في الوقت الذي تشتد فيه حرارة المعارك على عدد من جبهات مناطق «تخفيف التوتر»، كما في شرق دمشق ودرعا، دفعت أنقرة بتعزيزات عسكرية «كبيرة» ضمن المناطق التي سيطرت عليها خلال عملية «درع الفرات»، في ما يبدو أنه تحضير لتصعيد جديد ضد الأكراد في محيط أعزاز ومارع في شمال حلب، وغرباً نحو عفرين.
وبالتوازي مع المشهد الميداني الساخن الذي يستبق اجتماعات أستانا وجنيف، بدا لافتاً تصريح الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، حول تخلّي بلاده عن مطلب «إزاحة» الرئيس السوري بشار الأسد، وعدم رؤيتها لبديل «شرعيّ» له. ويبدو موقف ماكرون، بالمقارنة مع مواقف الإدارة الفرنسية السابقة، على أنه تحوّل تجاه قراءة باريس للملف السوري، غير أن منعكسات هذا الموقف قد تجد صداها في الداخل الفرنسي، لا على الأرض السورية. فالرئيس الذي دعمت بلاده المعارضة السورية والأكراد على حد سواء، لم يتجاوز سقف التصريحات الأميركية حول الملف السوري، إذ يشابه موقفه ما خرج عن إدارة الرئيس دونالد ترامب، قبل أيام على توجيه قواتها العسكرية، ضربة صاروخية ضد قاعدة جويّة سورية.
ويمكن قراءة الموقف الفرنسي من بوابة البحث عن مقعد مؤثّر على طاولة الحوار السورية، وعلى موطئ قدم ثابت على الأرض في «الحرب ضد الإرهاب». إذ تتمتع باريس بعلاقات جيّدة مع الأحزاب الكردية المهيمنة على مشهد الشمال السوري، إلى جانب رصيدها المتراكم مع قوى المعارضة ذات الطابع الإسلامي، بمن فيها قادة عسكريون لعدد من فصائل المعارضة المسلحة. كذلك إن الحديث عن تقاطع الأولويات مع موسكو ــ في الملف السوري ــ يخوّلها التفرغ لقضايا عالقة أخرى بين الأوروبيين وجارتهم الشرقية روسيا.
ولذلك، لا يمكن التعويل على أية خطوات فرنسية «غير متوقعة» تجاه دمشق، وهو ما بدا من كلام ماكرون (وفق ما نقلته وكالة «رويترز») عن أن «الأسد ليس عدوّاً لفرنسا، ولكنه عدوّ للشعب السوري»، وأن أولوية بلاده هي الالتزام التام بمحاربة الجماعات الإرهابية وضمان ألا تصبح سوريا «دولة فاشلة». كذلك أعرب في مقابلة مع ثماني صحف أوروبية، عن قناعته بأن «هناك حاجة لخريطة طريق دبلوماسية وسياسية (في سوريا). ولن نحل هذا بالطريقة العسكرية وحدها». ولفت إلى إمكانية العمل مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لمحاربة الإرهاب، مضيفاً في الوقت نفسه أن «استخدام الأسلحة الكيميائية في سوريا، سيقابل برد بما في ذلك من فرنسا وحدها. وفرنسا تتفق بالكامل مع الولايات المتحدة في ذلك».

شدد ماكرون
على إمكانية العمل مع بوتين على مكافحة الإرهاب

وبالتوازي، وصلت تعزيزات عسكرية إلى وحدات الجيش التركي على الحدود في ولاية كليس. وتضمنت قافلة التعزيزات 11 عربة عسكرية، بينها 4 شاحنات محمّلة بالمدافع. ونقلت مصادر معارضة وكردية أن تلك التعزيزات لم تتوقف عند الحدود، بل عبرت نحو بلدة أعزاز، وتوزعت على طول نقاط التماس مع «وحدات حماية الشعب» الكردية. وأشارت تلك المصادر إلى أن هذه التطورات تأتي بعد فشل مقترح «بوساطة أميركية» لتسليم «الوحدات» لعدد من بلدات ريف حلب الشمالي إلى فصائل «درع الفرات»، من دون تأكيد تلك المعلومات من مصادر رسمية.
وعلى صعيد آخر، صعّد الجيش السوري من تحركه شرق دمشق، فارضاً عزلاً نارياً بين حي جوبر والغوطة الشرقية، بالتزامن مع تقدم مشابه ضمن القرى الواقعة على الخط الواصل بين العاصمة والجنوب السوري. حي جوبر المعزول عن دمشق منذ مدة، عاد هدفاً لعمليات انطلقت عبر 4 محاور داخل الحي. هجوم الجيش استمر بثبات على محاور طيبة والمناشر ومجمع البشائر وحي ميسلون، وسط تغطية مدفعية وصاروخية استهدفت مواقع انتشار مسلحي «فيلق الرحمن» داخل الحي. وأدى الهجوم إلى سيطرة الجيش على كتل سكنية عدة في محيط جامع غزوة بدر. وتستمر العملية في ظل كثافة نارية تمهيدية تشل حركة المسلحين وتهدد دفاعاتهم في مواقعهم في جوبر وعين ترما المجاورة. ووفق المصادر الميدانية، فإن العمليات اشتملت على جبهة خامسة، عبر التقدم على محور الكباس ــ عين ترما، ما أدى إلى اجتياز وادي عين ترما الذي يمرّ عبره نهر بردى. وتقدر المصادر مسافة تقدم الجيش في عمق عين ترما بـ 700 متر، وهو ما أفضى إلى إشراف الجيش على مراكز المسلحين في أسواق الخير، التي كانت سابقاً عصباً اقتصادياً مهماً لأهالي عين ترما.
القوات السورية تمكنت من الإطباق على منطقة أسواق الخير، من الجهتين، وذلك بالتزامن مع السيطرة على «مدرسة السواقة» داخل البلدة. وترى المصادر أن الجيش تمكن بهذا التقدم من الفصل الناري بين حي جوبر وعين ترما، ما قد يرشح خلال الأيام القادمة عن تطورات إيجابية لمصلحة الجيش. ويأتي ذلك بعد السيطرة على فتحات الأنفاق في شارع الجسر، التي تربط عين ترما بجوبر.
وفي الجنوب السوري، يتابع الجيش عملياته على عدد من الجبهات، غربي درعا البلد، والمخيم، وبلدة النعيمة. ويهدف التحرك على جبهة النعيمة إلى التوجه شرقاً نحو مفرق بلدة صيدا، على الأوتوستراد الدولي الذي يتجه جنوباً نحو معبر نصيب الحدودي. أما على جبهة المخيم، فيرى مصدر ميداني أن التقدم في عمق الحي سيسرّع من النتائج الإيجابية لتحركات الجيش في المنطقة، إذ لا يفصل القوات السورية عن السيطرة على كامل المخيم سوى 800 متر فقط. وتوضح المصادر أن معبر نصيب هو أحد أهداف العمليات، موضحة أن هناك جهداً للتقدم باتجاهه انطلاقاً من قرية ذيبين التابعة للسويداء والمحاذية للحدود الأردنية.