منذ فترة غير قصيرة، يبدو حزب الكتائب مُحاصراً. لم يكن جزءاً من الاتفاق الاقليمي (كما أعلن وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف والوزير نهاد المشنوق) الذي أدّى إلى انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية.
وقبل ساعات من إعلان تشكيلة حكومة الرئيس سعد الحريري، رفض الحزب القبول بوزارة من دون حقيبة. هاتان الخطوتان جعلتاه خارج السلطة، مع محاولة واضحة لإلغائه ظهرت في مشاورات تأليف الحكومة، وتُستكمل في التحالفات الانتخابية وما كشف عنه رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع لـ»الأخبار» (12 كانون الثاني 2017) عن ملامح حلف رباعي يضم، إلى جانب القوات، التيار الوطني الحر وتيار المستقبل والحزب التقدمي الاشتراكي. البحث في قانون جديد للانتخابات النيابية تجري «قصقصته» على قياس أحزابٍ معينة، خطوة إضافية تُمهّد لإلغاء المكوّنات الأخرى، بما فيها الكتائب.
لا يرى رئيس الكتائب النائب سامي الجميّل، في مقابلة مع «الأخبار»، أنّ حزبه يتعرض لحرب إلغاء. يعتبر أن «صفقة عُقِدت في البلد، وقررنا أن لا نكون جزءاً منها. لا أحد يقدر على أن يلغي الكتائب». إلا أنه في الوقت نفسه يشير إلى أن «الحزب يدرك احتمال أن يتشكل تكتل كبير في وجهنا. المعركة صعبة جداً، ولكن نؤمن بما نقوم به». بالنسبة إليه، حزبه ينفرد بالموقف المعارض، «كلّهم متواطئون بعضهم مع بعض، والبلد تحكمه منظومة متوافقة على الرئاسة والحكومة والقانون الانتخابي والتحالفات».

لو كنا أسهل من القوات
لكان حزب الله أنجز التسوية الرئاسية معنا

خيار المعارضة لم يُبقِ للكتائب حليفاً، سوى «ضميرنا والشعب اللبناني»، يقول. ماذا عن القوى السياسية؟ «لم يبقَ حلف في البلد. ليس بيننا وبين الآخرين وحسب، بل بين بعضهم البعض. التحالف السياسي يُبنى على رؤية مشتركة، خلاف ذلك يكون تحالفاً انتخابياً أو التقاء مصالح». لذلك، يجد الجميّل نفسه أمام حلّين. إما محاولة خلق تحالفات سياسية جديدة لخوض الانتخابات، أو تُصبح الساحة مفتوحة للتحالفات الانتخابية». الانفتاح «الانتخابي» يقف عند حدود الحزب السوري القومي الاجتماعي. ملف اغتيال بشير الجميّل يمنع التحالف بينهما.
الأحزاب التي كانت معادية لحزب الكتائب تاريخياً، كالشيوعي والبعث والقومي، تملك تصوراً واضحاً لقانون انتخابات نسبي خارح القيد الطائفي على أن يكون لبنان دائرة واحدة. القوى السياسية الأخرى تقفز كل يوم من مشروع قانون إلى آخر، وكأنها لا تملك خطاباً سياسياً تبني عليه توجهاتها. الكتائب قدّم إلى مجلس النواب مشروع قانون الدوائر الفردية على مرحلتين، ولكنه لا يُمانع في الوقت نفسه اعتماد مشروع الـ»one person one vote» أو النسبية. يوضح الجميّل أنّ «أهداف القانون هي تحسين التمثيل لكل الطوائف وتأمين وصول شخصيات جديدة إلى المجلس. أي قانون يضمن ذلك نحن معه». مشروع الحزب الرسمي «هو الدائرة الفردية، ولكن إذا لم يكن هناك إجماع عليه، سنُفضّل قانوناً على آخر». في الدرجة الثالثة تأتي النسبية؛ الملاحظات عليها أنها «تُغلّب المنطق العددي على الإطار الميثاقي. بمعنى أن تأثير الطوائف سيكون مرتبطاً بحجمها على حساب المناصفة الفعلية. رغم ذلك يبقى أفضل من الستين». لماذا لا تكون نسبية خارج القيد الطائفي؟ «الخوف أن يبقى التصويت طائفياً وتُكبّر الطوائف حجمها، ولكننا لسنا ضد أن يُعطى هذا الطرح فرصته». انطلاقاً من هنا، تمثل الكتائب «بوفد رسمي مؤلف من ١٠ أشخاص في تظاهرة الحزب الشيوعي الأحد الماضي». على قدر أهميتها، لا تبدو هذه المشاركة الخجولة كافية. لا يزال الحزب محدوداً بخطوات «تقليدية» لا تواكب الظرف الاستثنائي. يسأل الجميّل: «ماذا نقدر أن نعمل أكثر من أن نُقدّم مشروع قانون إلى المجلس النيابي ونقوم بجولة على كلّ الأطراف ونُحذر من اعتماد الستين؟». لماذا لا تعودون إلى الشارع؟ أم تخافون من أن ينقلب الرأي العام ضدكم كما حصل في ملف النفايات؟ «في هذا الملف كان الرأي العام معنا إلى أن أصبحت النفايات في الشارع. السلطة تعاملت مع الناس كرهينة من أجل تطبيق مشاريعها، قبل أن يتبين أن الحقّ كان معنا». أما موضوع الانتخابات فمختلف، «المشكلة لا تُحل في الشارع في ظل جوّ التحالفات حيث الطبقة السياسية مجتمعة لتُغلق الباب بوجه أي إمكانية تغيير». ولكنه لا يستبعد أن يكون الشارع خياراً. يرى نائب المتن أن المفاوضات حول القانون حالياً «تحصل وفق منطق أنهم يريدون تحديد النتيجة سلفاً، وهذا الخطر».
