هناك مقاربة إعلامية، سطحية جداً، تعتقد أنها تسيء إلى حزب الله، عندما تتحدث عن تنسيق روسي ــ إسرائيلي، أو عدم تصدّ روسي للطائرات الحربية الإسرائيلية، التي تشن غارات على الأراضي السورية، وتستهدف ما تقول إنها أسلحة نوعية في طريقها إلى حزب الله في لبنان.
هذه المرة، دخل الإسرائيلي نفسه على الخط، عبر تصريحات ومواقف شبيهة، من بينها تصريح الوزير الإسرائيلي زئيف الكين، من أن موسكو ستسمح لإسرائيل بالتحليق بحرية تامة في المجال الجوي السوري، في ما يخص متابعة نشاطات حزب الله، وشدد على أن الروس «يسمحون لنا بعمل ما هو مطلوب».
في هذا الإطار، هناك مجموعة حقائق يجب تثبيتها من جديد، ويجب أن تكون حاضرة لدى أي مقاربة لأي فعل أو مقاربة إسرائيلية تجاه الساحة السورية، من بينها، بطبيعة الحال، الغارات التي تشنها من حين إلى آخر، وأحاديث وتحليلات التنسيق بين روسيا وإسرائيل، وأيضاً التصريحات والتعبيرات الإسرائيلية التي تعرض مصالحها كما تراها، في سوريا الحالية أو المستقبلية.

ليس هناك وهم حول العلاقات الخاصة بين موسكو وتل أبيب


التدخل العسكري الروسي المباشر في سوريا، جاء على خلفية دعم الدولة السورية، وبالمعيّة، دعم حلفاء الدولة السورية عبر تثبيت موقفها وصمودها في وجه أعدائها. هذا التدخل، جاء على قاعدة تقاطع المصالح بين هذه الأطراف، أي بين محور المقاومة حيث سوريا جزء أساسي ورئيسي فيه، وبين المصالح الروسية، وتحديداً ما يتعلق بخطر الإرهاب التكفيري، الأمر الذي صبّ، بطبيعة الحال، في مصلحة محور المقاومة.
ليس هناك وهم لدى هذا المحور، بمكوناته، حول منطلقات روسيا وأهدافها وسعة وحدود تقاطع المصالح معها. كذلك، في المقابل، ليس هناك وهم حول العلاقات الخاصة الثنائية بين موسكو وتل أبيب، وسعي كل منهما للتقرب من الآخر.
محور المقاومة، وتحديداً حزب الله، لم يراهن ولم يكن وارداً في مخيّلته الرهان، أن مجيء الروسي إلى سوريا هو على خلفية وهدف وقوف روسيا إلى جانبه وجانب المحور، في وجه إسرائيل. الغارات الإسرائيلية كانت تتقطر قبل مجيء الروسي، منذ عام 2013، ضد ما تقول إسرائيل إنه سلاح «كاسر للتوازن»، وهو مستمر ما بعد التدخل الروسي.
لا يوجد، بالمطلق، في الاتفاقات المباشرة أو غير المباشرة، بين مكونات محور المقاومة، وتحديداً مكوّنيه الأساسيين، إيران وسوريا، ثنائياً و/ أو جماعياً، مهمة طُلب أو تكفل أو التزم بها الروسي، في لجم الإسرائيلي. السبب بسيط جداً، وبديهي جداً، ذلك أن روسيا ليست جزءاً من محور المقاومة.
لروسيا، كدولة، مصالح في الساحة الإقليمية والدولية، تقاطعت في جزء منها مع مصالح محور المقاومة، وهي تضيق وتتسع ربطاً بهوية المصالح ومكانها ووجهتها. في الوقت نفسه، لا محور المقاومة، وتحديداً حزب الله، يتبنى الرؤية الروسية بتفاصيلها، والمقابل صحيح، فالروسي كذلك لا يتبنى، بطبيعة الحال، رؤية حزب الله بتفاصيلها.
هذا يعني وجود إدراك مسبق، للجانبين، حول حدود تقاطع المصالح وسقوفها، وإن كانت بطبيعتها واسعة جداً في الساحة السورية. ليس هناك طلب أو تفكير بطلب من الروسي للتصدي للإسرائيلي، وليس هناك رهان على ذلك. أي أن امتناع الروسي عن التصدي للإسرائيلي لا يشير بالمطلق إلى «تخاذل» حليف لمواجهة عدو.
في الخلاصة، كل هذه «الزوبعات» هي ناجمة، تارة عن جهل، ونقرّ بذلك، وتارات أخرى عن خبث، مع التشديد على أنه خبث مفضوح، وغير موفق.
مع ذلك كله، لا أحد يستطيع أن ينكر أن التدخل الروسي في سوريا ساهم في تعزيز محور المقاومة وتثبيته وساهم في منع أعدائه من تحقيق ما كانوا يخططون له في سوريا وعبرها. هذا التدخل ساهم في تعزيز هذا المحور، أي التهديد الأكبر على إسرائيل بحسب تعبيراتها وإقرارها هي. وهذه حقيقة واقعة وقائمة ولا لبس فيها، تدركها تل أبيب جيداً، وكذلك أصحاب نظرية «التخاذل الروسي».