على مواقع التواصل الاجتماعي. و«يصدف» أن يمن مستشار الرئيس الحريري كما تيار المستقبل والنادي الرياضي في كلّ ما يخص العالم الافتراضي. رغم ذلك، فإن البلدية قررت عقد اتفاق بالتراضي مع شركة إعلامية للاهتمام بكلّ شؤون المجلس البلدي، بقيمة تتجاوز 260 ألف دولار.
وفيما كان الرئيس جمال عيتاني يعد بإقامة عشرات مواقف السيارات في طول العاصمة وعرضها، تستأجر البلدية عقارات من «سوليدير» لاستعمالها كموقف لسيارات أعضاء المجلس البلدي (الذين لا يحضرون إلا ساعة أسبوعياً)، وعقارات أخرى لباقي الموظفين. كذلك تتكفل «سوليدير» ببيع المجلس خدمة الانترنت السريع بقيمة 1500$ شهرياً، علماً أن أحداً لا يعرف إن كانت «سوليدير» تدفع الرسوم البلدية المتوجبة عليها أم تستمر في سياسة التهرّب منذ سنوات.




سلف بـ20 مليوناً... ومحرقة

يصعب الوقوع على أيّ محضر للمجلس البلدي لا يتخلّله صرف سلف بقيمة 20 مليون ليرة لموظف يسميه المحافظ أحياناً، وتسميه البلدية أحياناً أخرى. ويبدو أن الـ20 مليوناً هو السقف المسموح للبلدية بصرفه من دون العودة إلى أحد، لذلك تعتمد هذا المبلغ. وغالباً ما تتردّد أسماء تُكلّف بمهام مختلفة وتُصرف لها سلف متعددة، وغالبيتها من المهندسين العاملين في البلدية الذين يُكلّفون بمهام متعددة، منها على سبيل المثال: تأمين سلامة الكورنيش البحري، شراء شتول لوضعها في الطابق الثاني من مبنى البلدية (بعشرين مليون ليرة!)، تنظيف عقار، نفقات إعلامية و... معالجة بعض أشجار حرج بيروت وغيرها الكثير. ففضلاً عن دفع البلدية لأكثر من ثلاث شركات مبالغ يلامس كلّ منها الـ 20 مليون ليرة لمعالجة الأشجار وقطع أكعابها المصابة وتشحيل حرج بيروت وصيانته، منحت أكثر من خمسة موظفين سلفاً كلّ منها بقيمة 20 مليوناً لمعالجة أشجار الحرج. وتُظهر تفاصيل هذه القرارات عشوائية عمل المجلس البلدي لمواجهة مرض أشجار الحرج. فتارة تُمنح الأموال لشركة، وطوراً لشركة أخرى، ثم يعود المجلس إلى موظفيه، بلا خطة واضحة للحفاظ على الحرج الذي استكمل مجلس جمال عيتاني ما بدأه أسلافه، وأدى إلى انخفاض مساحته العامة إلى الثلث.
«الاهتمام» بالبيئة لا يقتصر على الحرج. فالبلدية، كما رئيس الحكومة، تسوّق لمشروع «التفكك الحراري» لمعالجة نفايات العاصمة، فيما الحقيقة أن ما يُحضّر لبيروت ليس سوى «محرقة». وقد وافق المجلس البلدي على وضعها في منطقة الكرنتينا في بيروت. وقرار المجلس البلدي رقم 595 بتاريخ 25/10/2016 القاضي بالموافقة على خطة التخلّص من النفايات المنزليّة الصلبة في مدينة بيروت (التي أعدّها كلّ من الاستشاري Ramboll والبرنامج الإنمائي للأمم المتحدة ــ UNDP) وهي واضحة في مراحلها التي تنتهي بالحرق: فرز النفايات من المصدر، فرز النفايات عند تسلّمها في المصنع، معالجة النفايات، حرق النفايات. وحدّث ولا حرج هنا عمّا ستؤول إليه الأوضاع في ظلّ مضاعفة التلوث البصري والهوائي والسمعي في المدينة التي لا ينقصها تلوث أصلاً، حيث ستُحرق إلى جانب نفايات بيروت، نفايات المتن الشمالي والجنوبي.




