أنتَ لست وسيماً ولست ذكيّاً ولست عارفاً ولست حكيماً ولست ظريفاً ولست لطيفاً. أنت عكس كل ما سمعتَ عن شخصك عبر السنوات والعقود. لم تتبوّاً منصباً واحداً في كرة القدم أو في وزارات الدولة عن جدارة أو كفاءة. لم يبتسم لك رجل أو امرأة إلا قسراً أو طمعاً أو تملّقاً. لم يتسنّ لك يوماً أن ترى نفسك على حقيقتك في مرآة: الحاشية تقف بينك وبين المرآة. أنت محاط بجيش من المتملّقين (جلّهم من اللبنانيّين من عبدة الدولار) الذين لا ينفكّون عن مداعبة غرورك ومجاملتك والانحناء أمامك. لديك فرصة لتنظر فيها إلى حقيقة نفسك، فانتهزها.أنت لست تقيّاً ولا ورعاً ولا وطنيّاً ولا عروبيّاً ولا إنسانيّاً. أنت تلقّيت كمية هائلة من القصائد والمدائح، من الشرق ومن الغرب (لا يقلّ الغربي عن الشرقي في تملّقه لآل سعود)، وذلك كان خدعة لك. لم تدرك حجم النكبة التي حلت بالأمة نتيجة سيادتك السياسيّة ودورك المُخرب وضخّك للفتنة. لست ناجحاً ولا مثابراً ولا ماهراً ولا بارعاً. كل ما قيل فيك قيل بثمن باهظ وعلى حساب الناس وكراماتهم. نادراً ما تقرأ كلاماً صريحاً عن آل سعود بالعربيّة أو الإنكليزيّة أو الفرنسيّة. بعضهم يعترف في المقدّمة من الكتاب، كما فعلت ناتانا ديلونغ باس في كتابها عن «الإسلام الوهّابي»، الصادر عن دار جامعة أكسفور للنشر، بأنّه (أو أنّها) تلقّى معونة ماليّة في إعداد الكتاب من هذا الأمير أو ذاك في آل سعود. لماذا تخيفكم الحقيقة يا أمراء آل سعود؟ لماذا تهربون مذعورين من المواجهة والمكاشفة والمصارحة؟ لماذا تدعون نفاقاً إلى الديموقراطيّة في سوريا (وهي أقلّ ما يستحقّ الشعب السوري جرّاء معاناته تحت حكم آل الأسد)، وانتم ألد أعداء الديموقراطيّة؟ أنتم يا أمراء آل سعود: لو كنتم محبوبين من الناس، هل كنتم ستنفقون الملايين والمليارات في اقتناء الصحف والمطبوعات كي تبتاعوا ثناءً ومديحاً ونفاقاً؟ هل كنتم ستستأجرون الأبواق اللبنانيّة (التي كانت في الماضي مُستأجرة من صدّام حسين ومعمّر القذّافي وياسر عرفات) التي تواظب على تبجيلكم؟ كانت شعبيّة عبد الناصر مجانيّة: لم تكلّفه قرشاً، أما أنتم فتنفقون المليارات ولا تزالون مكروهين رغم إنفاقكم الهائل. قل هي أشياء لا تُشترى لمن كان من صنفكم. هل تقرأون عن أخبار تعرّض أمراء آل سعود في وسط بيروت، للضرب على يد الناس العاديّين؟ كان الناس هناك يتسابقون لتسديد اللكمات والرفسات ضد هذا الأمير وذاك. لو زال نفطكم ومالكم لطاردكم الناس بالنعال في كل البلدان العربيّة. لو زال نفطكم، لما وجدتم من يؤويكم من غضب الناس. الدنيا، يا آل سعود، هي غير ما يصوّر لكم سمير عطا الله وجهاد الخازن وعماد الدين أديب وفؤاد مطر (هذا الذي هجر التملّق للنظام الناصري كي يتملّق للنظام الصدّامي قبل أن يتملّق لكم).
