بعد مضيّ أسبوع على اتفاق دخول القوات السورية ــ الروسية المشتركة إلى نقاط التماس مع قوات «درع الفرات» في ريف منبج الغربي، وما رافقه من نشر تعزيزات أميركية في محيط المدينة، تكثف أنقرة نشاطها الديبلوماسي والعسكري لتدارك كبح تقدمها من قبل واشنطن وموسكو.
ويبدو مشهد منبج من المنظور التركي أعقد مما كان عليه الوضع في مدينة الباب المجاورة، التي لجمت تركيا عنها لمدة طويلة قبل دخولها، عبر خطوط حمراء روسية وتقاعس أميركي عن دعم العملية هناك.
ومع الإعلان الأميركي على لسان رئيس هيئة الأركان المشتركة الأميركية، الجنرال جوزيف دانفورد، عن أولى نتائج «اجتماع أنطاليا» الثلاثي، بإنشاء قناة اتصال ثلاثية على مستوى عسكري عال» بهدف «التوصل إلى آلية لتخفيف التوتر»، صار من الصعب على تركيا القيام بمجازفات خارج الأطر التي يرسمها تفاهم موسكو ــ واشنطن عبر تلك اللجنة، رغم محاولاتها الجانبية لاستمالة واشنطن وروسيا بشكل منفصل، لحجز دور في معركة الرقة، أو دخول منبج عوضاً عن الأكراد. وفي موازاة ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأميركية أن آلية التواصل بين العسكريين الأميركيين والروس لضمان أمن العمليات الجوية في سوريا تطورت، وأصبح الطرفان يستخدمانها «أكثر فأكثر للإبلاغ حول القيام بعمليات برية». ولم يوضح المتحدث باسم وزارة الدفاع، جيف ديفيس، ما إذا كانت هناك خطط لعقد اتفاقات جديدة بين بلاده وروسيا في هذا الشأن.
وبدا هذا التوجه التركي واضحاً في حديث الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، أثناء زيارته لموسكو، إذ أكد أنه لم يتخلّ عن رغبته في سيطرة قوات «درع الفرات» على مدينة منبج السورية، وأبلغ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أنه يسعى للعمل مع «التحالف الدولي» في هذا الخصوص. وشدد على أن «العمليات التركية لتطهير مناطق شمال سوريا من العناصر الإرهابيين، مهمة جداً»، مضيفاً أن «وضع حدّ لسفك الدماء في سوريا، مرهون باتخاذ إجراءات مشتركة» مع موسكو وواشنطن.
بدوره، شدد الرئيس الروسي على أهمية الاتصالات بين وزارتي الدفاع الروسية والتركية والتنسيق العسكري التقني بين البلدين. وأشاد بالتعاون الروسي ــ التركي ــ الإيراني لتسوية الأزمة السورية عبر اجتماعات أستانة، موضحاً أنه «بفضل تعاوننا، كنا قادرين على تحقيق وقف إطلاق النار في سوريا. ولأول مرة في أستانة، جلس طرفا الصراع على طاولة واحدة». وأضاف أن «الإجراءات المنسقة أدت إلى الالتزام بالهدنة بشكل عام، وخفض مستوى العنف بشكل كبير».
وربطاً بنشاط أردوغان في موسكو، دعا نائب رئيس الوزراء التركي، نعمان قورتولموش، الولايات المتحدة وروسيا إلى الاختيار بين تركيا وتنظيم «ب ي د» (حزب الاتحاد الديموقراطي السوري).