عقود بالتراضي

كان يمكن لبلدية بيروت التزام الخطوات القانونية في مسائل تتعلق بعقود مع الشركات والمقاولين خصوصاً أن الحاجة غير ملحّة ويمكن اتباع الإجراءات القانونية الروتينية، إلا أنها غالباً ما تعمد إلى عقد اتفاقات بالتراضي، لأسباب مجهولة. في ما يلي عينة صغيرة عن الاتفاقات بالتراضي وقيمتها: اتفاق بالتراضي، بقيمة مليونين ونصف مليون دولار مع مكتب المهندس عبد الواحد شهاب للهندسة والمقاولات العامة لوضع الدراسات الهندسية والقيام بالإشراف على تنفيذ مشروع سوق للخضار والفاكهة بالمفرّق لمدينة بيروت. اتفاق بالتراضي، بقيمة مليون دولار، مع شركة Mott MacDonald Limited (القرار رقم 247 بتاريخ 23/3/2017) للقيام بإعداد الدراسات والتصاميم الأوليّة ووضع الحلول المناسبة لتأمين التيار الكهربائي 24/24 في العاصمة، وتحضير دفتر الشروط والمستندات اللازمة لتلزيم هذا المشروع والإشراف على التنفيذ (وهذا المشروع لا علاقة له بالمشروع المطروح على مجلس الوزراء كخطة طوارئ لتحسين وضع قطاع الكهرباء في كافة المناطق اللبنانية). كذلك عقدت البلدية بداية العام الجاري اتفاقاً بالتراضي (القرار رقم 88)، بقيمة 971 ألف دولار، مع الاستشاري Sitram-Debs المعدّل، لإعداد الدراسات التنفيذية ودفاتر الشروط الخاصة والمفصّلة لتلزيم مشروع التنقل السلس بالإضافة إلى الإشراف على التنفيذ.







توظيف مقنّع

الجولة على قرارات المجلس البلدي ما بين تاريخ تسلمه في حزيران 2016 وصولاً إلى يومنا هذا يقود دائماً إلى اسم شركة E.C.T التي تفوز بالعرض الأدنى لكلّ خدمات التنظيف وما شابه في بيروت. واللافت أن كلّ العقود تلتزم سقف العشرين مليون ليرة وتزيد وتنقص من دون مبرر. فيمكن أن تحصل على العقد نفسه مرة بـ 18 مليون ليرة ومرة بعشرين. والشركة هذه تفوز بعقد كل شهرين لصيانة حرج بيروت، لتأمين أعمال النكش والتعشيب في وسطيات العاصمة، لتأهيل حمامات دير مار نقولا، لتقديم يد عاملة لزوم حمامات الكورنيش البحري، لتولي أعمال النظافة في مبنى القصر البلدي، لتقديم يد عاملة لزوم ملاعب قصقص، لتقديم يد عاملة لمصلحة أمانة المجلس البلدي، لتعشيب وتشحيل غازون حرج بيروت، لتقديم وتركيب مسامير عاكسة للضوء في بعض شوارع بيروت، لتقديم يد عاملة من أجل تنظيم ومكننة أرشيف وسواه من الأعمال الإدارية لزوم مصلحة المسالخ، تقديم يد عاملة لمصلحة الشؤون الإدارية، لإزالة عوائق في شوارع العاصمة وغيرها الكثير. واللافت أن هذه الشركة تفوز بعدة عقود في آن وفي مختلف المجالات، فيما توضح مصادر بلدية أن ما يحصل ليس سوى «توظيف مقنع» ليكسب عدد من العمال راتباً شهرياً إضافياً من البلدية مقابل أعمال بلا رقابة.