يا أميراً سعوديّاً: لا تصدّقهم. أنت ثقيل الدم في رقصة العرضة. لو أنّ وديع الصافي رقص الباليه، لكان ألطف على العين من مشهد رقصكم. رقصة العرضة: تعبير عن رجوليّة بائدة ومُتخلّفة. تعبير عن عزلكم للمرأة. هي مقبولة في مخادعكم ومطابخكم فقط. وليس هناك من ثقافة في مهرجان «الجنادريّة» ولو جذبتم إليه «مثقّفين» بالأجرة. ومشاهد عواطفكم مع بعضكم البعض لا تثير فينا إلا الاشمئزاز. الحقّ الحقّ نقول لكم: لا نكترث لأخبار زواج سطّام، وطلاق مقرن ووفاة سلطان. هذه أخبار لا تعنينا في شيء وإن جعلتموها بمالكم أخباراً جليلة للأمّة.
قد تنتمي أنت، يا أميراً من أمراء آل سعود، إلى الجيل الأوّل من أبناء عبد العزيز. أنت لم تدرس التاريخ أو الجغرافيا: ذهبتَ إلى «مدرسة الأمراء» وتلقّيتَ من العلوم والآداب... لا شيء. أنت من جيل الأمراء الأوائل الذين قدّموا ملوكاً لآل سعود منذ وفاة الملك المؤسّس. لكن، متى كانت الكفاءة شرطاً لتبوّء المنصب الرفيع؟ لو كنتَ ذهبت إلى مدرسة عاديّة، غير «مدرسة الأمراء» حيث يحقّ للتلميذ ضرب المعلّم، وحيث القيلولة تستغرق أكثر من ساعات الدراسة، لعرفتَ أنّ لقب الإمارة لم يأتِ إلا من رضى المُستعمر البريطاني، كما كانت الإمبراطوريّة العثمانيّة تغدق الألقاب على عملائها ووكلائها وجلاديها في الولايات. أنت يا أمير آل سعود تنتمي إلى جيل كانت فيه الكفاءة نقيضاً للرجولة، والرجعيّة صنواً للتديّن، والنفاق تعريفاً للسياسة. هذا هو حكمكم يا آل سعود.
هل فكّرت يوماً في مصيرك لو تبخّرت أموالك وفقدت نفطك وثروتك؟ من يبقى معك من جيش المنافقين والتابعين والمُصفّقين؟ لو حدث ذلك لك، لهبّت أبواقك من اللبنانيّين (وغيرهم من المشرقيّين العرب) المنتشرين في مضاربك الإعلاميّة، ولتذكّروا أنهم ليبيراليّون عن حق، ولطالبوا بتحرير المرأة والرجل في مملكة القهر الوهابيّة. لو تبخّرت ثرواتك، لما وجدت نديماً حولك ولا متملّقاً ولا ساقياً. عندها فقط، لكشّر اللبنانيّون من حولك عن عنصريّتهم الكريهة ضد أهل الخليج (والتي يجهدون لإخفائها أمامك طمعاً بدولارك). عندها فقط، يضيق بك جلدك وتحاول الفرار إلى الخارج، إلى مكان لا يتبيّن وجهك فيه أحد. عندها فقط تبتعد عن أرض الجزيرة التي سطوتَم عليها بالسيف والجهاد الزائف، وأبقيتم احتلالكم وسيطرتكم بفعل الدعم الغربي الاستعماري. لو أعطيتَ الأمان لشعبك وللشعب العربي برمّته، لسمعت ما لا يسرّك. لو أتيح لهم، لأسمعوكم يا آل سعود ما لم يقله الحطيئة. لسمعتَ أيّها الأمير أنّك مكروه مكروه في كل العالم العربي. حتى الذين يتلقّون منك الأموال، وحتى الذين يتسكّعون على أعتاب مضاربك يضمرون لك البغضاء. كيف لا نكرهك يا أميراً في آل سعود؟ بأي حق أصبحت وكيلاً عن الشعب العربي: تتحدّث باسمه وتضع المبادرات الذليلة مع العدوّ باسمه، وتجعل من نفسك إلهاً عليه؟ بأي حق؟ وبأي حق تصبح الكعبة ملكاً لك، تعرضها كما يعرض بعض الأمراء مُقتنياته من السيارات النفيسة؟