قصفت القوات
التركية مواقع «الوحدات» الكردية
في محيط أعزاز

وأوضح في معرض ردّه على سؤال حول الصور التي أظهرت جنوداً من الروس يضعون شارات تعود إلى «مجلس منبج العسكري»، جدّد قورتولموش تأكيده أن «بلاده لا تفرّق بين المنظمات الإرهابية»، موضحاً أن «على الولايات المتحدة وروسيا أن تقررا ما إذا كانتا تفضّلان ثلاثة إلى خمسة آلاف مسلح من تنظيم (ب ي د) على الدولة التركية ذات الثمانين مليون نسمة، والتي تتمتع بالاستقرار وتمتلك أكبر جيش في المنطقة». ودعا قورتولموش «التحالف الدولي» إلى الحذر من «تغيير التركيبة الديموغرافية للمدن»، خلال العمليات العسكرية في سوريا، مضيفاً القول إن «الرقة مدينة عربية 100% تقريباً، وإذا نفذتم عملية ضد (داعش) هناك من خلال تنظيم (ب ي د)، فإن هذا يعني تطهير العرب عرقياً ورميهم خارج المدينة، وتوطين عناصر من غير أهالي المدينة مكانهم».
وترافق الحراك الديبلوماسي التركي بتصعيد عسكري على جبهة أعزاز، إذ استهدف الجيش التركي، يوم أمس، عدداً من القرى التي تسيطر عليها «وحدات حماية الشعب» الكردية، في محيط مدينة أعزاز. ونقلت مصادر كردية أن القصف طاول قرى المالكية ومرعناز وفيلات القاضي. وضمن سياق متصل، قالت صحيفة «إيزفيستيا» الروسية إن «قيادة القوات البحرية التركية أرسلت إلى سوريا وحدات (كوماندوس) من مشاة البحرية التركية للمشاركة في عملية (درع الفرات)، إلى جانب قوات نخبة خاصة».
وبالتوازي مع إعلان الجيش التركي «قتل 71 مسلحاً كردياً» في سوريا خلال الأسبوع الأخير من عملياته في ريف منبج، طالبت وزارة الخارجية السورية، في رسالتين وجهتهما إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن، بـ«إلزام تركيا سحب قواتها الغازية... ووقف الاعتداءات والحفاظ على الأمن والاستقرار». وأوضحت أن «قوات النظام التركي قامت (يوم الخميس 9 آذار) بتوجيه نيران مدفعيتها ورمايات صواريخها على مواقع تابعة للجيش السوري والقوات الرديفة قرب مناطق تابعة لمدينة منبج»، مضيفة أن «القصف الذي استهدف نقاط حرس الحدود أدى إلى سقوط عدد من الشهداء والجرحى».
من جهة أخرى، قالت «قوات سوريا الديموقراطية» إن لديها «القوة الكافية» لانتزاع مدينة الرقة من تنظيم «داعش» بدعم من «التحالف». وأوضحت المتحدثة باسم «قسد»، جيهان شيخ أحمد، في بيان، أن «عدد قواتنا الآن في تزايد، وخاصة من أهالي المنطقة، ولدينا القوة الكافية لتحرير الرقة بمساندة قوات التحالف». وأضافت أن «الرقة أصبحت الآن مدينة معزولة، ولدينا معلومات تفيد بنقل العدو لقسم من قيادته إلى خارج المدينة، كما يقوم بحفر الأنفاق تحت الأرض. ونتوقع أنهم سيحصّنون المدينة، وأن التنظيم الإرهابي سيعتمد على قتال الشوارع».
(الأخبار)




اتفاقات لعودة «الشراكة المتعددة الجوانب»

بعد التحسّن الملحوظ الذي شهدته العلاقة الروسية ــ التركية منذ الصيف الماضي، تحدث الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والتركي رجب طيب أردوغان عن «مستوى جديد» من العلاقات الثنائية، مشيدان بعودة العلاقات إلى طبيعتها بعد أزمة دبلوماسية خطيرة بينهما جراء إسقاط تركيا لمقاتلة روسية في تشرين الثاني 2015.
وخلال قمة جمعتهما في موسكو أمس، أكد بوتين أنّ علاقات بلاده مع تركيا عادت إلى مسار «الشراكة المتعددة الجوانب». وأضاف عقب مباحثات اختتمت بتوقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية، أنّ اللقاء جرى في أجواء ودية وبنّاءة، مشدداً على أن بلاده عازمة على استئناف الحوار السياسي مع تركيا. وأكد أهمية التعاون القائم بين الدوائر العسكرية لدى الجانبين الروسي والتركي في مجال محاربة للإرهاب.
ولفت إلى أن روسيا تعتبر تركيا «من أهم شركائها»، لافتاً إلى أن الجانبين سيعملان على معالجة ملف إلغاء التأشيرات من خلال التعاون القائم بين الأجهزة الأمنية، وعلى إلغاء القيود التي تخص العمالة التركية والشركات التركية في السوق الروسية.
ومن جانبه، قال أردوغان إن بلاده وروسيا تجاوزتا أزمة العلاقات الثنائية، داعياً الجانب الروسي إلى إلغاء القيود المفروضة على العلاقات التجارية المشتركة. وكشف عن اتفاق يقضي بتأسيس صندوق استثمار مشترك برأس مال أوّلي قدره مليار دولار، لافتاً إلى أن البلدين سوف يعملان على تعزيز التبادل التجاري لكي يصل إلى 100 مليار دولار.
ولفت إلى أهمية تنفيذ مشروع (السيل التركي) وبناء محطة «اقويو» الكهروذرية، مؤكداً أهمية التعامل في البلدين بالعملة الوطنية بحيث يمكن استخدام الروبل في تركيا والليرة التركية في روسيا. وحث السياح الروس على العودة بكثافة إلى تركيا، متعهّداً باتخاذ كافة الإجراءات التي تضمن سلامتهم.
(الأخبار، الأناضول، أ ف ب)