لم يعد الخلاف بين السعودية وحركة «حماس» خفيّاً كما كان في السنوات الأخيرة. أكبر فصيل فلسطيني مقاوم أصبح بالنسبة إلى الرياض «تنظيماً إرهابياً»، يجب مواجهته. في الأعوام الماضية، صعّدت السعودية مواجهتها مع «حماس»، فمنعتها من جمع التبرعات على أراضيها، واعتقلت أحد قادتها، فيما نشرت صحيفة «الشرق الأوسط» تسجيلاً صوتياً لنائب رئيس المكتب السياسي السابق موسى أبو مرزوق، هاجم فيه إيران، في الوقت الذي كانت تُقام فيه اتصالات بين الطرفين لتحضير لقاء لقيادات الحركة في طهران.
التصعيد السعودي حينذاك قابلته «ديبلوماسية حمساوية»، فالحركة رغم الهجوم عليها، لم تُرد قطع «شعرة معاوية» كلياً مع الرياض، لذا كانت بيانات الرد على المملكة لطيفة وهادئة مقارنة ببيانات فصائل المقاومة الأخرى.
لكن، بعد قمة الرياض التي وضع فيها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، «حماس» و«حزب الله» في الخانة نفسها مع «داعش» و«القاعدة»، أدركت الحركة أنها مقبلة على مرحلة جديدة من التصعيد. بعدها بأيام، طلبت قطر رحيل قيادات من «حماس» عن أراضيها، ووفق مصادر لبنانية وفلسطينية متقاطعة، ستستقر تلك القيادات «في لبنان».
وقالت مصادر لبنانية إن «بيروت دائماً كانت من العواصم الأولى المرشحة لاستقبال المقاومين». وأضافت: «حتى أنّ القيادي أبو مرزوق (الذي وصل بيروت أول من أمس في زيارة) فكّر في مرحلة ما في الاستقرار في لبنان».
والجدير بالذكر أنّ وزير الأمن الإسرائيلي أفيغدور ليبرمان، أعلن أمس، أن القيادي في الحركة صالح العاروري، وصل إلى لبنان، وطالب الأميركيين بالضغط على بيروت لطرده.
حالياً، تعيش «حماس» تحت ضغوط يمارسها عليها أكثر من طرف عربي، إذ إن زيارة قيادة المكتب السياسي في غزة لمصر بداية الأسبوع الجاري، تزامنت مع الحصار الخليجي على دولة قطر والهجوم على «الإخوان المسلمين»، ثم جاء بعد أيام قليلة ضمن الحملة على قطر تحريض ليبي من الطرف المحسوب على الإمارات ومصر على «حماس».
ووفق مصادر في الحركة، فإن «زيارة الوفد لمصر (ضمّ يحيى السنوار، خليل الحية، مروان عيسى، توفيق أبو نعيم، وقياديين اثنين من القسام)، كان مخططاً لها مسبقاً، لكن المصريين استدعوا الوفد مع بداية الهجوم على الدوحة». وأضافت: «لم تكن الاجتماعات إيجابية، فالجانب المصري طالب الحركة بالانحناء أمام المتغيرات الآتية إلى المنطقة، خصوصاً أن عملية التسوية السلمية ستنطلق قريباً».
وتابعت: «المصريون قالوا إنّ الهجوم سيشتد على قطر أكثر، والهدف منه هو إعادة ترتيب البيت الداخلي، لذلك المطلوب من الحركة الابتعاد عن الدوحة». كذلك لمّحت القاهرة إلى أنه لا يُنصح بأي زيارة «حمساوية» للإمارة الخليجية في الوقت الحالي، «لأنها ستجلب المشكلات لكم»، وهو ما دفع خليل الحية، إلى القول: «نحن حرصاء على عدم الاصطفاف مع أحد ضد أحد، ومعنيون بتوحيد الأمة على قضية شعبنا، ومقاومتنا بوصلتها ستبقى موجهة ضد الاحتلال».
وصلت حدة النقاشات مع الجانب المصري إلى درجة شعر فيها «أعضاء الوفد بأن القاهرة تسعى إلى ترويض الحركة»، خاصة أن المصريين وفق مطلعين على اللقاءات، هددوا «حماس» بشأن إعادة علاقتها مع إيران، بالقول: «الآتي سيكون صعباً ولن يسرّكم». رغم سوداوية المشهد، اتفق الجانبان على نقاط عدة لجهة تحسين العمل على معبر رفح مقابل شروط مصرية يجب على الحركة تنفيذها.
من جهة أخرى، ثمة لـ«الحمساويين» قراءتهم للتطورات الجارية في المنطقة، فهم يرون أن «الدول الخليجية تنوي إعادة ترتيب بيتها الداخلي، ومحاصرة أي جهة ممكن أن تكون خارج السرب». وبذلك، فإن «أي توجه لتسوية إقليمية أو عمل عسكري بغطاء عربي يحتمل أن يستهدف المقاومة في لبنان أو فلسطين أو إيران، لا يجب أن يلقى معارضة من أي دولة خليجية».