أنت، يا أميراً من آل سعود، لا تستحق أن تتبوأ أي منصب في الدولة. لو تحدّثنا عن الجيل الأوّل من الأمراء لقلنا إنّ واحداً منكم لم يتقن اللغة الرسميّة في المملكة ولم يكتسب أياً من العلوم والآداب. بعضكم كان منهمكاً في مشاغل: الملك فهد، قضى شباباً وكهولة على موائد القمار وفي ملاهي الجنس في أوروبا. الملك فيصل كان أسيراً لهوسه بالخطر الشيوعي الذي بالصدفة تزامن مع الهوس الأميركي (السيّد والسائد). الملك فيصل كان يبيعنا تمنيات بالصلاة في القدس، فيما كان يتلقّى السلاح الإسرائيلي للاستعمال ضد الجيش المصري في اليمن. هذا جزء من تاريخكم غير المكتوب، يا آل سعود. الملك عبد الله تغزّل بمعاني الرجولة على طريقة فتى عربي في قبيلة قبل قرون خلت، وما استطاع يوماً قراءة جملة صحيحة في العربيّة. هناك أبنية شُيّدت في السعوديّة لإيواء مطلّقاته. مَن مِن أمراء آل سعود يستطيع أن يكتب جملة مفيدة أو يعبّر عن فكرة دون تدخّل الحاشية؟ ومَن مِن أمراء آل سعود يستطيع أن يقرأ جملة عربيّة واحدة دون تلعثم وأخطاء؟ وتصرّون على تمثيل العرب وقيادتهم والتحدّث باسمهم؟ وتصرّون على ادّعاء تجسيد العروبة، وأنتم الذين حاربوا كل تجليات في الفكر والممارسة العروبيّة عبر العقود، لكنّكم أصبحتم عروبيّين فجأة عندما بدأتم بمخطط إقناع العرب بأنّ إيران لا إسرائيل هي العدوّ.
يا أميراً في آل سعود. ماذا قدّمتم لنا في السعوديّة وفي العالم العربي؟ هل عشتم حياة العربي العادي، أو حتى علمتم بها؟ يا أميراً في آل سعود، هل وطئت قدماك يوماً مخيّماً فلسطينيّاً؟ هل أمسكت بيد طفل جريح من ضحايا قذائف وصواريخ، أهديتموها لحزب الكتائب اللبنانيّة أثناء الحرب الأهليّة؟ هل رأيت يوماً مفتاح بيت لعائلة فلسطينيّة هُجرت منه عنوة في 1948؟ أنت لم تزر مخيّماً واحداً لشعب فلسطين، لكنّك كنت تجول دوريّاً في مخيمات اللاجئين الأفغان بأمر من سيّدك الأميركي. هل رأيت ناراً عربيّة وحاولت أن تخمدها؟ على العكس: أنت لا ترى ناراً عربيّة إلا تزيدها اشتعالاً. هل تركت ناراً في اليمن ولم تنفخ في نارها وتحرّض بعض اليمنيّين (وتسلّحهم) ضد البعض الآخر؟ هل رأيت ناراً إسرائيليّة إلا تجاهلتها بالكامل إرضاءً لسيّدك الأميركي؟ حتى النيران التي اشتعلت في المسجد الأقصى وأنت البارز في «شعار الواعظين»، على قول أحمد شوقي، عندما يحلو لك ذلك كسباً وتكسّباً لمشروعيّة تُستجدى، لم تحرّك فيك ساكناً ولم تدفعك إلى التحرّك. بلى، تحرّكت. الملك فيصل أمر فوراً بعقد المؤتمرات والحلقات وإلقاء الخطب الحماسيّة وإصدار الفتاوى الفارغة وتجميع القوى الرجعيّة. بلى تحرّكت يومها، يا أميراً في آل سعود.
