قرار تفريع بعض كليات الجامعة اللبنانية وتشعيبها، أعاد النقاش حول رؤية السلطة السياسية لوظيفة الجامعة. ليس مستغرباً، في ظل مساوئ النظام اللبناني، أن يحظى «التفريع» بتأييد الطلاب وأهاليهم، طالما أن تأمين الحق في التعليم يبقى ناقصاً وتوضع أمامه عوائق كثيرة، في مقدمها عائق الوصول الى مجمّعات مركزية حديثة تؤمن التعليم الجامعي النوعي وتوفّر الوظائف والمنح للطلاب وخدمات السكن والنقل والترفيه وغيرها.
يعتقد الناس أن من حقهم على دولتهم أن تكون لهم كليات في مناطقهم، لكن، إذا سلّمنا جدلاً بالحاجة الى المزيد من الفروع في المناطق في ظل العوائق المقامة، فهل وُفرت لها شروط العمل الأكاديمي؟ بمعنى هل أجريت دراسات جدوى للاختصاصات التي تحتاج إليها الجامعة في مناطق التفريع والتشعيب في بعلبك ــ الهرمل وعكار، فضلاً عن الفروع المنشأة سابقاً في المناطق الاخرى؟ وإذا كان الهدف هو عدم ترك المنطقة مكشوفة للجامعات الخاصة، وهي حجة إدارة الجامعة، فهل يمكن مواجهة هذه الجامعات من دون خطة لتطوير جامعة الـ 70 ألف طالب؟ ألا ينهك هذا القرار موازنة الجامعة لجهة بعثرة الإمكانات الأكاديمية على حساب نوعية التعليم؟ ثم ماذا لو كان القرار تنفيعة لجهات سياسية بهدف التوظيف السياسي والانتخابي؟

