طهران | عبثاً كان يحاول سائق التاكسي، على الطريق الواصلة بين پايانه جنوبي العاصمة الإيرانية طهران ومنطقة تجريش شمالاً، تغيير مؤشر الراديو للوصول إلى ما يطربه ويستعرض به شيئاً من جمال ثقافة بلاده للركاب العرب معه؛ معظم الإذاعات المحلية كانت تتحدث عن فلسطين، وتحديداً عن «المؤتمر الدولي السادس لدعم الانتفاضة».
فضلاً عن استضافة محللين عرب وإيرانيين للحديث عن أهمية عقد هذا المؤتمر في هذا التوقيت، تخللت نشرات الأخبار بث مقاطع من كلمة المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية، علي خامنئي، الذي تحدث بتفصيل العارف بأحوال فلسطين وبأهلها.
لم يخفَ على الطهرانيين، الذين غزت مدينتهم الملصقات الدعائية للمؤتمر، الحركة الكثيفة في ولنجك (فلنجك)، حيث القاعة الدولية للمؤتمرات التي امتلأت من حولها ثلاثة فنادق بالوفود الآتية من أكثر من عشرين دولة، فضلاً عن الشخصيات والناشطين الفلسطينيين الذين اجتمعوا من داخل فلسطين والشتات.

خابت توقعات كثيرين
حول تمهيد لخط تصالح بين دمشق وحركة «حماس»


يقول المتابعون إن هذا المؤتمر مُنح أولوية كبيرة، وخاصة أن خامنئي هو الذي حضر ليلقي كلمته مقارنة بسلسلة من الخطابات في عدة مناسبات على مدار سنوات كان يلقيها في حسينية الإمام الخميني، بجوار بيته في وسط العاصمة.
هذا ما كان له هدفه وفق رأيهم، وهو إبراز أهمية إعادة الزخم إلى القضية الفلسطينية، في ما يمثل رسالة داخلية قبل أن تكون خارجية، تؤكد للإيرانيين أن فلسطين ستبقى الرقم واحد رغم كل ما يشغل دولتهم في «مناصرة المستضعفين» حول العالم، وهي المناصرة التي افتتح بها رئيس مجلس الشورى الإسلامي (البرلمان)، علي لاريجاني، أعمال اليوم الأول، وذلك بالتشديد على أنها جزء أصيل من دستور الجمهورية.
لا يخفي الإيرانيون أن تفاعلهم مع القضية الفلسطينية تأثر كثيراً بسبب أحداث المنطقة والحرب في سوريا تحديداً، جراء المواقف المتباينة من التنظيمات الفلسطينية واصطفاف بعضها في الخط الذي يرون أنه يحارب المقاومة ومحورها.
ورغم أنهم كانوا طوال ست سنوات (هو عمر انقطاع هذا المؤتمر منذ آخر انعقاد له عام 2011) يحيون «يوم القدس العالمي» بكثافة ضمن إطار من النوستالجيا المرتبطة بوصية للإمام روح الله الخميني الراحل، فإن المؤتمر الذي اختتم أعماله أمس (بجانب لقاءات المؤسسات المدنية والأهلية على هامشه اليوم)، كان إعلاناً سياسياً بتصدّر الموضوع الفلسطيني في المرحلة المقبلة، وهو ما ستظهره الاجتماعات على الهامش، وفق القاعدة التي تقول إن ما يحدث أحياناً على هامش المؤتمر أهم من المؤتمر نفسه.
وبينما كانت الإشادة بمستوى الضيافة وطبيعة الاستقبال قاسماً مشتركاً في الحديث بين الوفود الفلسطينية المختلفة، امتلأت لوبيات الفنادق بالنقاش حول الإشارات الواضحة والتلميحات التي أطلقها خامنئي في كلمته. فحديث المرشد الأعلى بثقة عن الانتفاضة الجارية (انتفاضة القدس)، ووصفها بأنها «مظلومة» مقارنة بانتفاضتين سبقتهما، كانت إشارة إلى جو عام من التقصير الفلسطيني والعربي والإسلامي في دعم هذه الانتفاضة وتبنيها.
الأُولى من أكثر إشارتين إثارة للجدل بين الحاضرين كانت حديثه عن «جهات مفضوحة» تهاجم المقاومة، بالتوازي مع بلدان عربية وإسلامية تقدم مساعدات للتنظيمات الفلسطينية وتتوقع منها أثماناً في المقابل، والثانية هي رسالته إلى المقاومة الفلسطينية التي قال فيها إن عليها «أن تعتبر من ماضيها، وتتنبّه إلى نقطة مهمة هي أن المقاومة وفلسطين أسمى وأهمّ من أن تنشغل هذه المقاومة بالخلافات التي تحدث بين البلدان»، مردفاً عليها استدراكاً قال فيه، إن «عمق علاقتنا بجماعات المقاومة الإسلامية لا يرتبط إلّا بدرجة التزامهم مبدأ المقاومة».
كذلك لم يغب عن طاولة التفسير بالمقصود من كلام خامنئي على «مساعي المتلبّسين بثياب الأصدقاء الرامية إلى حرف مسار المقاومة»، وصولاً إلى قوله إنه «إذا ما سقط ــ لا سمح الله ــ تيار من تيارات المقاومة في هذا الفخ، فإن هذا الشعب قادر على إعادة إنتاج مستلزماته... إذا ألقت جماعة راية المقاومة أرضاً، فمن المتيقن منه أن جماعة أخرى ستظهر من صميم الشعب الفلسطيني لترفع هذه الراية عالياً».
ووسط اختلاف التفسيرات، خابت توقعات كثيرين حول تمهيد لخط تصالح بين دمشق وحركة «حماس»، إذ لم يكن الوفد السوري الممثل برلمانياً عن دمشق في المؤتمر يحتوي على أي من المعنيين بهذا الملف، فضلاً عن أن مستوى تمثيل الحركة في المشاركة في الفعاليات داخل إيران بقي كما هو منذ السنوات القليلة الماضية، أدنى من مستوى رئاسة المكتب السياسي.
وحضر عن «حماس» مسؤول العلاقات الخارجية، أسامة حمدان، وعضو المكتب السياسي محمد نصر، بجانب المتحدث باسم الحركة سامي أبو زهري من غزة، وممثلاها في لبنان وإيران علي بركة وخالد القدومي. في المقابل، كان تمثيل بقية الفصائل على أعلى مستوى، إذ حضر أمناء الفصائل ونوّابهم وعدد آخر من قيادات الصف الأول والثاني، فضلاً عن رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، سليم الزعنون.
لم يخفِ هؤلاء تفاؤلهم بأن يحدث تغير إيجابي ومفاجئ على صعيد القضية الفلسطينية، رغم أن الأجواء الدولية والإقليمية المحيطة تشي بعكس ذلك، لكنهم يؤكدون أن الشعب الفلسطيني قادر على الفعل والتغيير، وخاصة إذا توافر له مثل هذا الدعم السياسي والمالي.
انتهى يوما المؤتمر، لكن أصداءه ربما تستمر ما دامت طهران ستدخل مرحلة جديدة من الصدام مع «مجتمع دولي» لم يوف باتفاقه معها من جهة، ولا يزال يترك الفلسطينيين وحيدين من جهة أخرى.