الأمير السعودي عاش حياتاً منقوصة. مَن مِن أمراء آل سعود حمل طفلته ودار بها؟ مَن منهم قدّم وردة لزوجته؟ مَن منكم شاهد شروق الشمس صاحياً؟ من منكم كتب قصيدة لم تُكتب له؟ من منكم كتب خطبة لم تُكتب له؟ مَن منكم حمل كتاباً؟ من منكم مشى في حديقة أو استقلّ باصاً عموميّاً في عاصمة أجنبيّة؟ مَن منكم سافر، ولم يترك وراءه سوء السمعة والفضائح؟ مَن منكم قطف ثمرة بنفسه أو قشّر فاكهة بنفسه؟ من منكم قدّم ولو دموعاً لضحيّة فلسطينيّة؟ من منكم لم يقع في نفاق المملكة الفاقع: العيش في خضمّ «موبقات وآثام وخطايا» من المنظار الوهّابي، فيما يبشّرون بتزمّت العقيدة التي على أساسها تحالف آل سعود مع عبد الوهاب. من منكم يا أمراء آل سعود احترم امرأة في حياته ولم يتعامل معها كسلعة؟
إن كل الصور النمطيّة عن العربي في الغرب تستعين بقصص وفضائح من أمراء آل سعود في الغرب. هؤلاء الذين لم نسمع أنّ أحداً منهم دخل مكتبة أو متحفاً أو معرضاً. أمراء آل سعود كانوا مخيّمين في السبعينات في نادي «بلاي بوي» بلندن. هؤلاء من المواظبين على مواخير الغرب والشرق وحاناتهما والملاهي. الأمراء والأميرات من آل سعود لا يدخلون في الصحافة العالميّة، إلا من باب ضرب الخادمات وتعذيبهم، بالإضافة إلى أخبار المخمورين. أمراء سعود هم من أبشع ما في العالم العربي. لو أنّ العالم العربي يتحرّر من سطوة مالهم، لعلم القاصي والداني بأخبار كبائرهم وقبائحهم. لو أنّ أمراء سعود يجولون في العالم العربي ويتحدّثون إلى العامّة بلا حاشية ولا مال، لعرفوا بمدى احتقار الناس، كلّ الناس، لهم.
يا أميراً من آل سعود، في كل القضايا التي مرّت على العالم العربي والإسلامي، لم تحرّككم قضيّة كبيرة إلا قضيّة «المجاهدين» في أفغانستان. هؤلاء المتزمّتون المتطرّفون الظلاميّون سلبوا ألبابكم وأموالكم. لم تتحرّك فيكم النخوة كما تحرّكت في تلك القضيّة الظالمة التي أنتجت طالبان والقاعدة، وأنهت حكماً ساوى بين الجنسين. لعلّ المساواة بين الجنسين هي التي استثارت غرائزكم وحميّتكم. كان ياسر عرفات في التسعينات يعطي متحسّراً تقديرات تفوق الستة عشر مليار دولار لحجم المساهمة السعوديّة في الجهاد الأفغاني. لم تقعوا على قضيّة رجعيّة إلا تبنّيتموها واعتنقتموها ونشرتموها. حاربتم اليسار والشيوعيّة والعلمانيّة والتنوير والنسويّة والحريّة، في كل مكان في العالم. حتى في إيطاليا، رميتم أموالكم على الحزب اليميني الرجعي في السبعينات، بأمر من أميركا كي تمنعوا وصول الشيوعيّين إلى الحكم. ماذا يجمع بينكم وبين الشعب العربي؟ حتى اللغة ليست جامعة: النطق بالعربيّة يعصى على الملك السعودي وعلى عدد وفير من الأمراء: هؤلاء الذين تخرّجوا من «مدرسة الأمراء».
