كمن يرمي صنّارة في البحر، فتصل الى فم السمكة، وبعدها تُترك الصنارة، وتبقى السمكة في البحر... هكذا جاءت العروض الثلاثة لـ«صوتي» (اقتباس وإدارة فنية وإخراج شادي الزين) على مسرح «مونو». عروض ثلاثة فقط (2، 3 و4 مارس) قدمتها البطلات الثلاث: نادرة عساف، ثريا بغدادي ويولا خليفة، لم تشبع المشاهد بالتأكيد، وكل من يرغب في المشاهدة.
للمرة الأولى، تجتمع السيدات الثلاث على المسرح في عرض تعبيري وشاعري راقص. ثريا ونادرة ويولا، الصديقات في الحياة الاجتماعية منذ زمن، قررن الاجتماع في هذا العمل والتعبير عن حيواتهن، وحياة الأخريات، رقصاً وغناءً وتعبيراً.
مشهديات متلاحقة ــ غير مترابطة ــ تترك للمتلقي/ة، فهم الكوريغرافيا، التي تختصر حياة المرأة وكيانها، وأنوثتها، من الطفولة الى المراهقة، والحب، والارتباط، والطلاق والإنجاب. مسيرة حياة، ملأى بالألم والسعادة، والجروح، حاكت من خلالها النساء الثلاث كل نساء العالم، وجسّدن هذه المسيرة الشاقة من خلال الرقص المتأرجح بين الشرقي الذي تتقنه بغدادي، والغربي المعاصر، ملعب عسّاف، والشعر والغناء (خليفة). تضاف إليها خواطر شخصية خاصة، كتبتها كل واحدة، بلغات ثلاث: العربية، الإنكليزية والفرنسية. رافق بعض هذه المشهديات الفنان الشاب رامي خليفة، بعزف حيّ على آلة البيانو. رافق حركة الجسد، لتترك له الساحة بعدها لدقائق قليلة كي يقدم عزفاً منفرداً فريداً.
ضمن مساحة سوداء معتمة لعبت فيها الإضاءة دوراً بارزاً (هاكوب ديرغوغاسيان)، وبأجسادهن المتمايلة، وتعابير وجوههن الصارخة، رقصن معاً، على كلمات وألحان مختارات من ألبومات يولا خليفة الثلاثة («آه»، «آه وآه»، و«هواك»)، مرة غنجاً عندما يخاطبن الرجل: «لك قلبي، لك عمري، لك... لك قمري»، ومرة يصرخن نيابة عن كل امرأة فقدت صوتها، وعانت منذ زمن الأقدمين. تقف خليفة على مرتفع صغير، لتغني وتكرر العبارة عينها «قطعوا صوتي، فبتّ أسجل الحب على شريط القلب». تتدحرج الحقائب المختلفة، التي تمثل ثقل المعاناة، السفر، الهجرة، ورزمة التجارب الحياتية. البطلات الثلاث لم يكنّ وحدهن. حضر الرجل، والمرأة ومجموعة من الراقصين/ات والمؤدين/ات، من ضمنهم: ليلى مارون، ريان أبي فرج، صبى كوراني، علاء جمول، ألين عويس وحسام حمادة.
«صوتي» بمثابة نشيد أنثوي، أعادت نادرة ويولا وثريا صوغه بشكل فردي بدايةً، ليدمج لاحقاً في مشهديات الرقص التعبيري، ويخرجن وهن يقفن في مرحلة منتصف العمر بين الشباب والكهولة، بعرض فني متناغم، بتشعباته اللغوية والجسدية المختلفة. كان فرصة لهن لتجسيد حيواتهن، وأيضاً للوصول الى كل امرأة ومخاطبتها، لتتعرف إلى ذاتها، ومكامن أنوثتها... لتحكي عن آلامها، وأفراحها، وتفاصيل حياتها الصغيرة، عن الرجل، عن الأولاد، عن الحياة والإنسان. ربما انتهت محطة «صوتي» في بيروت، لكن ينتظر أن يجول في نيويورك، نيوزيلندا، وباريس خلال الأشهر المقبلة.