المستقبل لحكم أردوغان. هذا ما اختارته غالبية من نحو 51.4 في المئة من الأتراك، في استفتاء أول من أمس، والذي رأى الرئيس رجب طيب أردوغان أنه «ليس عادياً، وله أهمية كبيرة على اعتبار أنّ الإرادة السياسية المدنيّة تقوم للمرة الأولى بتغيير نظام إدارة البلاد في تاريخ الجمهورية». وكنتيجة للاستفتاء، لا غلوّ في القول ربما إنّ زعيماً جديداً دخل إلى تاريخ الجمهورية التركية، بعدما كان أتاتورك زعيم الجمهورية الأوحد.
ورغم أنّ الفارق في نتيجة الاستفتاء ضعيف، وأنّ «أردوغان سياسي يملك تجربة كافية ليُدرك أنّ هذا الفوز الضعيف لن يتيح له التصرف بالحرية التي كان سيتيحها له الحصول على هامش أوسع»، كما قال رئيس تحرير «حرييت ديلي نيوز» مراد يتكين، فإنّ أردوغان كان عملياً قبل الاستفتاء رئيساً بصلاحيات كثيرة، بحكم النفوذ الواسع والكاريزما التي عرف كيف يحرّك عبرها شارعاً بحجم الشارع التركي. وهو اليوم يكرّس موقعه في صلب مؤسسات الجمهورية.

زار أردوغان ضريح نجم
الدين أربكان وعدداً من
أضرحة السلاطين

«النتائج الضعيفة» تكشف من جهة أخرى أنّ الزعيم الجديد عرف كيف يُعيد تركيا، في خضم الأزمات المحيطة، إلى جوهرها الأناضولي المؤسلَم، وهو الجوهر نفسه الذي كانت قد ارتكزت عليه جمهورية مصطفى كمال أتاتورك. فخريطة النتائج تشير إلى أنّ كل الساحل التركي، إضافة إلى العاصمة أنقرة، والعاصمة التاريخية اسطنبول، هي مناطق بغالبيتها ضد توجهات أردوغان الذي سجل انتصاراً في العمق الاناضولي، بينما كان لافتاً تصويت المحافظات الثلاث (اورفة، غازي عنتاب، وكلس) التي تعدُّ المنطلق الأول للتدخل التركي في سوريا، تأييداً للاستفتاء. وقد ذهب البعض في تفسيرهم إلى القول إنّ «النتيجة كشفت عمق الانقسام بين الطبقة المتوسطة في المدن التي ترى مستقبل البلاد في الإطار الأوروبي، والفقراء المحافظين في الريف الذين يؤيدون قبضة أردوغان القوية».
سياسياً، سارع أكبر حزبين معارضين، «حزب الشعب الجمهوري» و«حزب الشعوب الديموقراطي»، إلى رفض نتيجة الاستفتاء، مندّدين بـ«تلاعب» شابه، وأكدا عزمهما على طلب إعادة احتساب الأصوات. ومساء أمس، تظاهر مئات في شوارع اسطنبول، رفضاً للنتيجة، وهتفوا «جنباً الى جنب ضد الفاشية»، ورفعوا منشورات كُتب عليها: «نحن على حق، اللا ستكسب». وكان لافتاً، كما ذكرت «فرانس برس»، أنه في الشوارع التي عبرها المتظاهرون، كان سكان المنازل يطلون من نوافذهم ويقرعون الطناجر بأدوات المطبخ تضامناً معهم.
ورغم الحراك المعارض، فإنّ أردوغان يبدو ممسكاً أكثر من أي وقت مضى بمفاصل الحكم، وذلك بعدما أحكم قبضته على حزبه الحاكم وعلى الحياة السياسية في تركيا، إلى حدّ خنقها، خاصة بعد محاولة الانقلاب الفاشلة في شهر تموز الماضي. وفي إشارة إلى طبيعة الحياة السياسية وأفقها، فقد قرر مجلس الأمن القومي التركي برئاسة أردوغان، أمس، تمديداً إضافياً لثلاثة أشهر لحالة الطوارئ السارية في البلاد منذ محاولة الانقلاب. وسبق أن مددت حالة الطوارئ مرتين، في تشرين الاول وفي كانون الثاني، بعدما أعلنت في 20 تموز، بعد خمسة أيام من محاولة الانقلاب. وفي خلال تلك الفترة، أوقف أكثر من 47 ألف شخص بموجب حالة الطوارئ، وأقيل عشرات آلاف الموظفين في القطاع العام.
على الصعيد الخارجي، كان بارزاً أمس استمرار تصعيد أردوغان تجاه الدول الأوروبية، وهو الأمر الذي كان قد بنى عليه الرئيس التركي سياسته لتحشيد المقترعين خلال الحملة التحضيرية للاستفتاء. ويمكن القول إنّ خطاب المواجهة مع الغرب تقليدي في الجمهورية التركية، ويرتكز على مبدأ أنّ «تركيا حصن محاصر من قبل القوى الغربية».
وإلى جانب التلويح بالعمل بعقوبة الإعدام المرفوضة بالمقاييس الأوروبية، ذهب الرئيس التركي أمس إلى حدّ التلميح بإمكان إجراء بلاده استفتاءً شعبياً بخصوص مسألة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي نفسها. وقال في خطاب ألقاه أمام تجمع جماهيري حاشد في المجمع الرئاسي في العاصمة أنقرة، إنّ «الاتحاد الاوروبي يمارس سياسة المماطلة في محادثات انضمام تركيا إليه، وقرار الشعب في هذا الصدد سيكون الحكم والفيصل (من خلال استفتاء)». وتابع بالقول إنّ «بريطانيا التي كانت من مؤسّسي الاتحاد الاوروبي بدأت بإجراءات الخروج منه».
وفي حديث إلى «فرانس برس»، قالت المتخصصة في الشؤون التركية في «مدرسة لندن الاقتصادية»، إسراء اوزيوريك، إنه «إذا كان أردوغان يعتقد أن خطابه المعادي لأوروبا يمكن أن يكسبه مزيداً من الشعبية، فإنه سوف يواصل حملته»، فيما توقع الباحث إبراهيم دوغوس أنّ أردوغان «قد يتشدد أكثر في مواقفه بالنسبة إلى بعض المسائل مثل عقوبة الإعدام، بهدف حشد المؤيدين».
وفيما هنّأ الرئيس الأميركي دونالد ترامب أردوغان على فوزه، كانت غالبية دول الاتحاد الاوروبي قد دعت في اليومين الماضيين إلى قيام «أوسع إجماع وطني ممكن» حول الاصلاحات الدستورية التي ستُعدّل تباعاً «في ضوء التزامات تركيا تجاه أوروبا». أما الاوروبيون الذين كانوا يتحفظون منذ البداية على انضمام محتمل لتركيا الى الاتحاد الاوروبي، فطالبوا بوقف مفاوضات الانضمام على غرار وزير الخارجية النمسوي سباستيان كورتز، وزعيم الاشتراكيين في البرلمان الاوروبي جياني بتييلا.
في السياق نفسه، سارعت كلّ من برلين وباريس إلى تحذير أنقرة من تداعيات إعادة العمل بعقوبة الإعدام، ورأى وزير الخارجية الالماني سيغمار غابرييل أن اتخاذ قرار من هذا النوع يعني «انتهاء الحلم الاوروبي» بالنسبة الى تركيا. كذلك رأت باريس أن إجراء استفتاء شعبي حول عقوبة الاعدام سيعتبر نوعاً من «القطيعة مع الالتزامات»التي اتخذتها أنقرة.
وتوقعت المحللة في «مركز السياسة الاوروبية» في بروكسل، أماندا بوس، أنّ العلاقات الصعبة أصلاً بين الاتحاد الاوروبي وتركيا «يمكن أن تصبح أكثر صعوبة». وأضافت أنه «من الواضح أن قرابة الخمسين في المئة ممن اقترعوا لصالح خيار لا، يتوقعون من أوروبا ألا تقطع التزامها بتركيا». وتابعت «قد تكون عملية الانضمام قد ماتت منذ فترة، إلا أن إعلان إنهائها رسمياً ستكون له تداعيات هائلة». وأشارت بوس إلى أنّ «قيام علاقة بين تركيا والاتحاد الاوروبي تكون مقصورة فقط على الاقتصاد والتجارة، سيعني ضربة قاسية جداً للديموقراطيين الاتراك الذين يدعمون تحديث البلاد». بدوره، رأى الدبلوماسي الفرنسي السابق مارك بييريني أنّ «الأمل ضعيف بأن تعود تركيا الى أجواء سياسية واجتماعية هادئة مع نظام متسلط وحالة طوارئ قائمة».
في مقابل ذلك، فإنّ أردوغان ــ زعيم الجمهورية الجديد ــ أكد من خلال خطابه ضد الغرب، ومن خلال جولاته أمس، هويته السياسية. فأول ما قام به غداة الفوز كان زيارة ضريح رئيس الوزراء الراحل نجم الدين أربكان، الذي يُعتبر زعيم الإسلاميين الأتراك. وعقب ذلك، قام بزيارة «ضريح الصحابي أبو أيوب الأنصاري»، كعادة واظب عليها عقب كل انتخابات تشهدها البلاد، على غرار السلاطين العثمانيين غداة توليهم السلطة. أيضاً، زار الرئيس التركي ضريحَي السلطان محمد الفاتح، والسلطان سليم. وجاء ذلك في وقت كان فيه رئيس الوزراء بن علي يلدريم يعلن قائلاً: «ننطلق في طريق جديد بموجب قرار الشعب التركي».
(الأخبار)




