بعدما منع من العرض في الكويت، بينما اتّسع صدر الإمارات له على عكس ما أشيع، لا يزال الغموض يلف مصير فيلم «مولانا» (103 د.) في لبنان. بعضهم يؤكد أنّ الشريط لن يجد طريقه إلى العرض في بيروت بسبب اعتراضات سجّلتها دار الفتوى عليه لجهة «استهزائه برجال الدين واحتوائه على مشاهد قد تؤدي إلى إثارة النعرات الطائفية». وهناك من يقول إنّه سيخرج من المديرية العامة للأمن العام، لكن من دون أن يسلم من مقص الرقيب، بينما يستبعد فريق ثالث أن يتعرّض للرقابة طالما أنّه يُعرض في المحروسة كما هو منذ أكثر من 3 أسابيع، رغم الجدل الكبير الذي أحدثه، علماً بأنّه حسب الأرقام التي نشرها موقع «اليوم السابع» قبل أيّام، وصل إجمالي الإيرادات التي حققها «مولانا» منذ طرحه في الصالات المصرية، إلى ما يزيد على 545 ألف دولار أميركي، وهو رقم كبير بالنسبة إلى شريط خارج السباقات السينمائية الموسمية. في اتصال مع «الأخبار»، يؤكد رئيس دائرة الإعلام في الأمن العام، العميد الركن نبيل الحنون، أنّ أي قرار بشأن الفيلم لم يُتخذ بعد لأنّه «لم يُعرض على لجنة الرقابة على الأعمال السينمائية بعد»، متوقعاً أن يُحسم الموضوع بـ«حلول نهاية الأسبوع الحالي».

بدوره، يشير المنتج اللبناني صادق الصبّاح إلى أنّه لا جديد حتى الآن، مستغرباً ومستنكراً أن يواجه «مولانا» (أو أي فيلم آخر) رقابة من هذا النوع في لبنان، الذي لطالما شكّل نموذجاً في مجال الانفتاح والتحرّر وصون الحرّيات. ويوضح الصبّاح أنّه قرّر شراء الفيلم لإعجابه الشديد بدعوته إلى التسامح وتقبّل الآخر وعدم التفرقة بين الطوائف الإسلامية، وبين المسلمين والمسيحيين: «نعاني حالياً في لبنان من هذا الموضوع. والفيلم يتناول وقائع معيّنة، مقدّماً نموذجاً معيّناً من رجال الدين ضمن حبكة درامية جيّدة جداً، من دون أن يهين أو يقلّل من قيمة أحد».
«ستاتيكو»، هي الكلمة التي يستخدمها الصبّاح لوصف وضع الفيلم القابع منذ شهر تقريباً في أروقة الأمن العام، مرجّحاً أنّ «مولانا» لن يُمنع ولن يوافق عليه، في محاولة لـ«تمييع الموضوع»، وكاشفاً أنّه «إذا لم يُبتّ الأمر خلال الأيّام القليلة المقبلة، فسأطلب سحب الفيلم». وفي سياق سعينا لمعرفة طبيعة اعتراض دار الفتوى على مضمون الشريط، حاولنا مراراً الاتصال بالشيخ وسيم مذوّق (المطّلع عن كثب على الملف)، من قسم الشؤون الدينية والفتاوى، غير أنّنا لم ننجح.
من جهته، يكرّر المستشار القانوني في مؤسسة «مهارات» طوني مخايل موقفه الرافض لكل أشكال الرقابة المسبقة على الفن (خصوصاً السينما) المرتبطة بقوانين بالية يعود بعضها إلى أيّام الانتداب الفرنسي. فهي «تتعارض مع مبدأ حرية الرأي والتعبير المكفولة في الدستور اللبناني وفي كل المواثيق والاتفاقات الدولية التي التزم بها هذا البلد». وفي هذا السياق، يذكّر مخايل بمسودة جرى العمل عليها سابقاً لمشروع قانون يقضي بإلغاء الرقابة المسبقة وتكريس الرقابة اللاحقة المعتمدة على القضاء، إلا أنّها لم تصل إلى المجلس النيابي بعد.
هذه البلبلة التي ترافق الفيلم، وخصوصاً في لبنان، دفعت الصحافي إبراهيم عيسى والممثل عمرو سعد إلى التعليق الاثنين الماضي ضمن برنامج «هنا العاصمة» الذي تقدّمه لميس الحديدي على «سي بي سي». أكد عيسى أنّ منع «مولانا» يعني أنّ «التيارات السلفية الوهابية تسيطر على مقاليد صناعة القرار في ما يخص الموقف من الأفكار الدينية»، فيما أشار إلى أن عرضه في مصر يثبت أنّ «المجتمع المصري بخير وقادر على استنفار مشاعره التي تحمل مبادئ التسامح والانفتاح». أما سعد، فأعرب عن انزعاجه، مؤكداً أنّه يسأل دائماً: «هل يجب منع فيلم يقول إنّه لا يجب أن يكون هناك خلاف بين السنّة والشيعة، ويؤكد أن الإسلام دين تسامح؟ يقدّم العمل نموذجاً عن شيخ أزهري متسامح، فهل علينا أن نمنع فيلماً يقدّم قدوة للشباب؟...».
ما يجري مع «مولانا» ليس استثناءً في لبنان، فقد شهدنا خلال السنوات الماضية حالات مشابهة تدخّلت فيها جهات دينية وسياسية لمنع عرض شرائط عدّة، مثل «تنورة ماكسي» لجو بوعيد الذي اعترض عليه «المجلس الكاثوليكي للإعلام»، ومنذ أيّام «اسمعي» لفيليب عرقتنجي الذي أثار حفيظة رجال دين دروز، ما أدى إلى ظهور بقعة سوداء في لقطتين لتستر مشهد مرور ممثّل يجسّد شيخاً من هذه الطائفة.