بعد مرور 3 أيام على بلوغ الأزمة بين السعودية والإمارات من جهة، وقطر من جهة ثانية، ذروتها، تبدو فرص نزع فتيل الانفجار ضئيلة إلى حد كبير. إذ إنه، على الرغم من تواصل الجولة المكوكية لأمير الكويت على عواصم المشيخات الخليجية، ظلت المواقف السعودية والإماراتية تتخذ مساراً تصاعدياً دونما أي إشارة إلى نية تهدئة أو بادرة ليونة.
وفيما حافظ الموقف الأميركي على مراوحته بين دعوات «مائعة» إلى التهدئة ورسائل واضحة بنية واشنطن تسعير الخلاف والاستثمار فيه، برز تطور لافت في الموقف التركي أوحى باحتمالية توسع دائرة النزاع الخليجي، ونشوء اصطفافات إقليمية خلف أطرافه، ستكون لها، بلا شك، تداعياتها، في حال بلوغ «الحرب» المندلعة على الدوحة مستويات أكثر دراماتيكية.
ووصل أمير الكويت، صباح الأحمد الجابر الصباح أمس، إلى الدوحة، قادماً من مدينة دبي الإماراتية، حيث كان التقى ولي عهد أبو ظبي، محمد بن زايد. جاء ذلك بعدما اجتمع الصباح بوزير الشؤون الخارجية العماني، يوسف بن علوي، الذي يزور الكويت حالياً للمشاركة في أعمال الدورة الثامنة للجنة المشتركة العليا الكويتية العمانية. وكان أمير الكويت قد اختتم، أول من أمس، زيارة قصيرة للسعودية، لم يرشح عنها أي معلومات بخصوص الوساطة التي يقودها لحلحلة الخلاف مع قطر.

وافق البرلمان التركي على مشروع قانون يتيح نشر قوات في قطر

لكن بحسب معطيات الساعات الأخيرة، من غير المرجح أن تفضي التحركات الكويتية إلى نتيجة إيجابية، خصوصاً أن وزير الشؤون الخارجية الإماراتية، أنور قرقاش، تعمد التقليل من شأنها، قائلاً إن «الوساطة التقليدية لن تنفع في حل الأزمة الحالية... حيث سبق وتمت تجربتها، وتعهدت قطر بالتزامات لم تفِ بها في ما بعد»، مشدداً على أن «الوساطة الجادة تحتاج إلى إشارة من قطر بإحداث تغيير جاد في سياستها الخارجية». ونفى قرقاش نية الرياض وأبو ظبي تغيير النظام القطري، موضحاً «(أننا) نريد نهجاً حاسماً في التعامل مع تمويل الإرهاب. نعرف أساسيات التعامل مع الإرهاب. وأحد هذه الأساسيات هو: لا تطعموا التماسيح».
وهدد الوزير الإماراتي بـ«اتخاذ إجراءات أخرى ضد قطر»، داعياً إلى عدم «السماح لإيران باستغلال الشقاق غير المسبوق بين دول الخليج العربية». سعودياً، ردّ وزير الخارجية، عادل الجبير، على إعلان عدد من الدول استعدادها للتدخل لحل الأزمة بقوله: إن «دول الخليج لم تطلب وساطة من أي طرف»، مضيفاً: «(إننا) نؤمن بإمكانية التعامل مع المسألة في إطار مجلس التعاون الخليجي». ونفى الجبير، في كلمة بالعاصمة الألمانية برلين، وجود «محفز محدد» لقرار قطع العلاقات مع قطر، مستدركاً بأن «هناك قائمة طويلة من الشكاوى».
على خط موازٍ، وغداة تصريحاته التي سبّبت صدمة لكثيرين، وأسهمت في خلط أوراق الأزمة الخليجية، أجرى الرئيس الأميركي دونالد ترامب، اتصالاً هاتفياً بأمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني. وقالت قناة «الجزيرة» إن ترامب أبلغ تميم بـ«استعداد واشنطن للمشاركة في مساعي حل الأزمة الخليجية». وكان ترامب قد أجرى اتصالاً مماثلاً بالملك السعودي سلمان بن عبد العزيز، أعرب فيه عن تطلعاته إلى «تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة».
وفي قبالة «اللعِب» الأميركي، واصل الجانب القطري محاولاته للعب دور الضحية، ومساعيه لـ«تبييض صفحته» لدى واشنطن. ورفض وزير الخارجية القطري، محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في تصريح صحافي، الاتهامات الموجهة إلى بلاده بـ«دعم الإرهاب»، مدافعاً بأن قطر «تكافح تمويل الإرهاب، وتُسهم في حماية العالم من الإرهابيين المحتملين». وفي معرض التعليق على التغريدات الأخيرة لترامب، لفت آل ثاني إلى أن «هناك تقارير عدة أصدرتها وكالات رسمية في الولايات المتحدة، أشادت وأثنت على دور قطر في مكافحة تمويل الإرهاب».
في غضون ذلك، وصلت إلى الدوحة القوات المسلحة القطرية التي كانت مشاركة في عمليات تحالف العدوان على اليمن، بعد الاستغناء عنها بقرار سعودي إماراتي، فيما بدأت ما تسمى «اللجنة الوطنية القطرية لحقوق الإنسان» تحركات للرد على إجراءات الرياض وأبو ظبي والبحرين بحق الرعايا القطريين في الدول الثلاث. وعقد رئيس اللجنة، علي بن صميخ المري، مؤتمراً صحافياً رأى فيه «(أننا) انتقلنا من قطع العلاقات الدبلوماسية إلى حصار منافٍ للمواثيق الدولية، ليس فقط على القطريين، ولكن أيضاً على مواطني دول مجلس التعاون الخليجي». تصريحات وتحركات «دفاعية» يبدو أنها بدأت تتعدى الجانبين السياسي والإعلامي إلى المجال العسكري، حيث نقلت «سي أن أن»، أمس، عن مصدر أميركي مسؤول أن «قطر وضعت قواتها في أعلى درجات التأهب» في ظل مخاوف من تدخل عسكري محتمل عبر حدودها الجنوبية. وأضاف المصدر أن «الجيش القطري استدعى 16 دبابة من طراز ليوبارد من مخازنه في الدوحة». وزاد المصدر أن «وزارة الدفاع القطرية بعثت رسالة إلى السعودية والإمارات والبحرين، حذرتها فيها من أنها ستطلق النار على أي سفن تدخل مياهها الإقليمية».
هذه المعلومات، في حال صحتها، تفتح الباب على مزيد من التخمينات بإمكانية تطور الخلاف الدبلوماسي الخليجي إلى مواجهة عسكرية، تماماً كما تنبئ بذلك بعض التحركات الإقليمية من قبل جهات، اكتفت، ابتداءً، بإبداء الأسف والدعوة إلى حل الأزمة بالحوار. إذ وافق البرلمان التركي، يوم أمس، على مشروع قانون يتيح نشر قوات في قاعدة عسكرية تركية في قطر. واللافت أن تلك الموافقة أُعلنَت بالتزامن مع زيارة لوزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، لأنقرة، حيث التقى نظيره التركي، مولود جاويش أوغلو، وتباحث معه في «التحولات الجديدة بالمنطقة التي تزعجنا كثيراً».
(الأخبار)