بيروت دائماً من العواصم الأولى المرشحة لاستقبال المقاومين


وتعتقد الحركة أن حملة شيطنتها وربطها بالتنظيمات الإرهابية بدأت مع من تصريحات وزير الخارجية السعودي، عادل الجبير، وصولاً إلى اتهام الحكومة الليبية (الشرق) «كتائب الشهيد عز الدين القسام» بتدريب المعارضين على «استخدام العبوات الناسفة ضدها»، ما يهدف إلى «تبرير أي عدوان إسرائيلي عليها».
على الصعيد السياسي، ترى الحركة أن المرحلة المقبلة ستشهد إعادة إحياء المفاوضات، خصوصاً مع قبول رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، التفاوض المباشر مع إسرائيل «من دون أي شروط مسبقة، مثل وقف الاستيطان». وتقول المصادر إنّ «الأيام المقبلة ستشهد تضييقاً على المقاومة في لبنان وفلسطين، لأن المحور السعودي لا يريد أصواتاً معارضة لأي تسوية إقليمية مقبلة».
«حماس» اليوم هي «ضحية الصراع بين السلفية الوهابية المتمثلة بالسعودية، وبين الإخوان المسلمين المتمثلين بدولة قطر، وبرغم محاولة الحركة الابتعاد عن الإخوان، فإنّ الدول العربية لم تقتنع بذلك»، تضيف مصادر رفيعة. لذلك، نتيجة مواقف الرياض العدائية، اتخذت «حماس قراراً بقطع العلاقة مع السعودية، وتصعيد المواجهة الإعلامية معها».
حتى على الصعيد الداخلي، لم تترك حركة «فتح» رغم تجنبها التعليق على الأزمة الخليجية ككل، حركة «حماس»، من دون توجيه موقف ضدها، قائلة أمس إن على الأخيرة «وقف التدخل بالشؤون الداخلية للدول العربية الشقيقة... وبالصراعات الداخلية التي تدور داخل هذه الدول».
في إطار متصل، وبعد يوم من جولة السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي، على «مستوطنات غلاف غزة»، كتبت صفحة «المنسق الإسرائيلي» الرسمية أن «وكالة غوث وتشغيل الللاجئين ــ الأونروا» أبلغت إسرائيل بأنها اكتشفت نفقاً لـ«حماس» تحت مدرسة تابعة لها في القطاع، وذلك في الأول من الشهر الجاري، مشيرةً إلى المدرسة بالاسم (مدرسة ذكور المغازي الإعدادية «ب») وسط القطاع.




شهيد في غزة على الحدود

بجانب التحريض المتواصل على غزة من أطراف داخلية وإقليمية، تشهد حدود القطاع منذ نحو ثلاثة أسابيع تظاهرات شعبية في أيام الجمعة تحت عنوان «نذير الغضب» لرفض استمرار الحصار، واستشهد خلال إحدى المسيرات يوم أمس شاب، وأصيب أكثر من عشرة آخرين.
كذلك لمّحت وسائل إعلام إسرائيلية إلى أن الجيش الإسرائيلي «متخوف من عرقلة حماس بناء الجدار الإسمنتي الأرضي على حدود القطاع لمحاربة الأنفاق».
(الأخبار)