في 11 نيسان، كانت «ذاكرة» الفايسبوك حاضرة لتذكير التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية، بأنه في مثل هذا اليوم قبل 5 سنوات وافقا على اعتماد النسبية وفق 15 دائرة. عام 2012، كانا رأس حربة النسبية في اجتماعات اللجنة المُصغّرة المنبثقة من لقاء بكركي حول قانون الانتخاب.
أما اليوم، فسارعا إلى رفض اعتماد النسبية (التي يصفونها بـ«المطلقة»)، بحجة محاربة «الديمقراطية العددية» ولأنها لا تؤمّن «المناصفة» و«التمثيل الحقيقي للمسيحيين». فيما الحقيقة أنّهما يعارضان النسبية لأنها تفتح المجال أمام «الفرافيط» الذين يريد الوزير جبران باسيل أن يمحوهم، وتمنع القوات اللبنانية من تحقيق أهدافها من «اتفاق النوايا»، الذي تريد منه تبييض صفحتها بعد الحرب الأهلية، وتحضير رئيسها سمير جعجع للانتخابات الرئاسية المقبلة، وقبل ذلك الاستفادة من أصوات العونيين في عددٍ كبير من الدوائر. انتخابات نقابة المهندسين قبل أيام، تشهد أنّ القوات لن تتوانى عن «معاقبة» التيار انتخابياً، إن لم يكن لها جسر عبورٍ إلى المناصب.
التقت مصالح الحليفين في الالتفاف على النسبية. وعوضاً عنها، اتفقا على مشروع باسيل المختلط، الذي يُثبت «الستين» ويُفرّغ النسبية من روحيتها، قبل أن يختلفا على «التأهيلي». وفيما كان باسيل يرفض النسبية «المطلقة»، لاقته حملة إلكترونية قواتية تحت وسم «دقّ الخطر». شعارات وصور من زمن الحرب الأهلية، تستعيدها قيادة معراب في كلّ مرة تريد أن تشد عصب جمهورها. نبهت القوات من خطر النسبية، في حين أنّ نائبها جورج عدوان كان من أوائل فاتحي الطريق لهذا «الخطر» في اجتماعات بكركي.
يتذكر أحد المشاركين في لجنة بكركي أنه «كنا نعمل بالتزامن مع عمل اللقاء الأرثوذوكسي، وقد طلب المستقلون أن ينضموا إلى اجتماعاتنا. فتمنينا أن يتمثلوا بالنائب بطرس حرب». لا يوجد محاضر رسمية عن تلك اللقاءات التي فاق عددها العشرين، نزولاً عند رغبة ممثلي الأحزاب المشاركة التي لم تُرد إلزامها بورقة موقعة منها. ولكن وفق الملاحظات التي دونها الحاضرون، «عرضنا كلّ مشاريع القوانين على النقاش، ومنها النظام المختلط الذي اقترحته الهيئة الوطنية للقانون الانتخابي، المعروف بمشروع فؤاد بطرس». سقط هذا الطرح بعد سلسلة من الاجتماعات «لاعتبار جميع القوى أننا توصلنا إلى مرحلة متطورة أكثر، وهي حصر الخيارات بين مشروعين اثنين». المشروع الأول هو «اعتماد النظام الأكثري وتقسيم الدوائر ما بين 52 و54 دائرة. القوات كانت أكثر من عمل على هذا القانون، وقدّمت الكتائب عدداً من التعديلات». أما المشروع الثاني فهو مشروع القانون الذي أعدّه الوزير السابق زياد بارود في أيار 2011 «باعتماد النسبية في 15 دائرة. التيار والقوات كانا أكثر المتحمسين لهذا الخيار والمدافعين عنه. الكتائب كان لديه تحفظات في البداية، ناتجة من أنّ خياره الأول هو اعتماد نظام الصوت الواحد في الدائرة الفردية». إضافة إلى «مخاوف النائب سامي الجميِّل من الربط بين النسبية والعددية». فلعب النائب جورج عدوان «دور الأستاذ، حيث كان يتعين علينا في كلّ اجتماع سماع درس الإستاذ إلى التلميذ». شرح عدوان كيف أنّ النسبية «تؤمن وصول 52 نائباً مسيحياً بأصوات المسيحيين. وأنه لا خطر من الصوت التفضيلي، لأن كل طائفة ستكون معنية بإيصال نوابها». واكب عدوان بحماسه للطرح النسبي، النائب ألان عون والوزير يوسف سعادة. في نهاية المطاف، «قال الجميِّل إنه رغم عدم اقتناعه بالنسبية، لكنه لن يُعارض الإجماع عليها وسيُصوت معها». لذلك، قانون لجنة بكركي «تبنّى النسبية وفق الـ15 دائرة».
تُقسّم الدوائر وتوزع المقاعد وفق النظام النسبي الذي اتُّفق عليه في بكركي من قبل التيار العوني، القوات، المردة والكتائب، إلى 15 دائرة:
عكار؛ طرابلس والمنية ــ الضنية؛ زغرتا وبشري والبترون والكورة؛ بعلبك ــ الهرمل؛ زحلة؛ راشيا ــ البقاع الغربي؛ جبيل وكسروان؛ المتن؛ بعبدا وعاليه؛ الشوف؛ صيدا وجزين والزهراني؛ النبطية ومرجعيون وحاصبيا؛ صور وبنت جبيل؛ بيروت الأولى (الأشرفية، الرميل، المدور المرفأ، الصيفي، الباشورة)؛ بيروت الثانية (رأس بيروت، دار المريسة، ميناء الحصن، زقاق البلاط، المزرعة، المصيطبة).
ما الذي تغيّر لتصبح النسبية خطراً؟ لا شيء. ثمة، ببساطة، من قرر أن يبدأ منذ اليوم التحضير لمعركة الانتخابات الرئاسية المقبلة.