يُعوّل الكتائب في ملف القانون على موقف رئيس الجمهورية، مقرراً أن «نعطيه فرصة، ولا نكون سلبيين بالمطلق». الحذر ما زال يُخيم على العلاقة بين الصيفي وبعبدا، وهذا أمر «طبيعي لأنه كنا طيلة ١٠ سنوات على خصومة سياسية معه». هل سينعكس هذا الودّ على العلاقة مع التيار؟ «في الأساس، علاقتي معهم ممتازة. الخلاف كان في السياسة وأضيفت إليه الصفقة الكُبرى. ولكن نحن نتصرف وفق قناعتنا مع الرئيس وليس بهدف آخر». أحد أعضاء «الصفقة الكُبرى» هو حزب القوات. بعد الكرّ والفر بين الصيفي ومعراب على وسائل التواصل الاجتماعي وموقعي الحزبين الإلكترونيين، «قررنا أن التشنّج يجب أن يتوقف. هناك خلاف واختلاف يُعبّر عنهما بديمقراطية».
لماذا كان أسهل على حزب الله أن يُباشر حواراً معكم وليس مع القوات؟ هل حصل منكم على ضمانات تعجز معراب عن تقديمها؟ «لو كنا أسهل لكان أنجز التسوية الرئاسية معنا»، يجيب الجميّل. بعد توقف الحوار بينهما، يقول الجميّل: «إذا حزب الله مستعد أن يبحث المعضلة اللبنانية بعمق، فنحن جاهزون للحوار في أي لحظة».
البحث في التحالفات الانتخابية مؤجّل إلى ما بعد الاتفاق على قانون جديد. لا يُعلق على حديث جعجع عن تحالف رباعي، بعد إقرار القانون، إذا كان التحالف الانتخابي ممكناً على أساس التحالفات السياسية، يعطيه الكتائب أولوية. «وإذا لم يتوفر ذلك، نكون حينها محررين من أي التزام ونتصرف حسب مصلحة الحزب في إيصال أكبر كتلة من النواب». يدافع الجميّل عن التحالف الانتخابي، فالوصول إلى مجلس النواب «حق، وليس منّة من أحد، لتمثيل شريحة كبيرة من اللبنانيين ولنتمكن من لعب دورنا كموالاة إذا تغيرت الظروف، أو كمعارضة مؤسساتية تُحاسب وتراقب». هذه القوى التي ستُساعدك على النجاح تريد أن تعارضها؟ «ممكن جداً، لأن هذا تحالف انتخابي لا يربط أحداً بعد النتيجة». الاستحقاقات الانتخابية في فرنسا حاضرة دائماً كأمثلة على كلامه. يقول الجميّل إنّ المعارضة من الداخل فعالة أكثر من المعارضة من الخارج، «وإذا ما في مفر تكون من برّا… منعملها». لم تحسم قيادة الصيفي قرارها خوض معركة شاملة أو عقد تحالفات في المناطق، من المفروض أن تتوضح الصورة «بعد أسبوعين أو أكثر حسب التطورات». خلال الخلوة التي نظمها الكتائب في 21 كانون الثاني، انقسم أعضاء المكتب السياسي بين هذين الرأيين، أما رئيس الحزب فـ»لم أحسم رأيي بانتظار القانون».
انطلاق الحملة الانتخابية ينتظر أيضاً القانون الجديد، عكس الماكينة التي تعمل على إعداد اللوائح وتجهيز الأقسام «حتى نكون جاهزين لخوض المعركة في كل لبنان». بالنسبة إلى التمويل، «نبحث في إمكانية تنظيم حملة لجمع التبرعات يُشارك فيها الاغتراب». ماذا إذا طلبت منكم السعودية أن تكونوا جزءاً من المشروع الذي يواجه إيران وحلفاءها في لبنان مقابل دعمكم مادياً؟ بحسب الجميّل «ربما السبب وراء إمكانياتنا المعدومة أنه ولا مرة قبلنا أن نكون جزءاً من منظومة إقليمية، لأن حياد لبنان غير قابل للنقاش». قبل أيامٍ، دعا الجميل رئيس الجمهورية إلى عقد خلوة طوارئ في بعبدا للاتفاق على قانون جديد. كلامه في هذا الخصوص وفي ملفات أخرى يبدو أشبه بصرخة في البرية. لا يرى أنّ السبب ضعف في خطابه بقدر ما هو «اتفاق بين القوى السياسية على إعطاء الاولوية لتقاسم السلطة، وأي مبادرة موضوعية لا صدى لها لأنهم يرفضونها». خطابك لا يتردّد صداه أيضاً على مستوى القاعدة. يُنكر ذلك، مستنداً إلى «الأصداء التي تصلنا وجولاتنا وعملنا». ما الذي سيغري الشباب للانتساب إلى الكتائب بدل الانتساب إلى القوات أو التيار أو القوى الأخرى؟ يعتقد أنّ خطاب الكتائب يؤثر في الشباب الذين يأتون إلى الكتائب «لأن لديه مشروعاً، ولأنه ثابت على مواقفه. هيدي الشغلة ما بفتكر فيكي تلاقيها كتير» في الأحزاب الأخرى.