بعد أشهر من وقوف قوات «درع الفرات» على أعتاب مدينة الباب، تخلّلها هجوم فاشل كلّف القوات الغازية خسائر فادحة كانت الأكبر منذ إطلاق عملياتها في الشمال السوري، عادت إلى التقدم من المحور نفسه مستغلّة حصار تنظيم «داعش» في المدينة والبلدات المعدودة الملاصقة لها وانشغاله ضدها في جبهة بزاعة وضد الجيش السوري في جنوب تادف. ودفعت أنقرة بقوات «درع الفرات» من المحور الغربي للمدينة، وتمكّنت من السيطرة على المشفى الوطني ومنطقة الشيخ عقيل المحاذية تماماً لأحياء المدينة، إلى جانب تقدمها في منطقة السكن الشبابي على مدخل الباب الجنوبي الغربي، قبل أن يتمكن التنظيم من صدّ الهجوم في وقت متأخر من ليل أمس.
وأسفرت الاشتباكات عن مقتل جنديين تركيين وإصابة 15 آخرين بجروح، في حصيلة صدرت عن رئاسة أركان الجيش التركي. التحرك التركي إلى داخل الباب لم يكن مفاجئاً في ضوء الظروف الميدانية المحيطة بالمدينة، التي أصبحت معزولة عن مناطق نفوذ «داعش» الممتدة نحو ريف الرقة، بعد تقدم الجيش السوري الأخير وقطع الطريق الممتدة شرقاً من بلدة تادف. واستبق الهجوم بزيارة طويلة، على مدى يومين، لرئيس هيئة الأركان التركية خلوصي أكار، برفقة كبار قادة الجيش، إلى القوات التركية المرابطة على الحدود السورية وإلى غرفتي عمليات غازي عنتاب وكلس.

أكد يلدريم أن تحرك قوات بلاده يجري بتنسيق مع «التحالف» وروسيا


وبدا لافتاً ما نقلته وكالة «رويترز» عن رئيس الوزراء التركي بن علي يلدريم، عن تحرك قوات «درع الفرات» بشكل «يتم تفادي وقوع اشتباكات مع القوات السورية»، إذ أوضح أنه «نتيجة للتنسيق بين قوات التحالف وسلاح الجو التركي وروسيا... يجري اتخاذ الإجراءات اللازمة للحيلولة دون وقوع أي حوادث غير مرغوبة أو اشتباكات».
ولا يمكن قراءة تحركات أنقرة الميدانية بمعزل عن حراكها السياسي، إذ تنظر الأخيرة إلى وصول إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب كفرصة ذهبيّة لإعادة تسويق مشاريعها في الشمال السوري، مراهنة على أن ترامب سيعمل على «تغيير» نهج سلفه أوباما، وخاصة في مجال دعم الفصائل الكردية.
وضمن هذا الإطار، ترافق التحرك داخل الباب مع اتصال هاتفي، هو الأول، بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الأميركي، تركّز الحديث خلاله، وفق ما أعلنت مصادر الرئاسة التركية، على قضايا المنطقة الآمنة واللاجئين ومكافحة الإرهاب.
القضايا الثلاث تشكّل نقاط تقاطع مهمّة بين أهداف أنقرة وما أعلن عنه ترامب مسبقاً حول المناطق الآمنة، وعزمه على التركيز على مكافحة الإرهاب. وتتطلع تركيا إلى لعب دور مهم في عودة واشنطن إلى المشهد السوري، بنسختها الجديدة، وتحقيق مكاسب بالتوازي مع ذلك، لا سيما أنها تعوّل على التعاون مع حليفتها التقليدية في مسارات إضافية، بعيداً عن قيود التفاهم الثلاثي مع موسكو وطهران.
الاتصال بين الرئيسين تطرّق إلى زيارة يجريها اليوم مدير الاستخبارات المركزية الأميركية مايك بومبيو إلى تركيا، لبحث عدد من القضايا المهمة، كذلك اتفق خلاله الرئيسان على «التحرك بشكل مشترك في الباب والرقة»، وفق ما نقلت وكالة «الأناضول» عن مصادر في الرئاسة. وهو ما أشار إليه المتحدث باسم الرئاسة التركية ابراهيم قالن، بالقول إن هناك «خطة ملموسة» لمعركة الرقة تجري مناقشتها مع واشنطن حالياً.
ويحرّك الحديث عن هذا «التحرك المشترك» عدداً من الأسئلة، حول طبيعته وإمكانية تنفيذه، خاصة أن مناطق سيطرة قوات «درع الفرات» بعيدة عن الرقة، ولا يمكنها التقدم من دون تنسيق مع الجانب السوري الذي تشير المعطيات إلى أنه لن يقبل بهذا الطرح.
وبالتوازي، أعلن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو، في مؤتمر صحافي مع نظيره السعودي عادل الجبير، أن «الهدف التالي» لقوات بلاده والفصائل العاملة معها في سوريا هو «عملية الرقة»، مشيراً إلى ضرورة «إشراك قواتنا الخاصة كبلدان في المنطقة وفي (التحالف)».
الإعلان الذي حمل طابعاً ثنائياً، يذكّر بعرض سعودي ــ تركي سابق على الرئيس السابق باراك أوباما، باستعداد قوات البلدين البرية للعمل تحت راية «التحالف» ضد «داعش». وهو عرض لم يجد طريقه إلى أجندة البيت الأبيض، التي حرّكت «قوات سوريا الديموقراطية» نحو الرقة.
المحاولات التركية لسحب مظلّة الدعم من فوق الأكراد حضرت في اتصال ترامب ــ أردوغان، إذ أشار الأخير إلى «أهمية مكافحة منظمة (بي ك ك ــ حزب العمال الكردستاني)، ووقف دعم الولايات المتحدة لتنظيم (ي ب ك ــ وحدات حماية الشعب الكردية)».
(الأخبار)