لقد أدركت دول العالم حقيقة بديهية معروفة، وهي: أن الانسان يكون أوسع استيعاباً وأسهل تعلماً وأكثر إبداعاً وأعمق فهماً إذا تعلم بلغته الأم، فتقديم العلوم بلغة عربية ربما يكون من أفضل السبل للالتحاق بصفوف الجماعة العلمية العالمية. ولغتنا العربية قادرة على أن تعبّر عن المصطلحات العلمية بيسر وبدلالات عميقة.
إن الأرضية العلمية واللغوية متوفرة، إضافة إلى حضور تجربة جاهزة ناجحة هي التجربة السورية، والتي من ثمراتها مناهج جامعية كاملة معرّبة في كل اختصاصات التعليم الجامعي، بحيث يمكن الاستفادة من كنوز المصطلحات العلمية الهائلة التي أضافتها على مر قرن من الزمن.
النزوح السوري وبلا أدنى شك هو أزمة العقد الحالي، أضاف العديد من المشكلات على كاهل دول النزوح وفي مختلف القطاعات، ولا سيما في القطاع التعليمي. قائمة المعاناة هنا أكبر بمقارنتها مع ما يقدم من حلول. إحدى هذه المشكلات التي تم القفز عليها هي اللغة التي تدرس بها مواد العلوم والرياضيات. فالتلميذ السوري اعتاد على تلقي العلوم باللغة العربية وتعلمه بمناهج تدرس بلغة مختلفة أصابه بالإحباط في إكمال مسيرته التعليمية. أما الحلول المطروحة فهي برأيي الهروب إلى الأمام لكون مشاريع الدمج اللغوي لن تجدي نفعاً، فيما تقديم منهج رسمي معرّب سيزيد من نسبة إقبال التلامذة وتشجيع ودعم الأهل لهم وهذا ما لمسته أثناء عملي في المدارس اللبنانية التي تضم تلامذة سوريين، وقد سعيت شخصياً لإعداد كتب مترجمة إلى اللغة العربية للمنهج اللبناني، لكن غياب الدعم وعدم تبني المشروع من دار نشر أدى إلى انتشاره في نطاق ضيق لا يتعدى ثلاث مدارس.
أعتقد أيضاً أنّ هذه الإشكالية تتعدى التلامذة السوريين لتلاحق التلامذة اللبنانيين وغيرهم ممن يدرسون بلغات غير لغتهم الأم في مراحل التدريس ما قبل التعليم الجامعي، وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بمواد مثل الفيزياء والعلوم، ففهم هذه المواد والقدرة على الإبداع فيها يعتمد بطريقة أو بأخرى على اللغة، فقد أظهرت دراسة أعدتها مراكز أبحاث مصرية اختارت عشوائياً 1500 تلميذ مصري، وتابعتهم من بداية المرحلة الإعدادية إلى نهاية المرحلة الجامعية، أنّ من درس العلوم في المدارس الحكومية التي تعلم بالعربية، كانوا هم أصحاب أعلى الدرجات في الجامعات وكانوا من أكثر الخريجين نجاحاً في حياتهم العملية.
أرجو أن لا يُفهم من هذا المقال أني ضد تعلم لغات أخرى، لكن هناك فرق بين أن نتعلم لغة أجنبية وبين أن نتعلم بلغة أجنبية. إنّ إعادة الغربلة المستمرة لمسلماتنا في ما يخص العملية التعليمية أمر ضروري لضمان حجز مكان لنا في ركب التطور التقاني والعلمي، وأعتقد أن تأثير التعريب سيكون خطوة إلى الأمام في هذا الدرب. ولو عدنا بالتاريخ لوجدنا أن لا نهضة من دون أن ترافق ذلك ثورة في حقل الترجمة. يقول ميخائيل نعيمة «فلنترجم! ولنجل مقام المترجم لأنه واسطة بيننا وبين العائلة البشرية العظمى». وأنا سأضيف فلنعرّب فاللغة الأم هي مفتاح الفهم والإدراك.
* أستاذ فيزياء