أخيراً، احتفلت دائرة اللغة العربية ولغات الشرق الأدنى في الجامعة الأميركية في بيروت بعيدها الـ150. وها هو هذا التاريخ الطويل الذي أثقل كاهل الدائرة «العجوز» يَعِد اليوم بخطة استراتيجية تنهض بالدائرة وباللغة العربية، وسط موزاييك اللغات في حرمنا الجامعي.
لا يخفى على أحد واقع اللغة العربية هنا؛ فإن جولة لأيّ منّا في أماكن الزحمة الطلابية من «وست هول» إلى «سموكينغ آريا» (smoking area) إلى «الزّو» وغيرها من الأماكن، هي بمثابة جولة أنكلو ــ فرانكوفونية تأخذنا إلى أميركا وأوروبا، وقد تطير بنا إلى كل أصقاع العالم، لكنها تغفل حتماً عن دائرة اللغة العربية في مبنى «كولدج هول»، في قلب الجامعة.
لا شك في أن علاقتنا كطلّاب وعلاقة الجامعة بمؤسساتها كافة مع اللغة العربية مرتبطة بالسياسة العالمية وسياسة الاقتصاد العالمي التي نشرت في سياقها لغات على حساب أخرى وقللت ولو صورياً من أهميتها. لكن الاعتراف بالأمر شيء والتسليم به شيء آخر، إذ إن التسليم بأن اللغة العربية أقل شأناً من اللغتين الفرنسية والإنكليزية، على سبيل المثال، يعكس تقاعس كل منّا في تكوين هويته وشخصه، لأن للّغة الأم دوراً جوهرياً لا يمكن استثناؤه عند الحديث عن الهوية والمستقبل، وعلى حد سواء. إن الحديث عن أهمية اللّغة العربية ليس وقوفاً على الأطلال، كما يشدد عميد الدائرة بلال الأرفه لي، ولا هو إعنات لهويّة وانتماء، بل هو إقرار بتاريخ اللغة العربية ودائرتها، وخصوصاً في الجامعة الأميركية. فالمسيرة بدأت منذ تأسيس الجامعة عام 1866، وقد اعتبرت «العربية» آنذاك اللغة الأساسية للتعليم. ومن ثم استمرت الدائرة وتطورت بفضل عدد كبير من الأساتذة والكتّاب، ومن بينهم الأديب ناصيف اليازجي، مؤسس الدائرة وأحد مؤسسي الجامعة، الذي أخذ على عاتقه تهذيب اللغة العربية، وشجّع الطلاب على المساهمة في إحياء تراث اللغة ونشره. عام 1880، استبدلت اللغة العربية في تعليم المواد باللغة الإنكليزية، فكان لذلك التغيير أثر عميق على اللغة. ورغم تنوع المسارات التي تغطيها الدائرة ومنهجية تدريب الطلاب على الخلفية الثقافية، إلاّ أنها أصيبت بالوهن، وخصوصاً على مستوى درجة الليسانس (undergraduates)، حيث إن عدد المتخصّصين في اللغة العربية لا يزيد على خمسة طلاب. كذلك فإن البرنامج التعليمي لم يتغير منذ سنوات في الدائرة التي واجهت معاناة في التوظيف، فبعض المراكز لا يزال شاغراً حتى الآن، مثل الدراسات القرآنية والأدب العربي الحديث. إلاّ أنّ العميد يكشف عن خطة استراتيجية يعمل على تحقيقها بالتعاون مع إدارة الجامعة، تتضمن «نفضة» على صعيد المحاضرين والأساتذة؛ فقد قدّمت الدائرة حتى الآن عرضَي توظيف جديدين: العربية كلغة تقنية (Arabic as a technical language) والأدب العربي الكلاسيكي (Classic Arab Literature). كذلك سيتم إسناد أحد هذه المراكز لامرأة، لتكون هي المرة الأولى التي توظّف فيها الدائرة امرأة منذ تأسيسها. ويشير الأرفه لي إلى أن الدائرة ستستقبل عدداً من الأساتذة والمحاضرين الشباب، ما سيضيف حيوية وأفكاراً جديدة.
ويرى الأرفه لي في التغييرات فرصة ذهبية لإعادة النظر في المنهج التعليمي، إذ إن المنهج الحالي يستثني مرحلة زمنية تعادل ألف سنة من الأدب العربي، وبذلك يجد الأرفه لي ضرورة في توزيع الأساتذة بطريقة فعالة أكثر تمكّن الدائرة من تقديم تنوّع أكبر.
على صعيد آخر، تعْمد الدائرة إلى زيادة عدد الأبحاث ومواد النشر لكونها تُعدّ من أهم معايير التصنيفات العالمية. فالإنسانيات هي العلامة الفارقة للجامعة الأميركية. بالنسبة إلى عميد الدائرة، «لا تستطيع الجامعة منافسة جامعات من الدرجة الأولى في العلوم مثل MIT Stanford، وإنما تستطيع القيام بذلك في الإنسانيات عموماً واللغة العربية خصوصاً». من هنا ستطلب الدائرة من كل محاضر زائر أن يقدم للدائرة بحثاً أو مقالاً للنشر.
ويشدّد العميد على أهمية تدريس اللغة العربية كلغة حيّة وأداة للتواصل بدلاً من أن يتم اختزالها بميراث تاريخي فحسب. بناءً على ذلك، ستقدم الدائرة مقررات في اللغة العربية التقنية، وربما تعمل على مواضيع محددة، كتقديم مقرر يعالج اللغة العربية للمهندسين (Arabic for Engineers).
«أشعر بدعم من إدارة الجامعة لم أكن أشعر به من سنتين»، يقول الأرفه لي عند سؤاله عن سبب مباشرة هذه التغييرات الجذرية الآن.

* نائبة المحرر ومحررة الأخبار في جريدة «أوتلوك» الطلابية