أجيال تتعاقب من آل سعود ونكباتنا تتثاقل. البعض من الجيل الثاني تعلّم ـــــ يُقال. الأمير تركي الفيصل أمضى سنوات في جامعة جورجتاون، ولم يحصل على شهادة (لكن عمله في الاستخبارات السعوديّة عبر السنوات، بالإضافة إلى ماله، أدّى بالجامعة ـــــ الضعيفة أمام المال النفطي والعربي، يُسأل عن ذلك الطالب غير النجيب، سعد الحريري، الذي قُبل بقدرة قادرة، لدراسة إدارة الأعمال في الجامعة ــ لمنحه شهادة) إلا بعد أكثر من عقد من الزمن، وبعد خروجه من الجامعة خائباً وبدون شهادة جدارة. لكن بعض الأمراء، مثل بندر أو خالد بن سلطان أو أمراء وشيوخ آخرين في دول مجلس التعاون، يحصلون على شهادات من كليّات عسكريّة في الغرب. اكتشف هذه الخدعة المكشوفة الملك حسين الأردني. علم الأمراء أنّ «ساندهرست» في بريطانيا تعدّ برنامجاً خاصّاً و«مكثّفاً» وسريعاً وسطحيّاً وباهظ الكلفة لأمراء العرب، ومن دون علوم أو حساب أو وجع رأس، ولا امتحانات. الفائز فيها من يتبرّع بسخاء بأموال النفط. (تظهر ضحالة تلك الشهادات في أداء خالد بن سلطان العسكري ـــــ أذلّ الحوثيّون الجيش السعودي برمّته). شهر أو شهران ويعود الأمير حاملاً شهادة غير حقيقيّة. لكن الغرب ضالع في تآمر فرض حكم الأمراء والشيوخ والملوك والسلاطين فوق صدورنا.
الجيل الثاني والثالث من آل سعود أسوأ من الجيل الأوّل على علاته. الجيل الأوّل عاصر بعضاً من شظف العيش. الجيلان الثاني والثالث عاشا ونشآ في عالم غير عادي من الملذّات (المُحرّمة على الشعب) والرفاهية والفخامة والثراء الفاحش والظلم. هؤلاء ماذا يعرفون عن حياة الناس؟ الجيل الأول اقتنى العبيد والجواري (وبعضهم أنجب منهم، مثل الأمير سلطان بن عبد العزيز). والجيلان الثاني والثالث اقتنيا عبيداً وجواري، بعد تحرّر العبيد في المملكة، وإن تحت مسمّيات مختلفة. يقوم حكم آل سعود على سلّم من التراتبية العنصريّة والطبقيّة: الرجل الأبيض يحتلّ دائماً موقع الصدارة في سلّمهم الوظيفي. العرب والمسلمون هم في أسفل السلّم. الجيلان الثاني والثالث عاشا في الغرب، وقّلدا نمط الاستغراق في الملذّات الذي كرّسه سعود وفهد وعبد الله وسائر الأمراء. الجيلان الثاني والثالث يعانيان غروراً وصلفاً وعنجهيّة نبتت في عصر السيطرة السعوديّة على العالم العربي.
الجيلان الثاني والثالث من آل سعود لم يواجها ثورة جمال عبد الناصر في العلاقات العربيّة. لم يشهد أمراء الجيلين كيف كان الخطاب العربي يخضع للفصل القاطع بين المعسكر الرجعي والتقدّمي (طبعاً، فشل المعسكر التقدّمي وانتهى بإقامة أنظمة قمعيّة حرمت شعوبها الحريّة ولم تسترجع فلسطين، لا بل خسرت المزيد من الأراضي العربيّة). الجيل الأوّل عاش مرارة تلقّي الضربات من النظام الناصري ومن أصوات القوميّة العربيّة واليسار الهادرين في العالم العربي. استطاع الخطاب الناصري التأثير حتى على بعض أمراء آل سعود. لجأ الأمير طلال والأمير بدر إلى مصر، ودانا حكم آل سعود ودعما النظام الناصري. لم تغفر العائلة لهما تلك المعصية، وحُرما الوزارة مدى الحياة. الأمير طلال يريد لنا أن ننسى تلك الحقبة، وقد أعاد كتابة تاريخه في «شهادة على العصر» على «الجزيرة».
