تعود قضية إغلاق محالّ الكحول في كفررمان إلى الواجهة مجدداً، مع إحالة محافظ النبطية محمود المولى كتاباً على البلدية يطلب فيه "اتخاذ الإجراء المناسب" في هذا الشأن، على ما نقل رئيس البلدية، بعدما أعاد بعض أعضاء البلدية المنتمين إلى حركة أمل وحزب الله تحريك عريضة شعبية ظهرت في عهد البلدية السابقة من أجل إقفال محالّ الكحول الأربعة الموجودة في البلدة منذ سنوات.
كتاب المحافظ أعطى البلدية صلاحية "اتخاذ الإجراء المناسب"، كما يقول رئيس بلدية كفررمان ياسر علي أحمد، الذي يشرح أن كتاب المولى يستند إلى "ما ينص عليه القانون العثماني بمنع فتح محال لبيع الكحول في الأماكن الإسلامية وقرب دور العلم والمساجد والجوامع والتكايا". لكنّ مصدراً قانونياً يشرح لـ"الأخبار" أنه إذا كان محل الكحول غير مخالف للقوانين، ويملك ترخيصاً، فلا يحق للبلدية إصدار أي قرار بإقفاله. ويشير إلى أن "ما يتلطّى خلفه الداعون إلى إقفال محالّ الكحول هو قانون البلديات الذي يجيز للبلدية وضع أنظمتها الخاصة ضمن نطاقها الجغرافي، إلّا أنه وفق القانون يجب ألّا تخالف هذه الأنظمة الخاصة القانون العام، وهو ما يجعل قرار البلدية القاضي بإقفال محال الكحول غير قانوني. فالقانون أعطى البلدية حق التنظيم الداخلي، شرط ألّا تتحول البلدية إلى جمهورية قائمة بذاتها، وبناءً عليه، هناك حدود للتنظيم ضمن الإباحة غير المتفلتة مثل منع بيع الكحول لمن هم دون سن الـ 21، أو منع بيع الكحول بعد منتصف الليل، إنما منع وجود محالّ للكحول تملك رخصاً قانونية، هو مخالف للقانون العام، لأن الدولة لا تمنع بيع المشروبات الكحولية، وبالتالي المنع ليس تنظيماً، لأن هناك حريات شخصية للناس مكرسة في الدستور".

إذا كان محل الكحول غير
مخالف للقوانين فلا يحق للبلدية إصدار أي قرار بإقفاله

حتى أول من أمس، كان الأعضاء الذين يمثلون حزب الله وحركة أمل والتنظيم الناصري، يروجون أن البلدية اتخذت قرار الإقفال، وأن أصحاب المحالّ لديهم مهلة عشرة أيام لتنفيذ القرار. نشر موقع البلدية الإلكتروني الرسمي نص القرار، إلا أن البلدية سرعان ما رمت كرة الإقفال مجدداً إلى ملعب المحافظ. فقد سجل ثلاثة أعضاء في البلدية ينتمون إلى الحزبين الشيوعي والطليعة اعتراضاً داخل جلسة المجلس السبت الفائت، معتبرين أن موضوع ملف الخمر ليس من صلاحيات المجلس البلدي. وأكد عضو المجلس البلدي حاتم غبريس أن "هذا الاعتراض سيُرفَع إلى مجلس شورى الدولة للطعن بالمداولات التي حصلت".
يتحدّث رئيس البلدية عن جو شعبي رافض لهذه المحال، مدعّماً رأيه بالعريضة التي "وصل عدد التواقيع عليها إلى 2500 توقيع". في المقابل، برز جوّ آخر داخل البلدة يرفع شعار الدفاع عن الحريات، إذ نظّم مناصرو لائحة "كفررمان الغد"، التي ينتمي إليها الأعضاء الثلاثة، اعتصاماً أمام البلدية أثناء انعقاد الجلسة التي تناولت هذا القرار، رفضوا فيه المسّ بالحريات العامة ورفعوا مطالب عديدة منها حل مشكلة النفايات. يؤكد المعتصمون أن "الاعتصام ليس بسبب الخمر، بل بسبب الحفاظ على الحريات العامة التي هي حق من حقوق المواطن".
يدرك رئيس البلدية أنّ موضوع الإقفال ليس من صلاحياته، إذ أعلن عقب انتهاء الجلسة أنّ المجلس "درس قانونية هذه المحالّ من جوانبها كافة، وسجلنا كل الملاحظات وأرسلناها لسعادة المحافظ لأخذ القرار النهائي، لأن هذا الملف من صلاحياته وليس من صلاحيات المجلس البلدي". يرى أحمد أن "المحالّ غير قانونية، وأنه أُجريت دراسة قانونية واستشارات مع وزارة المالية وهيئة الاستشارات في وزارة العدل وخرجت بنتيجة أن المحالّ لا تستوفي الشروط القانونية".
يؤكد رئيس البلدية لـ"الأخبار" أن الكرة حالياً "في ملعب المحافظ ونحن تحت سقف القانون، فإذا اقتضى القانون بترك المحال مفتوحة تبقى كذلك". إحالة الموضوع على المحافظ لا تعني أن له صلاحية إقفال هذه المحالّ إلا في حال مخالفتها للقوانين، أمّا ما عدا ذلك، فلا يمكن إقفالها لأن القوانين اللبنانية تسمح بذلك. أوساط قريبة من المحافظ ذكّرت بموقفه الذي أبداه عندما طُلب منه في عهد البلدية السابقة الأمر ذاته، "فليشرع النواب قانوناً بديلاً من القانون العثماني وينظم أوضاع المحالّ وآلية عملها".
يستدرك رئيس البلدية بأنه "ليس معقولاً أن تحدث فتنة في كفررمان بسبب قنينة ويسكي"، متسائلاً: "هناك 2500 شخص معترض على وجود الكحول هل نلغي رأيهم؟". يقر رئيس البلدية بأن محال الكحول موجودة منذ زمن، وبرأيه، "هل ننتظر لكي تقع جريمة بسبب السكر؟ الخمر يذهب بالعقل ومن موقعي مسؤول عن الناس نريد مجتمعاً متعلماً أم مجتمعاً سكراناً؟". هكذا نصّب رئيس البلدية نفسه مسؤولاً عن حرية الناس باختيار شرب الكحول من عدمه، معتبراً في معادلة "عظيمة" أن الكحول يعتبر ضدّاً للتعليم. كل ما سبق يتناوله الرئيس باعتباره "مسؤولاً عن الناس"! أما رأيه الشخصي كما يقول لـ "الأخبار"، فهو أنه "مع إقفال تلك المحالّ التي لا تناسب البيئة المحيطة، إذ تستفزه الآرمات الكبيرة التي يرفعها أصحاب المحالّ بدلاً من التستر".