الإنماء المتوازن ليس مهمة حصرية للجامعة اللبنانية


تروي مصادر في مجلس الجامعة أنّ «القصة وما فيها» أنّ رئيس الجامعة اللبنانية فؤاد أيوب اكتشف بطريق الصدفة عبر مكتب وزير التربية مروان حمادة أن مجلس الوزراء سيطرح في وقت قريب تخصيص مبلغ 100 مليار ليرة لمنطقة عكار و35 مليار ليرة لمنطقة الهرمل، استجابة للضغط الشعبي والسياسي هناك، من دون أن تكون المبالغ بالضرورة مخصصة للجامعة اللبنانية. حمل أيوب هذا التوجه إلى مجلس الجامعة على خلفية أهمية أن تكون الجامعة الوطنية المستفيد الأول من هذه المبالغ. وطالب أيوب بالموافقة على قرار استحداث اختصاصات جديدة، من دون أن توضع بين أيدي أعضاء المجلس، من عمداء كليات وممثلي أساتذة، أي مستندات أو دراسات جدوى أو استطلاعات ميدانية للاختصاصات والحاجات الأكاديمية والاجتماعية لها.
يذكر أن التفريع يحتاج إلى مرسوم في مجلس الوزراء، أما التشعيب فينال موافقة وزارة التربية فقط.
في مجلس الجامعة، اقتصر الأمر على وضع أسباب موجبة للقرار، منها:
ـ عدد السكان في هاتين المحافظتين يتخطى 25% من عدد سكان لبنان.
ـ تخفيف الآلام والعذاب اليومي في التنقل من القرى النائية إلى زحلة وطرابلس.
ـ مساعدة الشباب ذوي الدخل المحدود على متابعة دراستهم في الجامعة، فغياب الجامعة في عكار يجعلهم يلتحقون بالجيش والقوى الأمنية أو يتركهم عرضة للجهل، ما يزيد المشاكل الاجتماعية.
ـ إيجاد اختصاصات تلبي حاجات التنمية المستدامة في المحافظتين وتحدّ من نزوح المواطنين وتخلق فرص عمل لهم.
ـ ضمان جودة التعليم العالي وتأمين التكنولوجيا الحديثة.
تؤكد المصادر أن مداولات المجلس دامت 4 ساعات، وشهدت نقاشاً واسعاً حول وظيفة الجامعة وما إذا كانت الأموال كافية لهذه الخطوة، ومدى الحاجة إلى الفروع والاختصاصات، وكان الجواب أن البلديات تتبرع ببعض العقارات.
الإنماء المتوازن ليس مهمة حصرية للجامعة اللبنانية، يقول عميد كلية الهندسة رفيق يونس، فالجامعة هي إحدى مؤسسات الوطن ويمكن أن تكون شريكاً للحكومة والقطاع العام في إعداد الخطط الإنمائية وتنفيذها. يعتبر أن ما حصل كان مبادرة سليمة وجيدة من رئيس الجامعة اللبنانية لإشراك الجامعة في إنماء عكار وبعلبك الهرمل، بعدما اتجهت الحكومة نحو إقرار مبلغ مالي في هذا الإطار. ويبقى المطلوب حتماً خطة استراتيجية لتطوير المؤسسة التربوية تتجاوز حدود إقرار المجمعات الجامعية في المحافظات، وخصوصاً أنّ الموازنة الحالية للجامعة هي تشغيلية فقط.
كان الهدف من إنشاء مجمعات جامعية في المناطق، بحسب أستاذة الفيزياء في كلية العلوم وفاء نون، هو جعل الطلاب يخرجون من بوتقتهم المناطقية والطائفية واستحداث اختصاصات محددة تحتاج إليها الجامعة في المناطق مثل الزراعة في البقاع، الهندسة في الشمال والطب في الجنوب، الخ.
لكن على مر التاريخ، أنشئت فروع وشعب إما لأسباب ظرفية نتيجة الحرب الأهلية أو بقرارات سياسية، ما أدى إلى تراجع المستوى التعليمي في الجامعة لمصلحة دكاكين التعليم الخاص. تنفي نون أن يكون التشعيب أو التفريع السابق قد حقق توازناً إنمائياً فعلاً أو حدّ من النزوح، فكلية العلوم خير مثال لجهة تعزيز الفرعين الأول والثاني في الحدث والفنار وإهمال الفروع الأخرى، فطلاب هذه الفروع يضطرون إلى استكمال اختباراتهم التطبيقية الالزامية في الفرعين «الاساسيين» كي ينالوا شهادتهم، وهم لا يجتازون بنجاح اختبارات كلية الطب.
اللافت ما تقوله نون لجهة أنّها تتمسك بالتدريس في فروع المناطق، وإن كانت أستاذة متفرغة في الفرع الأول، لنقل الخبرة إلى هذه المناطق وتوحيد المستويات على صعيد أداء الطلاب والأساتذة. تقول نون إنها خطة ممنهجة لتدمير الجامعة عبر تشعيبها سياسياً، وكان الأولى أن تصرف المبالغ المرصودة، والتي لا تكفي بالمناسبة لإنشاء مبنى جامعة، لتحسين الكليات المترهلة الموجودة في المناطق والتي يمكن أن تسقط على رؤوس من فيها بين ليلة وضحاها.
المفارقة، بحسب نون، هي أن الجامعة اللبنانية التي من ضمن مهماتها إجراء الأبحاث والدراسات والتخطيط من أجل النهوض بالمجتمع، هي نفسها تفتقر إلى دراسة أكاديمية في ما يخص استحداث فروع تابعة لها.

* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]




الفروع الجديدة

في عكار، وافق مجلس الجامعة اللبنانية على إنشاء شعبة لكلية العلوم (فيزياء، كيمياء، بيولوجيا ومعلوماتية). واستحدث كلية جديدة هي كلية العلوم البحرية (علوم الملاحة البحرية، قبطان بحري، مهندس بحري، بحار وعلوم الأحياء البحرية). وأنشأ فرعاً للمعهد الجامعي للتكنولوجيا (هندسة مدنية، هندسة صناعات غذائية، هندسة صناعية ومعلوماتية وإدارية) وفرعاً لكلية الصحة (التمريض والمختبر) وفرعاً لكلية الزراعة ( طب بيطري وهندسة زراعية) وفرعاً لكلية التربية. أما في بعلبك - الهرمل فتضم شعبة كلية العلوم فيزياء، كيمياء، بيولوجيا ومعلوماتية، وفرع المعهد الجامعي للتكنولوجيا (هندسة مدنية، هندسة صناعات غذائية، هندسة صناعية ومعلوماتية وإدارية) وفرع كلية الصحة (تمريض ومختبر) وفرع كلية الزراعة (طب بيطري وهندسة زراعية) وفرع لكلية التربية. وأكد مجلس الجامعة قراراً سابقاً بإنشاء مجمع ادة في جبيل ويضم فروعاً لكليات السياحة والتربية ومعهد التكنولوجيا.