الجيلان الثاني والثالث من أمراء آل سعود يظنّان أنّهما وصلا إلى الرقيّ لأنّ البعض فيهما يستطيع أن يطلب خمره في البارات الغربيّة بلغة أجنبيّة. البعض منهم يظن أنّه يستحق الملك. البعض منهم، مثل بندر وتركي، ضاق ذرعاً بصبر الأبناء والسنين. لا يريد أن ينتظر دوره عندما يموت كل أبناء المؤسّس كي يصل إلى الملك. يريد الملك الآن. والجيل الثاني يرى أنّه أدرى بمصالح المملكة، لأنه قفز فوق بعض الموانع التاريخيّة والدينيّة. هؤلاء الذين باتوا يجتمعون مع زعماء إسرائيل ذهاباً وإياباً. يريد الجيل الثاني أن يثبت حسن نياته نحو أميركا، لعلّها تنصّب واحدهم بصورة عاجلة ملكاً. يريد أمراء الجيل الثاني (على طريقة أبناء زايد) إثبات ولائهم لأميركا وإسرائيل عبر تخطّي سياسات الآباء والأجداد، على انصياعها للمُستعمِر. يريد هؤلاء التقرّب من إسرائيل وعرض الحميميّة معها في العلن.
يا أميراً من آل سعود: لن يتحرّر العالم العربي بوجودكم. لن يهنأ للشعب العربي بال بوجودكم. لا نريد إصلاحكم أو هدايتكم أو رشدكم. أنتم تستعصون على الإصلاح وعلى الإرشاد وعلى الهدي. بالعكس، الإصلاح والتقدّم والتنوير مستحيلة معكم. أنتم ـــــ اكتشفنا في ردّة الفعل على سقوط حسني مبارك ـــــ حلفاء إسرائيل في مقاومة الحريّة والديموقراطيّة في كل العالم العربي. يا أمراء آل سعود: ماذا أنجزتم؟ متى كان قراركم مستقلاً؟ هل حافظتم على وعد السيادة؟ هل بمستطاعكم رفض المشيئة الأميركيّة الإسرائيليّة في أمر؟ لو طلبوا منكم نقل الكعبة إلى تل أبيب، لفعلتم صاغرين.
يا أميراً من آل سعود، ضاق عالمنا العربي بكم. كان الملك فهد يقضي أشهراً في قصره بإسبانيا، لماذا لا تذهبون في نفي طوعي إلى قصوركم في أرجاء المعمورة؟ شروركم وفتنكم لا تتوقّف. دعونا نحلم ونرقص ونحبّ ونفرح ونبكِ ونناضل ونقاوم ونرفض من دونكم ومن دون الأنظمة التي فرضتموها علينا (لا يتحدّث إعلام آل سعود عن الدعم المالي السعودي لنظام السلالة الأسديّة). دعونا نلج في قرن جديد: الضغط السعودي يحول دون تقدّمنا وتطوّرنا. لا يمنعنا آل سعود من التقدّم فقط، بل يرتبطون بحلف مع إسرائيل كي يحافظوا على نظام الطغيان الإقليمي.
يسير الأمير السعودي في قافلة طويلة من السيارات والطائرات المذهّبة. يتنقّل بين قصر وآخر. تبقى قضايا الشعوب في خلفيّة الصورة. يسمع بالانتفاضات العربيّة، فينثر الأموال على شعوب الممالك كي تستكين. بين كلّ عربي وكلّ أمير سعودي تراث من النقمة والبغضاء. ليس الأمر شخصيّاً، لكنّه شخصيّ بالمعنى العام. كلّ حريص على القضايا الثلاث: فلسطين والعدالة الاجتماعيّة والتحرّر الوطني، لا بدّ أن يعادي آل سعود. يشتري الأمير السعودي الوقت بالدولارات. حسم أمره: الانتفاضات العربيّة يجب أن تُقمع، إلا في أمكنة يمكن فيها إبدال أنظمة غير موالية بأخرى مُوالية. لكن البوعزيزي اشتعل. أما آبار النفط فلم تشتعل بعد. ليس بعد.
* أستاذ العلوم السياسيّة في جامعة كاليفورنيا (موقعه على الإنترنت: angryarab.blogspot.com)