تنديد بـ«العقلية الصليبية»

ندّد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بما وصفها «العقلية الصليبية» للغرب، وذلك بعدما انتقد مراقبون الاستفتاء.
وقال أردوغان لأنصاره لدى وصوله إلى العاصمة أنقرة، لرئاسة اجتماع للحكومة، معلقاً على تقييم المراقبين، إنّ «العقلية الصليبية للغرب ولخدامه في الداخل هاجمتنا».
وفي أشدّ انتقاد وجّهه مراقبون أوروبيون لانتخابات تركية، قالت بعثة المراقبين من مجلس أوروبا الذي يضم 47 عضواً، وهو المؤسسة الرائدة في القارة في مجال حقوق الإنسان، إن الاستفتاء لم يجرِ وسط منافسة متكافئة. وقالت البعثة إن الدعم لحملة المؤيدين للتعديلات الدستورية هيمن على التغطية للحملات الانتخابية، وإن اعتقال صحافيين وإغلاق وسائل إعلام منعا إيصال وجهات النظر الأخرى. وقال سيزار فلورين بريدا، وهو رئيس البعثة، «بوجه عام... لم يرق الاستفتاء إلى معايير مجلس أوروبا. الإطار القانوني لم يكن كافياً لإجراء عملية ديموقراطية حقيقية». وأضافت البعثة: رغم أنه لم تكن لدى المراقبين معلومات عن تلاعب فعلي، فإن قرار السلطات الانتخابية، في اللحظات الأخيرة، السماح بفرز أوراق اقتراع غير مختومة، قوّض أحد الضمانات المهمة وتعارض مع القانون الانتخابي.
(رويترز)